قليلٌ من الانتظار.. الجولةُ أميركيّةٌ
على الأرجح.. أخّرت جولةُ استعراض القوّة والأوراق الأميركيّة التي كانت «رابحةً» يوماً استكمالَ إنجاز الحلول للكثير من القضايا الحسّاسة بالنسبة لنا في سورية مع الجوار والمضمار العربي.
ونذكرُ أن تسارعَ وتيرة الانفتاح على سورية تزامنَ مع صخب التطوّرات الحاصلة في سياق صعود القطب الاقتصاديِّ الأكبر، وجولات «بريكس» والمتغيّرات اللافتة التي حصلت هنا في منطقة «الشرق الأوسط».
وقد يكون علينا ألا نتشاءمَ، فالجمودُ الذي يعتري معظمَ الملفاّت المهمّة اليوم، ليس إلا من منطلق انحناء الأشقاء والأصدقاء للريح، لأن أميركا تنجزُ جولةً مسعورةً للردّ واستعادة الهيبة، وبعضُهم حرّك ملفاتٍ ساخنةً بعض الشيء مع سورية ليستثمرَ اللحظةَ، ويمتطي الرياحَ الأميركيّة لعلّها توصله إلى مبتغاه.
ربما علينا ألا نتجاهلَ أن العالمَ يراقبُ في هذه الأيام فصولَ الجولة الأميركيّة في «الحرب العالميّة» الجديدة، وهي بالفعل عالميّةٌ بكلّ الأبعاد؛ اقتصاديّة وسياسيّة وإعلاميّة، وبوقائع أقل، عسكريّة لا تخلو من الاستعراض، واستعراضُ القوّة طريقةٌ أميركيّة قديمة عندما تضيقُ الأحوال بحائزي قوةً موصوفةً بـ «الأعظم» منذ الحربِ العالميّة الثانية.
ونذكر أن صمتَ الولايات المتحدة الأميركيّة على الجولة المُثيرة للقطب العالميّ الجديد بقيادة الصين، والتي شهد العالمُ تطوّراتها غير المتوقّعة خلال الأشهر الماضية، كان صمتاً مريباً ومدعاةً لترقّب ردود الفعل، والردودُ بدأت منذ أيامٍ بعنوانها العريض توسيع الـ«ناتو»، أو بتوصيف أدق إحياء الحلف البائد الذي لا يمكن أن يكون ردّاً على «بريكس» بسبب اختلاف القوام والأهداف و«التكنيك» أيضاً.
الجولةُ الأميركيّة صعّدت، وزادت من توتر الأوضاع في أوكرانيا، ولم يكنْ التلويحُ بالقنابل العنقوديّة واختراق القانون الدولي خياراً أميركيّاً موفّقاً، وهو على الأغلب ما سيتمُ إخراجُه لاحقاً كجزءٍ من «هلوسات» بايدن الذي نالَ منه الزهايمر.
والجولةُ ذاتُها أبعدتْ تركيا عن الحلّ في سورية، وذهبت بأردوغان ليتماهي مع بايدن و يلوّح بورقة الـ«ناتو» أمام مَنْ يلزم، روسيا بالدرجة الأولى، وهي أيضاً محاولةٌ غير موفّقة، لأن شركاءَ المصالح الحقيقيّين لتركيا ليسوا هناك في الحلف القديم، بل في القطب الصاعد، وتالياً؛ سيبعثر أردوغان كلّ ترتيباته السابقة التي اجتهدَ عليها لتعزيز أوضاعه في الداخل والخارج.
على نحوٍ عامٍ، الجولةُ الأميركيّة كانت مُطمئنةً لكل القلقين من الردّ على مجريات الأشهر السابقة لبلورة وتوسيع التكتّل العالميّ العملاق المُناهض، على كلّ المستويات، لهيمنة القطب الأوحد المُزمنة، مطمئنةً لأن الاستعراض، فحسب، هو معظم ما تبقى لدى الأميركيّ، اللهم إلا إذا اختار حرباً عالميّة بأدواتٍ عسكريّة، وهذا غير واردٍ في توازنات اليوم بتاتاً.
نعود إلى ما يخصّنا نحنُ في سورية، فربما علينا أن نطمئنَ بأن الانحناءةَ للرياح الأميركيّة التي لم تعد عاتيةً لن تطولَ.
ولأن الجولة أميركيةٌ.. الجميع يعاينُ، ويحلّل، ويدرسُ، والموقفُ، تالياً، يقتضي الانتظارَ والصمتَ.
لكننا على يقينٍ بأن الردّ عندما يحينُ وقتُ الجولة الجديدة لـ «القطب الجديد» ستكون حافلةً بالإضافات الاستراتيجيّة بكل معنى الكلمة، وليست جوفاء، كما هو حال الجولة الأميركيّة الراهنة التي تشبه تماماً الإرهاصات النفسيّة الشاذة التي تعتري عجوزَ البيت الأبيض.