عندما تبيع أمريكا الوهمَ.. تسكينٌ مؤقتٌ و«لا» لانضمام أوكرانيا لـ«ناتو»!

تشرين- هبا علي أحمد: 

بعد قمة «ناتو» في ليتوانيا، لن يعضّ الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي على شفتيه فقط، بل ربما من الأفضل له أن «يأكل ذاته»، ومن الأجدى في حالٍ كحاله التي يُرثى لها أن يعود أدراجه إلى ما قبل الـ24 من شباط 2022، إن كان يفقه في عالم السياسة، بعد أن وجد نفسه في سلة مهملات ضفتي الأطلسي الملقاة على قارعة الطريق.

بعد القمة نسأل، هل كان الغرب يريد في الأساس انضمام أوكرانيا أم انضمام السويد؟، هل الحرب التي أشعلها الغرب، ومعه الولايات المتحدة الأمريكية، بين جارتين ودولتين من إرث الاتحاد السوفييتي، كان غرضها جرّ كييف للمعسكر الغربي أم إنهاء حال الحياد للسويد؟ وهذه أسئلة مُلّحة فرضتها مجريات القمة، وما رافقها من اهتمام غربي بـ«رضا» تركيا بانضمام السويد من عدمه.. والأكثر من ذلك كانت القمة وكأنها احتفاءٌ بالرئيس التركي رجب أردوغان، وخطب ودّه من جديد أملاً في عودته الكاملة إلى الحضن الغربي لإبعاده عن روسيا وحلفائها.

على نحوٍ عام، كان واضحاً منذ البداية أنّ أوكرانيا لن تحصل بأي شكل من الأشكال على عضوية «ناتو»، فالهدف الأساس هو الحرب والمواجهة غير المباشرة مع موسكو طال أمدها أم قصر، لكنها ضرورية في هذه المرحلة الدولية الحرجة بالنسبة لأمريكا، ولاسيما بعد الانسحاب المُذل من أفغانستان وخسارتها غير جبهة في ظل القوى الصاعدة كروسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية والهند وغيرها من الدول، واختلاط الأوراق والملفات السياسيّة على الساحة الدولية، وتشابكها مع الاقتصاد الذي بات اليوم في مرحلة متقدمة عن السياسة، وبات البحث عن شركاء اقتصاديين جدد خارج النطاق الأمريكي أكثر ثقة ومصداقية، ما يؤدي بالضرورة إلى أدوار سياسية أكثر عدلاً وعقلانية.

لم يُخطئ الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما قال لزيلينسكي: «لا خلاص لكييف من واشنطن».. لأنه أصاب عين الحقيقة، فمن يتبع واشنطن يبقى ملعوناً إلى النهاية.. ملعوناً بأبدية الحرب والفوضى والخسارة والاستبدال، فأتباع واشنطن مجرد بيادق سيأتي يومٌ، وتحترق في النهاية، ولكن في المقابل على ما يبدو، فإن ورقة زيلينسكي لا تزال صالحة لأسباب ستوضحها الأيام القادمة، ولبثّ الدفء لكييف أعلن أمين عام «ناتو» ينس ستولتنبرغ عن إنشاء مجلس «أوكرانيا – ناتو»، كمسكن مؤقت لغضب زيلينسكي لعدم تحديد جدول زمني لانضمام بلاده للحلف.

ما ساقته واشنطن أمس عن أن انضمام أوكرانيا للحلف سيضع الولايات المتحدة مباشرة في حربٍ مع روسيا، يُفهم بطريقة واحدة لا غير، أنّ صراع القوى الكبرى مهما بلغ مداه وتهديداته لا بدّ من ضبطه عند حدود معينة حتى لا يقود إلى انفجار سيكون كارثياً على جميع أطرافه، وتالياً التورط المباشر لا يخدم السياقات السياسية، والأجدى سياسياً واقتصادياً، عسكرياً وأمنياً، توريط من لا تمثل خسارته أي شيء من أمثال زيلينسكي، وعلى حطبه يمكن في مرحلة لاحقة الجلوس إلى طاولة الحوار، أو التّوصل إلى صيغ توافقية غير مباشرة، وإلّا فما معنى الذرائع الأمريكية بشأن شروط يجب أن تستوفيها كييف للانضمام لـ«ناتو» كـ«الإصلاحات الديمقراطية» وانتهاء الحرب! أيّ حرب؟ أساساً مَن المعني بإنهائها كييف أم واشنطن؟ وما الديمقراطية المطلوبة، في حين إن كل دول «ناتو» لا ديمقراطية؟ .. وقد أصاب مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، جون بولتون كبد الحقيقة عندما قال: إنّ المحادثات حول عضوية أوكرانيا مجرد إهدار للوقت.

في المحصلة، باعت أمريكا ومعها الغرب، الوهم لزيلينسكي عندما أغروه كذباً بالانضمام لمظلة «ناتو» الأمنية والعسكريّة مقابل معاداة روسيا، كما باعوا ويبيعون الوهم للرئيس التركي رجب أردوغان بالانضمام للاتحاد الأوروبي رغم مرور 60 عاماً على المطالب التركية ذات الصلة، ليكتشفوا عن طريق «المصادفة» أنّ الظروف الراهنة ليست مهيّأة لمجرد دعوة كييف للانضمام، فكيف إذاً بالعضوية الكاملة؟ وليكتشفوا أيضاً «مصادفةً» أنّ انضمام أوكرانيا لـ«ناتو» يعني الحرب مع روسيا!!..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار