«سواعدُ وقلوبُ» الخلاص السوريِّ
لعلّنا نوافقُ جميعاً على أنَّ «اجتماعَ السواعد يبني الوطنَ، واجتماع القلوب يخفّفُ المحنَ».
المثلُ منسوبٌ للاسكتلنديين، وهم شعبٌ لديه تجاربُ تتعدّى مهارات صناعة «الويسكي»، فقد عانوا ما عانوه في حربهم المريرة مع الإنكليز « حروب الاستقلال».
«السواعدُ والقلوبُ» لا علاقةَ لها باللغات، لذا؛ يمكن أن نتساءل ماذا عن سواعدنا وقلوبنا، نحنُ السوريين؟
وهل تبدو مهمّةُ إخماد ألسنةِ اللهب في زمن الحرائق الكبرى محصورةً برجال الإطفاء في أدبيّاتنا، أم هي مهمّةٌ مجتمعيّة كاملةٌ متكاملة؟.
نحنُ متفقونَ جميعاً على أن مشكلتنا ليستْ مشكلةَ موارد بل إدارة، وهذه باتت أشبهَ بالتُهمة الموثّقة التي نتداولُها بتقاذفٍ رشيقٍ للمسؤوليّات.
وإن كنّا قد اعتدنا طويلاً أن نغمز نحو المقصورة التنفيذيّة الرسميّة، فإنه سيكون علينا اليوم أمام خصوصيّة ظرفنا العصيب توسيعُ الدائرة على نطاق أفقيّ بطيفٍ غير تقليديّ، وربما جارحٍ بعض الشيء؛ لأن الحقائقَ العارية منفِّرةٌ على الأغلب.
إدارةُ الموارد؛ مصطلحٌ أهمُ بكثيرٍ من مجرد اختصاصٍ دراسيٍّ أو مقررٍ نافرٍ مُقحمٍ على مناهج مُبعثرة، بل هو خيارٌ وتحدٍ مصيريٌّ بامتيازٍ بعد انتهاء صلاحية الدور الأبويِّ للدولة؛ بحكم التقادم أولاً، وإملاءات ظرفٍ بات أبعدَ من محليٍّ ثانياً.
والواضحُ أننا أمسينا في حالةِ « كباشٍ» حقيقيٍّ مع استحقاقاتٍ حياتيّة ملحّة جداً، وهذا يعني أن لا مناصَ من المواجهة وبعنادٍ؛ وهي مواجهةٌ معكوسة هذه المرة، تبدأ من الفرد، ثم الأسرة، فالوحدات الإدارية، وبشراكاتٍ أقرب إلى «الفَزْعات» في سياق المجتمع المحليّ، ثم منظمات المجتمع الأهلي وهيئاته، وكذلك المغتربون ممن بقي لهم جذورّ وارتباطُ بهوية هذا البلد، وأخيراً الحكومة صاحبة الدور الحيويِّ في التنظيم وإتمام حلقاتِ التكامل الفعّالِ.
تكاملٌ حتميٌ، مهما بلغت مهاراتُ الهروب من المسؤوليّة، وأيُّ حلقةٍ تخفقُ تتوعّدُ الجميعَ بإخفاقٍ أشمل… هذه هي الحقيقةُ التي مازال بعضُنا يحاولُ المكابرةَ والتنكّرَ لها، خصوصاً من «الحكّائين» المَهَرة في صناعة الذرائع والأوهام، وعلى الأغلب؛ هم أكثرُ المتضرّرين من صناعتهم.
لا أحدَ سيصدقّنا إن زعمنا شحَّ الموارد، وسنكونُ أكثرَ واقعيةً لو تحدّثنا عن فقدان الأدوات ونسيان المهارات، خصوصاً في الأرياف «سلال الغلال الوفيرة» التي وقعت، لسنوات خلت، في غواية «التمدّن الأجوف».. ويا لها من لوثةٍ قاهرةٍ اجتاحتنا في غمرة أوهام الرخاءِ بعد الغرق في دوّامة الريعيّة واقتصاد الخدمات العائمة غير المرتكزة على قواعد الإنتاج التقليديّة، زراعيّاً وصناعيّاً!
قد تكون الزراعةُ أولاً، لأنَّ نظريّات الاقتصاد القديمة صنّفت الأرضَ أساساً لموارد الدول والشعوب، يليها العملُ والتنظيمُ والضرائبُ؛ فالأرضُ هي أمُّ الموارد، وهي أساسُ الزراعة والصناعة الزراعيّة والصناعات الاستخراجيّة، وسلسلة الصناعات التحويليّة.
هذا الطيفُ الواسعُ من الموارد لا يستثني فرداً، ولا مؤسسةً، ولا هيئةً من دور استراتيجيٍّ، مهما كان محدوداً.
لكنَّ « لوثةَ الانتظار» أفرغتْ دعوات الاقتصاديين لزراعة كل شبرٍ من فحواها، وغوايةُ الصادرات الخام تكادُ تُفرغُ بلدنا من مواردها.
اليومَ، نحنُ بحاجةٍ لورشات عملٍ وطنيّة تُعيد توزيعَ الأدوار بدقّة – أدوار مُلزِمة – من دون التعويل على المبادرات والطفرات؛ لأنها لا تصنعُ استدامةً.. ورشات قطاعيّة تزجُّ بالوزارات مع المجالس المحليّة مع المجتمع الأهلي للخروج برؤية قابلة للتطبيق المباشر، والأهمُّ أن تُحدّد المهامُّ والمسؤوليّات؛ لأنّ « اجتماعَ السواعد والقلوب» لا يكون بالسجالات على «وسائل التواصل الاجتماعي»، وهدر الوقتِ بعد هدر الموارد.