الرئيس الأسد في الصين.. الإقليم وأميركا على خط المراقبة والترقب.. لنضبط التوقيت على ما بعد الزيارة
تشرين – مها سلطان:
أيّ حديث عن الصين هو حديث اقتصاد، هذه ثابتة، وأيّ حديث عن منطقتنا هو حديث سياسة (وجغرافيا) ثمّ في المرتبة العاشرة – ربما – يأتي حديث الاقتصاد، ولكن هذه ليست ثابتة، المنطقة تتغير، وبات الكل مقام مقال.
في المنطقة لا ينتهي حديث السياسية حيث تتوالد الأزمات السياسية أزمات ميدانية، حروب وصراعات واضطرابات، تبدأ ولا تنتهي، وحيث أنّ العالم كله موجود فيها ليُضاعف هذه الأزمات ويصبّ الزيت فوق نارها.. الاستثناء الوحيد هنا هو الصين (وروسيا بطبيعة الحال وإنْ كنا هنا نتحدث عن اقتصاد يبني ركائزه وفق قواعد جيو- سياسية محددة وعالم اقتصادي جديد يتشكّل، تقوده الصين في الاتجاه المعاكس تماماً لما هو عليه حالياً الاقتصاد العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية).
في الصين، وحولها، لا ينتهي حديث الاقتصاد حيث الطموحات الهائلة العابرة للقارات، وحيث باتت المتغيرات العالمية اليوم، أكثر فأكثر في خدمة هذه الطموحات، أي في خدمة الصين.
من ضيق الأفق والتفكير حصر الزيارة بتعبير «فرصة» فيما هي الأهم
على مسار استراتيجية العلاقات السورية – الصينية، وفيما هي تحظى بمراقبة إقليمية – غربية واسعة
الآن.. عندما نتحدث عن الصين والمنطقة، كيف يمكن لشكل الحديث أن يكون، وكيف يمكن أن يلتقي الاقتصاد مع السياسة والجغرافيا في نقطة واحدة أو في نقاط متقاربة وفق معادلة «رابح – رابح» التي يتبنّاها العالم الجديد الصاعد بقوة الصين «وروسيا وإيران والهند.. وغيرها».
وتالياً.. عندما نتحدّث عن الصين وكل دولة في المنطقة على حدة، هل يكون الحديث متشابه أو متقاطع، هل أنّ الصين تنظر إلى المنطقة ككل، بمعنى كتلة إقليمية واحدة، أم أنّ لكل دولة خصوصيتها ووضعها الجيوسياسي، والجيواقتصادي، الذي يحدد الأولويات، وحجم المصالح والفوائد؟
ثمّ عندما نتحدّث عن الصين وسورية، هل يكون حديث اقتصاد، أم سياسة وجغرافيا، أم كلها معاً، وهل سيكون هذا العام 2023 محطة فارقة حاسمة على صعيد العلاقات السورية – الصينية؟
اليوم بدأ الرئيس بشار الأسد زيارة رسمية إلى الصين، ترافقه السيدة الأولى أسماء الأسد، ووفد سياسي- اقتصادي، ومن المقرر أن تستمر الزيارة أيام عدة، وحول هذه الزيارة يحتار المراقبون ويتجادلون، هل هي سياسية، أم اقتصادية.. وهل هي مرتبطة أم منفصلة، بمعنى هل لها ارتباطات إقليمية- دولية من نوع ما، أم هي زيارة سورية خالصة؟ .. والأهم ما الذي يحمله الرئيس الأسد إلى الصين وبماذا سيعود.. وكيف يمكن لـ «الحرب» ألّا تكون حاضرة في التفاصيل كلها؟
ولكن بالمقابل هناك اتفاق على أنّها تأتي في وقتها المناسب، لسورية وللصين، وحيث أنّ الصين باتت على قناعة بأنّه لا بد مّن توسيع العمل باتجاه دمشق، والحسابات الصينية هنا لا تكاد تخفى على أحد، إنّها فرصة لسورية ويجب أن تستغلها، هكذا يراها المراقبون، ولكن كيف تراها الدولة السورية، أليس من ضيق الأفق والتفكير أن يحصرها المراقبون بتعبير «فرصة» فيما هي الأهم على مسار استراتيجية العلاقات السورية – الصينية، وفيما هي تحظى بمراقبة إقليمية – غربية واسعة لناحية الانتقال كلياً من حال إلى حال، وبما ينعكس على كل المنطقة وليس على سورية فقط ؟
الصين لها رؤية بعيدة النظر فيما يخص سورية.. الصين وسورية تلتقيان على قاعدة
«كل شيء في وقته».. واليوم تأتي زيارة الرئيس الأسد إلى الصين في وقتها تماماً.
