«خطة إيران» للتقارب السوري – التركي.. أيُّ دلالات على الحل؟؟
تشرين- وائل الأمين:
بعد اثني عشر عاماً من الحرب على سورية، التي شاركت فيها كل الدول الإقليمية والعالمية على صفين متقابلين: الأول كان مع الشعب السوري وحقه في الدفاع عن أرضه كروسيا وإيران والصين، والثاني كان يحوك المؤامرة على هذا الشعب، كتركيا وأمريكا وأوروبا، في معركة غير متكافئة لكن انتصر فيها الشعب السوري وقيادته في أشنع حرب في التاريخ الحديث.
منذ أن بدأت روسيا بتقريب وجهات النظر بين أنقرة ودمشق، كانت مطالب الدولة السورية واضحة من خلال إعلانها أن الانسحاب التركي من الأراضي السورية، عبر جدول زمني محدد كفيل بتحقيق قفزة نوعية من العلاقات بين البلدين، كانت تصر تركيا على وجودها اللاشرعي بحجة محاربة الإرهاب، وأيُّ إرهاب تتحدث عنه أنقرة وهي من أدخلت الإرهابيين من كل الجنسيات إلى سورية؟؟
تحاول أنقرة التقرب من دمشق لعدة أسباب: أولها فتح طريق التجارة من باب الهوى إلى معبر نصيب، هذا الطريق الذي تعتبره تركيا باباً لحل بعض المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها، لكن الأمر الأهم لدى أنقرة هو حل مشكلة اللاجئين السوريين، هذه القضية التي تم تسييسها باتت تضغط بقوة على حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث تضغط المعارضة التركية بشدة في هذا الملف على أردوغان، ولذلك يحاول الأخير التقدم بشيء في هذا الملف قبيل الانتخابات البلدية، التي ستجري بعد عدة أشهر، وليضمن فوز حزبه في البلديات الكبرى مثل أنقرة وإسطنبول يحاول الجلوس مع الرئيس الأسد بأي طريقة لإقناع الناخب التركي أنه الأفضل في الداخل والخارج.
يرفض الرئيس الأسد الجلوس مع رئيس أي دولة تحتل جزءاً من الأراضي السورية، ويمكن توصيف هذه القاعدة بأنها حجر أساس لدى الرئيس الأسد في السياسة الخارجية، وانطلاقاً من هذه القاعدة ظهر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ليقدم اقتراحه، الذي تقدم بعرضه على دمشق وأنقرة ليظهر على الإعلام، وقال في تصريحاته: إنه اقترح خطة تفيد «أولاً بانسحاب تركيا من الأراضي السورية وأن تتعهد دمشق بنشر قواتها على الحدود التركية.. وثانياً لمنع ضرب الأراضي التركية من الأراضي السورية»، وهذا الاقتراح أعتقد أنه ينجح لعدة أسباب وهي:
أولاً.. إذا قامت تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية فإن ذلك سيجعل التعاون بين دمشق وأنقرة في محاربة الإرهاب أقوى وأكثر فاعلية، وبالتالي تستعيد الدولة السورية السيطرة على كل الأراضي التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة مدعومة من تركيا، وفي حين وافقت تركيا على ذلك هذا يعني أنها تخلت عن دعم الإرهاب في سورية، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى استعادة السيطرة من قبل الجيش العربي السوري على الشمال السوري.
ثانياً.. أكثر ما تخشاه تركيا هو تصاعد قوة ميليشيا «قسد» الانفصالية في الشمال الشرقي من سورية ولذلك أعتقد أن محاربة هذه المجموعات هو هدف مشترك بين دمشق وأنقرة وذلك سيعطي دفعاً لهذا الاقتراح المقدم من قبل الخارجية الإيرانية.
ثالثاً والأهم.. لماذا يخرج الوزير الإيراني في هذا التوقيت ليطرح خطته على الإعلام؟ ربما ذلك يعني أن أنقرة قد وافقت على هذه الخطة، والتي هي ليست بجديدة فقد طرحتها سورية منذ أن بدأ الحديث عن تقارب سوري – تركي، وأن تركيا جاهزة لتقديم جدول زمني محدد للانسحاب من سورية وهذا ما تريده سورية.
بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى سورية، والحديث عن الملفات المشتركة، اعتقدت تركيا أن دمشق وبغداد تنسق من أجل حل عدّة مشاكل في المنطقة سبّبها الأتراك في الدرجة الأولى، ولذلك قبلت بهذه الخطة ولاسيما الزيارات التي قام بها مسؤولون أتراك إلى العراق بعد زيارة السوداني إلى سورية، فهذه الزيارات توحي بترتيب شيء في الإقليم، وأن على تركيا الرجوع عن السياسات العدوانية تجاه الجيران في الجنوب والشرق.
تسعى تركيا للتقرب من دمشق بشدة، وخصوصاً بعد الحديث عن مشروع اقتصادي كبير من الصين إلى إيران_العراق_سورية ومنه إلى أوروبا، ولكي تضمن أنقرة حصتها من هذا المشروع يجب عليها تصفير المشاكل مع الجيران خصوصاً في سورية، هذه الدولة التي تعتبر ركيزة أساسية في أي مشروع اقتصادي في المنطقة.
يمكن اعتبار أن اجتماع اللجنة الرباعية «سورية – روسيا – إيران – تركيا » القادم سيكون تتويجاً للجهود الإيرانية – الروسية لتقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة، وهذا الاجتماع سيكون بداية صفحة جديدة في العلاقات السورية – التركية بعد أكثر من عقد على الخلاف والحرب، ولكن لاننكر أن أردوغان يجيد اللعب على الحبال جيداً حيث تعتبر هذه السياسة هي المفضلة لدى أردوغان ولكن كذلك الأمر لا يمكن إنكار قوة الدبلوماسية السورية التي استطاعت المحاربة على مدار اثني عشر عاماً في الأروقة الدولية، هذه الدبلوماسية التي انتصرت في أقوى معارك جنيف وواشنطن.
ولكن يبقى السؤال الأهم، هل ستستطيع الدبلوماسية السورية لجم سياسات تركيا العنجهية في المنطقة، أم إن لأردوغان جولة أخرى على الحبال؟.. يتساءل مراقبون.