قراراتٌ بتوقيعِ «حكومة الناس»
تتماهى،عادةً، النتائجُ بين ممارساتِ الفساد وقلّة الخبرة أو ضعف المهارات، بل قد تكون الثانيةُ أخطر؛ لأنها ملاذُ تسويغ الممارسات المشبوهة عندما تبدأ المساءلةُ والمحاسبةُ.
لاتخلو يوميّاتُ العمل العام من مثل هذه الجدليّات العقيمة، وإن كانت مؤسساتُ الحكومة حافلةً بالأمثلة، فإن المجالس المحلية، بمختلف تراتبيّاتها، وهي «حكومةُ الناس» تغصّ حتى التخمة بما يصعبُ كثيراً تشخيصُه، إن كان فساداً أو خطأً، وهذه أعقدُ مشكلةٍ تعتري أداءَ كلّ مجالس الإدارة المحليّة، ونؤكدُ أنها «أعقدُ» لإدراكنا مرجعيةَ السبب، وهو القانونُ ذاتُه؛ قانونُ الإدارة المحليّة الفضفاض والمفتقر إلى كفاية المعايير والروائز، بدءاً من قبول المرشح ووصولاً إلى ضبط أدائه وتقييمه، وبين «بدءاً ووصولاً» عشراتُ بل مئاتُ الثغرات التي لن يستوي أداءُ «حكومة الناس» إلا بمعالجتها جذريّاً، وهذا هو عنوانُ ما يجبُ أن يكون مشروعاً وطنيّاً، يدلي كلُّ ذي خبرةٍ بدلوه فيه.
لسنا في وارد التشكيك؛ لأننا في غنى عن التورّط في سبر النيّات وبناء المواقف على الظنون، لكنْ، يحقّ لأيّ مواطنٍ أن يتساءلَ عن سرِّ تهافت المرشحين على المجالس المحليّة؛ على الرغم من أنها ليست مغريةً أو جاذبةً في حسابات المكاسب المشروعة، على الأقل ماديّاً، ونظنّه الاعتبارَ الأهمّ، ولو تنكّر أكثرُهم بأثواب المعنويّات.
الطموحُ مشروعٌ لأيّ مواطنٍ في تمثيل محافظةٍ أو منطقةٍ أو بلدةٍ في منظومة بالغة الحساسيّة كمجالس الإدارة المحليّة، لكنْ، هل تكفي الجنسيّةُ والبطاقةُ الشخصيّة والمواطنة لحمل طامحٍ ما، كما بساط الريح، إلى «كرسي مسؤوليّة» ، بكلّ معنى الكلمة وبقرارٍ جمعيٍّ معزّز بقوةِ القانون؟
في معايير « التنمية الإداريّة» تشددٌ بالغ لاشتراطات المرشحين للتسمية والإسناد الوظيفي في المفاصل الحكوميّة «حكومة الدولة»، لكنْ، أيّ معايير اشترطها القانونُ في المرشحين لـ «حكومة المواطن» أو «حكومة الناس»، وهو التوصيفُ الأفضلُ للمجالس المحلية، اقتبسناه من حديث السيد رئيس الجمهورية في لقائه مع الإعلاميين؟
ألا يمكنُ أن نشترطَ على المرشح الخضوعَ لدوراتٍ تدريبيّة مكثّفة في الإدارة والمحاسبة، والأهمُّ العلاقاتُ العامة والتعاطي مع الشأن العام، وأن نفتح باب الترشّح لدورات التأهيل قبل أشهرٍ من بدء الترشّح لتولّي المهامّ ؟
مهمٌّ جداً إقرارُ شرطٍ كهذا؛ ليكون الطريقُ إلى المجالس أكثرَ من مجرد طموحٍ ماديٍّ أو رغبةٍ استعراضيّة، حتى لو تراجعت أعدادُ المرشحين، وهوّل بعضنُا من محاذير «مقاطعة الانتخابات»؛ فالاكتفاءُ بخياراتٍ احترافيّة أقل أفضلُ بكثير من الاحتفاء بما نسميه إقبالاً؛ لأنّ علينا أن نفهمَ جيداً «إقبالاً» على ماذا؟
«حكومةُ الناس» توازي، في الأهميّة، الحكومةَ التقليديّة التي نسمِّيها السلطةَ التنفيذيّة، بل لعلها أهمُّ، وستكون أهمَّ بكثيرٍ لو أعدنا تحديدَ المسؤوليّات بقانونٍ جديدٍ.
ونختم بمعلومةٍ لمَنْ لا يعلم، وهي أن الإشرافَ والإدارةَ والتوزيع في قطاع الكهرباء والمياه وكلّ المرافق الخدميّة التي يشكو المواطنُ من سوئها اليومَ، كانت منذ عقودٍ من اختصاص المجالس المحلية، إضافةً إلى التسعير والرقابة وغيرهما..وهذه كلُّها تحتاجُ كوادر مؤهّلةً لشغل مهامّ محددة في المجالس التي هي تكليفٌ، وليست تشريفاً.