منذ نجاح الصين في الجمع بين أكبر «خصمين» في المنطقة، السعودية وإيران، تحت سقف «اتفاق تاريخي» في آذار الماضي، وكل ما قيل في شأنه ولا يزال يُقال، خصوصاً لناحية دخول الصين سياسياً على خط المنطقة ذات النفوذ الخالص للولايات المتحدة الأميركية (وهذه سابقة) ولناحية كل ما قيل عن انعكاس الاتفاق على الحرب في اليمن، وأن الصين ستضع كامل ثقلها لإنهاء الحرب (كون اليمن بدورها تشكل محطة بارزة على مسار الحزام والطريق).. منذ ذلك الحين بدأ الحديث عن دور الصين السياسي في المنطقة، واتجهت الأنظار بصورة أساسية نحو سورية وعلاقاتها مع الصين، وغير خاف أن الصين لطالما لعبت- ولا تزال – دوراً سياسياً مهماً وحاسماً في الأروقة والمحافل الدولية (ومع الدول العربية نفسها) دعماً لسورية، بمواجهة مخططات الولايات المتحدة التي تريد تصعيد الضغط عسكرياً على سورية وتشريعه أممياً، إلى جانب تشديد الحصار الاقتصادي والعقوبات.
لكن الأمر كان أوسع وأعمق من دور سياسي صيني في المنطقة. لقد تخلّت الصين عن سياسة «الحذر الشديد» في التعامل مع منطقة مليئة بالمخاطر السياسية، وفي التعامل مع النفوذ الأميركي فيها، أدركت الصين أنّه لا بدّ من تغيير الاستراتيجيات مع دول المنطقة، والدخول بقوة على خط الأزمات التي تستمر أميركا في إشعالها، وبما يمنع على الصين تحقيق طموحاتها ومصالحها الاقتصادية، وربما عملت أميركا على استباق هذه الطموحات بإشعال المنطقة كلها في وجه الصين، منذ غزو العراق 2003 حتى «الربيع العربي» الذي ما تزال كوارثه مستمرة، وعليه إلى متى ستنتظر الصين وكيف يمكن لها أن تمدّ قواعد اقتصادية في المنطقة؟ .. صحيح أنّ مسيرة الأفول الأميركي بدأت ولكن ماذا عن كم الأزمات والحروب الذي أشعلته والذي بلا شك سيقف عائقاً هائلاً في وجه الصين؟.. خصوصاً وأنّ المنطقة برمتها تقع ضمن مشروع الحزام والطريق.
في سورية نثق بمسألة أنّ الصين وصلت إلى حتمية أنّه لا بدّ من تغيير النهج والسياسات
في ظل ما يشهده العالم من تحولات ليست كلها في مصلحة الصين
بعد الاتفاق السعودي- الإيراني كان هناك شبه إجماع تقريباً على أنّ دول المنطقة بدأت تفكر اقتصادياً أكثر من سياسياً، وعلى مبدأ أنّ الاقتصاد هي من يقود السياسات وليس العكس، وعليه كانت تلك الضجة الكبيرة – المستمرة – حول أنّ دول المنطقة تتجه للافتراق عن الولايات المتحدة لمصلحة الصين.
اتجهت الصين، ومنعاً للاصطدام المباشر مع الولايات المتحدة لإدارة علاقاتها مع دول المنطقة على مستوى ثنائي، وبصرف النظر عما تشهده تلك الدول من اضطرابات وتوترات، أو ما هي عليه طبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وإذا كان الحديث عن المنطقة هو حديث سياسة وجغرافيا، فإنّ الصين لديها نظرة مختلفة، تعتقد من خلالها أنّ «دول المنطقة تملك القدرة على الاندماج في مختلف وجوه الاقتصاد العالمي». السعودية مثلاً أثبتت هذه النظرة، ثم لحقتها دول عدة، ومقابل ذلك عملت الصين على توسيع حضورها التجاري في مدن الموانئ والتجمّعات الصناعية على المنافذ والممرات البحرية، خصوصاً في بحر العرب، والبحر الأحمر، والبحر المتوسط .
