ملف «تشرين».. عن سورية وتركيا ومسار التقارب.. الأجوبة البليغة في قمة فيلنيوس الأطلسية
تشرين – مها سلطان:
– لكل من كان يسأل: لماذا لم تكن سورية مندفعة باتجاه تسريع التقارب مع تركيا وهي في أتون حرب إرهابية عالمية تقودها الولايات المتحدة، عسكرياً واقتصادياً، وبحيث يُفترض بالدولة السورية أن تندفع باتجاه كل فرصة، وكل باب يُفتح، للخروج من هذه الحرب والتخفيف من وطأتها؟
– لكل من كان يسأل: لماذا لم تكن سورية متحمسة أو مقتنعة كثيراً بجدوى التفاوض مع تركيا، رغم أن من يتوسط ويسعى باتجاه تحقيق التقارب، هم حلفاء موثوقون حتى وإن كان ضمن هذا التوسط ما يحقق مصالحهم أيضاً.. فهذا لا يُفسد للتوسط قضية، ولا ينال من مستوى وقوة العلاقة مع الحلفاء؟
– لكل من كان يسأل: لماذا كانت سورية تؤكد وتصر وتتمسك بمطالب الضمانات المكتوبة، والجداول الزمنية، وإجراءات الثقة على الأرض، لتمضي قدماً في مسار التفاوض والتقارب مع النظام التركي، رغم أن هذا النظام الذي يقوده رجب أردوغان هو من طلب التفاوض وألحّ عليه، وهو من ظلَّ يتنقل، لأشهر مضت، ما بين موسكو وطهران طلباً لود الدولة السورية وموافقتها على بدء التفاوض؟
– لكل من كان يسأل: لماذا استمرت سورية بالتريث والتأني، رغم أن مصلحتها واستقرارها وأمنها، تقتضي بأن تغلق أحد أخطر جبهات الحرب الإرهابية ضدها، بل الجبهة الأكثر تأثيراً، والأكثر إدامة لهذه الحرب، ولماذا لم تقبل – مبدئياً- بالمعروض عليها تركياً في سبيل توسيع هذا المعروض في المرحلة المقبلة باتجاه تحقيق المطالب التي تتمسك بها كاستحقاقات وطنية عليا لا يمكن التنازل عنها؟
في سورية لم نبنِ يوماً على أوهام الثقة بالنظام التركي.. كنا نبني دائماً على الثقة بقيادتنا
وسياساتها الحكيمة وفهمها العميق لقضايا الإقليم وتطوراتها وارتباطاتها بالحرب الإرهابية على بلادنا
لكل هؤلاء.. كان الجواب بليغاً في قمة حلف شمال الأطلسي «ناتو» في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس، يوم الثلاثاء الماضي، علماً أن الجواب وصلهم قبل أيام من انعقاد القمة عندما دخل النظام التركي في عملية ابتزاز مُعلنة لشركائه في «ناتو»، تمهيداً لاستدارة جديدة، أو ما يسميه البعض «شطارة النظام التركي في استثمار الفرص» متجاهلين أنها شطارة تصب في خدمة أطماعه وأجنداته الاستعمارية، وعلى رأسها تعزيز تواجده كقوة احتلال على الأرض السورية.. ولهذا لا يُفترض بهم طرح الأسئلة السابقة وهم يعلمون مسبقاً أنها تأتي كلياً في مصلحة المحتل التركي.
الجواب نفسه كانت الدولة السورية تجدده تباعاً طوال الأشهر الماضية، منذ بدء مسار التقارب أواخر العام الماضي 2022 بوساطة روسية انضمت إليها إيران لاحقاً.. لطالما أكدت الدولة السورية أن النظام التركي ليس محل ثقة، وأنه يُماطل ويناور، ويكذب، فهو في أي من محطات التقارب لم ينفذ على الأرض ما يدعم الثقة به للمضي قدماً، بل كان – ولايزال – يستخدم كل أوراقه الميدانية المتمثلة بنقاطه العسكرية وبفصائله الإرهابية المسلحة على الأرض السورية، لتأكيد أنه يسعى لكسب الوقت و«استثمار الفرص» التي لابد آتية بسبب «الحاجة الحالية» له من قبل شركاء «ناتو» وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما حدث فعلياً خلال الفترة التي سبقت قمة الـ«ناتو»، على خلفية مسألة رفع الفيتو التركي عن قبول السويد في عضوية «ناتو».
ربما كان هؤلاء بحاجة إلى ذلك الجواب الذي كرسته قمة فيلنيوس، حتى لا يعودوا إلى تكرار الأسطوانة نفسها، وحتى يعلموا علم اليقين كم هي الدولة السورية على حق، وكم هي في صورة كل النيات الخبيثة المبيتة لها، ومن قبل الجميع، وليس التركي فقط.
مؤسف أن هؤلاء كانوا بحاجة لانعقاد قمة فيلنيوس، ليصلهم الجواب، فيما الجواب كان أمامهم حاضراً دائماً.
وبما أن الجواب قد وصلهم، فإن سؤالاً آخر يبرز حول ما بعد مواقف النظام التركي في قمة فيلنيوس، وهل الاستدارة التركية الجديدة، أو استغلال الفرص، سينعكس على مسار التقارب السوري- التركي، باعتبار أن «استغلال الفرص» يستهدف في جزء كبير منه روسيا التي هي الوسيط الأساسي في مسار التقارب؟
بالنسبة لنا كانت قمة فيلنيوس مهمة فقط لناحية أنها أعادت تأكيد المؤكد
ومع ذلك لابدّ من الانتظار فالمقدمات التي برزت في القمة تشي بتطورات كبيرة وخطيرة في المرحلة المقبلة
المراقبون لايكادون يتلمّسون ما يُوحي بمنعكسات محددة، في ظل حالة اللاتصريح التركي، أو الروسي.. لابد من الانتظار، ومن غير المعلوم كم من الوقت سننتظر قبل أن يخرج أول تصريح بخصوص الوضع ما بعد مواقف النظام التركي في قمة فيلنيوس، سواء على مستوى العلاقات الروسية – التركية، أو على مستوى التقارب السوري – التركي ومن ضمنه الوساطة الروسية.
علماً أن الاتجاه العام يوحي بأن المسألة قد لا تتجه بالضرورة نحو التأزم بين تركيا وروسيا، باعتبار أن ما يجمعهما من مصالح واتفاقات استراتيجية لابد أن يقود إلى تجاوز سياسة «استغلال الفرص» التركية حتى ولو كانت على حساب الحلفاء، هذه الاتفاقات والمصالح لابد أن تقود إلى التهدئة بكل الأحوال مهما قيل عن العتب والغضب الذي تشعر به روسيا حالياً.. إذ هما في المرحلة التي لا يمكن فيها التراجع إلى الوراء، ولا بد من المضي قدماً.
وتبقى هنا سورية، وما سيشهده مسار التقارب مع تركيا في المرحلة المقبلة.
الحمد لله أننا في سورية لم نبنِ يوماً على أوهام الثقة بالنظام التركي، وأننا كنا نبني دائماً على الثقة بقيادتنا وسياساتها الحكيمة والمتأنية والمتريثة، وعلى نظرتها الاستراتيجية، لقضايا الاقليم وفهمها العميق لتطوراته، وارتباطاتها بالحرب الإرهابية على بلادنا، والأمر نفسه ينطبق على المستوى الدولي.. ومن هنا فإن أياً من محطات التقارب المقبلة لا يمكن إلا أن يكون الوطن هو بوصلتها، مهما تقلبت وتعددت الاستدارات التركية.
اقرأ أيضاً: