الاستدارة الإفريقية نحو روسيا.. قمتان حاسمتان: الأولى ثنائية تتبعها «بريكس».. والغرب لا يملك حالياً سوى الانتظار والترقب
تشرين- هبا علي أحمد:
يسير العالم بوتيرة متسارعة لا يمكن أن تنتظر أحداً، ومن يتخلّف عن الركب لاشك بأنه سيفوته الكثير، ففي زمن التحولات الكبرى تصبح الحاجة ملّحة إلى علاقات بأبعاد مختلفة وبمختلف المجالات ولاسيما الأمنية والسياسية والاقتصادية بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار ويضمن سلامة الإمدادات سواء الغذاء أم الطاقة على نحو خاص ومختلف الاحتياجات على نحوٍ عام، وقد برزت هذه الضرورة مما أفرزته الحرب الأوكرانية من خطورة على سلاسل الإمدادات الغذائية.
في توقيت دقيق للغاية وفي سياق التنافس الدولي والإقليمي بين القوى الكبرى في الميادين المختلفة، تتجه الأنظار اليوم إلى القارة السمراء بما تحمله من إمكانات وثروات هائلة بحكم ثقلها في الحسابات المستقبلية للاقتصاد العالمي وموازين القوى، من هنا تشكل القمة الروسية – الإفريقية الثانية التي ستعقد في سان بطرسبورغ على مدى يومين غداً وبعد غد، حدثاً لا يمكن أن يكون عابراً بما سيحمله من اتفاقات وشراكات جديدة وتعزيز وتطوير للتعاون الاقتصادي والتجاري، وتوحيد الصوت ضد الهيمنة الأمريكية وهيمنة الدولار التي أضرت بالاقتصاد العالمي، إضافة إلى لقاءات ثنائية قد تؤثر في المشهد بالعديد من الملفات والقضايا التي تشهد اشتباكاً روسياً- أمريكياً، ولاسيما أن الترقب الأمريكي – الغربي ليس بعيداً عن الحدث، فالوجود الروسي في إفريقيا سيشكل بلا شك تشويشاً على الدول الغربية في نطاق نفوذها التقليدي، كما أن الميل الإفريقي لروسيا سيكسبها 54 صوتاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة في خضم التجاذبات التي تحكم المشهد لناحية روسيا وواشنطن والغرب.
ما يعزز العلاقات الإفريقية – الروسية ويسهم في دفعها قُدماً هو الشراكة الفكرية – إن صح القول- في إنهاء الهيمنة الغربية – الأمريكية التي نالت لعقود من الزمن من القارة السمراء استعماراً ونهباً للثروات والإمكانات والمقدرات، ففيما يستمر الغرب بسياسته العدوانية وعقله الاستعماري تجاه القارة السمراء ويواصل سياسة النهب، تواصل روسيا مبادراتها لدعم القارة ويما يسهم في علاقات أكثر أمناً وديمومة واستقراراً، حيث شطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 20 مليار دولار ديوناً على القارة الإفريقية، فضلاً عن وجود تعاون كبير وعمل الشركات الكبرى الروسية في إفريقيا، خاصة بمجالات الكهرباء والطاقة والبنى التحتية والمرافق، ورغم الضغط الغربي على روسيا ومحاولات الدول الغربية وأمريكا تحميل روسيا مسؤولية أزمة الغذاء العالمية، جاء إعلان بوتين عن مبادرة بتزويد إفريقيا بالحبوب مجاناً، حيث صدّرت روسيا عام 2022 نحو 11.5 مليون طن من الحبوب إلى إفريقيا، وفي الأشهر الستة الأولى من هذا العام صدّرت قرابة 10 ملايين طن من الحبوب رغم العقوبات المفروضة على صادراتها.
