ملف «تشرين».. الفرنسي كواجهة احتلالية يتآكل.. والمستعمر بين طردين آسيوي وإفريقي
تشرين – هبا علي أحمد:
المشهد الآتي من القارة الإفريقية يشي بتحول كبير في مسار رسمه المستعمر الغربي على مدى عقود من الاستعمار حتى بعد استقلال الدول هناك، وعقود من النهب والاعتماد على الثروات الإفريقية لتنشيط عجلة الحياة والاقتصاد الغربيين، هذا التحول يتم اليوم بأيدي أبناء القارة ولمصلحة مسار يخطّونه بأيديهم، بدايته لفظ المستعمر الفرنسي الذي يتصدر واجهة الاستعمار الأوروبي ومن ورائه الأمريكي و«خطه الدفاعي» الذي يتساقط كأحجار الدومينو من مالي إلى بوركينا فاسو والمحطة الراهنة في النيجر.. وإلى تواصل.
القارة الإفريقية تضع الغرب أمام تحدٍّ استراتيجي خطر في ظل التحولات العالمية ولعبة المصالح والتنافس بين القوى الكبرى والاصطفافات الدولية، لاسيما أنها قارة مثيرة للشهوات بما تملكه من ثروات، وما تملك من موقع جيو – استراتيجي مهم على خطوط الممرات الدولية للعديد من دولها، ليجد نفسه فجأة أحد أطراف المشهد السياسي هناك وليس الطرف الوحيد.
التحدي الذي يواجهه الغرب أن الانقلابات التي شهدتها القارة السمراء مؤخراً، ليست انقلابات على منظومات الحكم المرتبطة بالمستعمر فقط، بل هي انقلابات على المنظومة الغربية الاستعمارية كنقطة بداية لمعركة الطرد الكامل والنهائي، وبذلك يكون المستعمر بمختلف تسمياته وأجنداته بين طردين في آسيا وإفريقيا. من هنا تأتي خطورة التحدي بالتحديد وانطلاقاً من تشابك الملفات بامتداداتها الجغرافية ويرتبط بها بالضرورة تشابك القوى ومصالحها ونفوذها، وتراجع إحدى القوى لمصلحة تقدم قوى أخرى.
النقمة الإفريقية على الغرب بدأت تتبلور منذ تأسيس «بريكس» لكون جنوب إفريقيا أحد أعضائها وبعدها باتت الدول الإفريقية مسارها نحو روسيا والصين اللتين لاقتا هذا المسار بمزيد من الانفتاح والتعاون
خسارة النيجر بالنسبة لفرنسا تعني خسارة ثلث واردات فرنسا من اليورانيوم، أي ما معناه خسارة عصب الصناعة وأهم الخدمات، فالنيجر تضيء فرنسا باليورانيوم، إذ تغطي 35% من الاحتياجات الفرنسية من هذه المادة، وتساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء، هذا في الاقتصاد، أما في السياسة فالأمر يتخطى فرنسا إلى أمريكا على وجه الخصوص، فيرى البعض أنّ النيجر ستصبح الدولة الـ11 في سلسلة الدول الإفريقية، التي تشهد وجوداً روسياً، لكن مع فارق غاية بالأهمية هو أن الوجود الروسي ليس استعمارياً كالفرنسي والغرب عموماً ومن خلفه الأمريكي، بل هو وجود قائم على التعاون والتنمية والمصلحة المشتركة، بدليل رفع الأعلام الروسية في غير دولة إفريقية بالتزامن مع الدعوات لطرد قوى الاستعمار بواجهتها الفرنسية.
النقمة الإفريقية على الغرب الاستعماري، إن صح القول، بدأت تتبلور ملامحها منذ تأسيس «بريكس» لكون جنوب إفريقيا أحد أعضائها وبعدها باتت الدول الإفريقية تسلك مسار الاتجاه نحو روسيا والصين، وانفتاح موسكو وبكين على الدول الإفريقية وتأسيس مراكز نفوذ بناء على التعاون والمصالح المشتركة كما ذكرنا آنفاً، وما القمة الروسية – الإفريقية الأخيرة في سانت بطرسبورغ وقمة «بريكس» المرتقبة الشهر الجاري بمشاركة عدد كبير من الدول الإفريقية إلّا خطوات متقدمة في مسار التحول الإفريقي الذي على ما يبدو يسير بوتيرة سريعة ومدروسة منطلقاً من وعي شعبي راغب في التغيير الجذري بما يحقق له الأمن والاستقرار ويحفظ ثرواته من النهب والاستعمار ويحقق تنميته، فليس من المنطق أن تكون الدول الإفريقية كالنيجر مثلاً من أفقر الدول في حين تمتلك من الموارد الطبيعية ما يجعلها من أغنى الدول إن تمّ استثمارها في تنميتها، كالذهب والألماس واليورانيوم والفحم.
إذ كان سر الاستعمار، الذي لم يعد سراً هو الثروات، فإن سر الانتفاضة في وجه الاستعمار في مختلف البقاع الجغرافية ولاسيما الانتفاضة الإفريقية، إن جاز التعبير، هو التحرر والانعتاق من سطوة الاستعمار ديموغرافياً واقتصادياً وسياسياً وبناء علاقات طبيعية مع دول تحترم العلاقات وليس علاقة التابع والمتبوع.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. أغنى البلاد وأفقر العباد.. إفريقيا وثرواتها.. عبودية في سبيل رفاهية الغرب