ونحن هنا نتحدّث عن الدول العربية النفطية (المستقرة سياسياً) بصورة أساسية.. فماذا عن الدول الأخرى، ماذا عن سورية؟
منذ عام 2018 كان هناك تركيز شديد على العلاقات السورية – الصينية، وتوقعات كبيرة بانتقالها إلى مرحلة أوسع وأعمق، لكن هذا الأمر لم يحدث، أو لنقل أنّ هذا الانتقال بدأ وكأنه لا يزال رهين سياسة التأني والحذر الصينية، لكن الاعتقاد الغالب هو أنّ الصين كان لها رؤية بعيدة النظر فيما يخص هذا الانتقال، وكان لها خططها غير المُعلنة، وعلى مبدأ أنّ «كلّ شيء في وقته»
تدرك الصين أنٍ مصلحتها تكمن في كسب سورية آمنة مستقرة
ولا بدّ من العمل ضمن هذا المسار، لأنّ عكس ذلك يعني فوزاً لأميركا وهزيمة لـ «الحِزام والطريق»
اليوم ومع زيارة الرئيس الأسد إلى الصين كثير من المراقبين يرون أنها تأتي في الوقت المناسب، وأنّ القيادة الصينية ستفعّل ذلك الانتقال آنف الذكر باتجاه مستوى استراتيجي كانت سورية تطلبه وتنتظره، ولا بدّ أن ينعكس على الأرض، اقتصادياً وسياسياً، لما فيه مصلحة كبيرة جداً لسورية، بل إنّ الكثير من المراقبين يرون أنّ الصين ستنفذ قريباً «عملية إنقاذ اقتصادي في سورية» وهذا أكثر ما تخشاه الولايات المتحدة وتعمل على عرقلته. ولكن هل هناك مبالغة في رؤية المراقبين، وهل من السهولة أو بالإمكان تنفيذ عملية إنقاذ اقتصادي في دولة تتقدم فيها معادلة ميدانية معقدة بأطراف حليفة من جهة، ومعادية من جهة أخرى؟
كل هذه الأسئلة وغيرها، إجاباتها مؤجلة لما بعد الزيارة وما ستكون عليه مخرجاتها، وقد يحتاج الأمر أشهر عدة لتتوضح الإجابات، لكننا في سورية نثق بمسألة أنّ الصين وصلت إلى حتمية أنه لا بدّ من تغيير النهج والسياسات في ظل ما يشهده العالم من تحوّلات ليست كلها في مصلحة الصين.. والأهم في ظل أنّ الولايات المتحدة لا تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد الصين تسيطر وتسود عالمياً، وها هي تطلق نسختها الخاصّة «الممر الهندي العالمي» بمواجهة مشروع «الحزام والطريق» الصيني، وحيث دول المنطقة أيضاً ضمن هذا الممر الهندي، والسؤال اليوم الأكثر إلحاحاً وخطورة بالنسبة للصين هو: أيّ الممرين ستختار دول المنطقة، الهندي/ الأميركي، أم الصيني؟.. هذا يقود إلى أنّ أميركا لا تفكر فعلياً بالانسحاب من المنطقة، بل تعمل على إعادة تدوير زوايا الضعف في سياساتها، وما لحق بها من هزائم اقتصادية وسياسية بمواجهة المحور الصيني – الروسي.
.. أيضاً نثق بأنّ زيارة الرئيس الأسد إلى الصين هي في وقتها المناسب، وأن هناك فرصة سانحة لا بدّ من العمل لأجلها، وهذا العمل ستلاقيه القيادة الصينية بتعزيز دورها في سورية وعلى المستويين السياسي أولاً والاقتصادي ثانياً، وربما بصورة أكبر مما يتحدث عنه حالياً المراقبون والمحللون.
تدرك الصين أنّ مصلحتها الجيو- استراتيجية تكمن في كسب سورية من جهة، وفي استعادة سورية أمنها واستقرارها من جهة ثانية، ولا بدّ من العمل ضمن هذين المسار، لأن عكس ذلك يعني كسباً للولايات المتحدة، وهزيمة حتمية لـ «الحزام والطريق» إذا ما استطاعت الولايات المتحدة إرساء قواعد «الممر الهندي» في المنطقة، لذلك فإنّ سورية خيار حتمي للصين.