وتعد روسيا أكبر مصدّر للمواد الغذائية إلى القارة الإفريقية، وهو ما يؤكد أهمية الدولة الروسية لإفريقيا، ويرى محللون أن الأرقام الاقتصادية تؤكد وجود اهتمام روسي كبير بالقارة الإفريقية، وهو ما انعكس إيجاباً خلال السنوات الست الأخيرة، فعلى سبيل المثال كان حجم التجارة بين روسيا وإفريقيا في عام 2016 يبلغ 14 مليار دولار «صادرات روسيا إلى إفريقيا 12 مليار دولار – وواردات روسيا تبلغ ملياري دولار»، ليرتفع هذا الرقم بنسبة 44 % إلى 24.5 مليار دولار في 2022 «صادرات روسيا إلى إفريقيا 22 مليار دولار – ووارداتها 2.5 مليار دولار» .
وعشية القمة، أكد الرئيس الروسي تمسك بلاده بمواصلة تطوير علاقاتها مع البلدان الإفريقية وتحفيز التجارة والاستثمار معها ومساعدتها في مكافحة الفقر، قائلاً في كلمة وجهها للمشاركين والضيوف في المنتدى الاقتصادي والإنساني الروسي – الإفريقي: التعاون مع إفريقيا بلغ في السنوات الأخيرة مستوى جديداً وتعتزم روسيا تطويره لتحفيز التجارة والاستثمار والعمل معاً لحل عدد من القضايا مثل مكافحة الفقر وضمان الأمن الغذائي والتغير المناخي، مؤكداً مواصلة روسيا مساعدة البلدان الإفريقية في تعزيز سيادتها وزيادة المشاركة النشطة لها في حل القضايا الإقليمية والدولية.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحفي: العلاقات بين روسيا ودول إفريقيا متينة ونسعى إلى تقليل دور الدولار في التبادل التجاري بيننا وعلى صعيد الساحة الدولية.
وتأتي القمة عشية قمة «بريكس» المقرر عقدها في شهر آب المقبل مع توقعات بإطلاق «بريكس بلس» التي سيشارك فيها عدد كبير من الدول الإفريقية.
وبدأ زعماء الدول الإفريقية صباح اليوم الأربعاء يتوافدون على بطرسبورغ لحضور قمة منتدى «روسيا – إفريقيا» المزمع عقدها يومي 27 و28 تموز الجاري.
ووصل صباح اليوم رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا رئيس غينيا بيساو، عمر شيسوكو إمبال، والرئيس البوروندي إيفاريست نداييشيمي على رأس وفد رفيع، ورئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين أرشينج تواديرا.
وفي وقت سابق أكد مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية يوري أوشاكوف مشاركة 49 دولة إفريقية من 54 دولة في القمة الروسية- الإفريقية.
ومن المقرر أن يعقد الرئيس الروسي عدداً من اللقاءات الثنائية مع نظرائه الأفارقة عشية انطلاق القمة.
وتحتضن بطرسبورغ قمة المنتدى الاقتصادي الروسي- الإفريقي الثاني، في إطار تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين روسيا والدول الإفريقية، والارتقاء بها إلى مستوى جديد.
ويهدف المنتدى إلى تنويع مجالات التعاون الروسي- الإفريقي، وتحديد تطور هذه العلاقات على المدى الطويل، فيما سيتم تنظيم معرض واسع النطاق وعقد ورشات عمل في إطار المنتدى.
وسبقت منتدى بطرسبورغ سلسلة من الزيارات والاتصالات المتبادلة على مستوى القادة والمسؤولين في روسيا ودول إفريقيا، أبرزها زيارات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دول القارة السمراء.
وتتمتع روسيا بعلاقات وطيدة مع الدول الإفريقية، في ظل حضور لافت للشركات الروسية الكبرى في السوق الإفريقية، وبينها شركة “روس آتوم”، التي تنفذ مشروع الضبعة النووي في مصر، أول محطة كهروذرية لإنتاج الطاقة الكهربائية في إفريقيا.
وعقد المنتدى الروسي – الإفريقي الأول في مدينة سوتشي الروسية يومي 23 و24 تشرين الأول 2019، وشارك فيه أكثر من 6000 شخصية من روسيا و104 دول وأقاليم.
وحضر القمة 54 من قادة الدول الإفريقية، وتم توقيع 92 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة تجاوزت تريليون روبل، كما تم عقد 569 اجتماعاً خلال المنتدى برعاية مؤسسة “روس كونغرس”.