نصر يتعاظم وإرادة تتجذر.. تموز المقاومة و17 عاماً غيّرت وجه المنطقة
تشرين – مها سلطان:
قبل 17 عاماً أمسكنا للمرة الثانية بزمام التاريخ لنغير مجرياته لمصلحتنا، وطناً وأمة.. ومازلنا نمسكها، ولا يمكن إلا أن نستمر في القبض على مجرى التاريخ روحاً وجسداً ليبقى انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية «حزب الله» في تموز 2006 حاضراً وحافزاً.. ثابتاً وراسخاً.
المرة الأولى كانت في حرب تشرين التحريرية 1973 الحاضرة دائماً وأبداً، حتى إن كل ما شهدته وتشهده منطقتنا من عدوان وحروب بلغت ذروتها مع سنوات «الربيع» المشؤوم، يتم رده إلى هذه الحرب التي أثبتت أن الانتصار إرادة وعزيمة وقرار امتلكه العرب وحققوه وانتصروا، وتالياً لا بد من كسر هذه الإرادة، بل دفنها، والعمل على استحالة إحيائها من جديد.
ظن العدو أنه نجح، ليأتي الجواب في عام 2000 هائلاً ومدوياً باندحار إسرائيلي مُذل ومُهين على يد المقاومة الوطنية اللبنانية.. فإذا كان العرب أفلتوا في المرة الأولى زمام التاريخ فإن هذه المقاومة ومحورها، وحيث تقف سورية حصناً حصيناً لها، استعادت المبادرة لتمسك مجدداً باللحظة التاريخية التي تؤكد أن الشعوب لا يمكن إلا أن تكون شعوباً حيّة مقاومة لا ترضى الذل والهوان، ولا تقبل إلا أن تكون حرة عزيزة كريمة.
بعد ست سنوات، وفي تموز 2006 حققت المقاومة نصرها الثاني، والذي نحيي اليوم ذكراه الـ 17، علماً أنه لا يمكننا فعلياً تسجيل هذا الانتصار كذكرى، وإن كنا نستخدم هذه الكلمة فليس للحديث كذكرى بل للحديث عنه كحاضر مستمر ما زال العدو الإسرائيلي يعيشه كابوساً يومياً.. وإذا كان هذا حال العدو الإسرائيلي فهو حال الأميركي الذي يدعمه في عدوانه وإرهابه.. لكن روح الانتصار، روح تموز لا يمكن أن تخمد.
الأخطر دائماً بالنسبة للعدو الإسرائيلي، هو سؤال الوجود والبقاء، ومع كل انتصار وكل تحرك وكل عملية للمقاومة، يخرج هذا السؤال، وفي السنوات القليلة الماضية يأبى أن يغادر، ليرسخ مقولة المقاومة بأن كل احتلال إلى زوال.
في كلمة للسيد حسن نصر الله في مهرجان أقامته مدينة بنت جبيل في 13/8/2016 يقول: «إسرائيل أصيبت في روحها، في ثقتها وفي عزمها وفي إرادتها وفي أملها وفي طموحها وفي اعتدادها بذاتها وفي كبريائها وفي علوها وفي جبروتها وفي اطمئنانها.. أصيبت بثقتها في نفسها وثقتها في جيشها وثقتها في إمكانياتها على إلحاق الهزيمة بالآخرين، وفي شكها بقدرتها على البقاء في منطقتنا».
هذا هو جوهر انتصار تموز.
ربما أهم قاعدة انطلقت منها المقاومة في مواجهة «إسرائيل» هي قاعدة: اعرف نفسك.. اعرف محيطك.. اعرف عدوك، وفي اللحظة الفاصلة الفارقة أنجزت أول انتصاراتها في عام 2000، ومنه انطلقت لتحقق انتصار تموز 2006.
يعجز العدو الإسرائيلي «ومعه الأميركي» عن فهم كنه المقاومة، لا عجب ولا غرابة، فهو لم يكن يوماً إلا إرهابياً قاتلاً.. يعجز عن فهم لماذا تنتصر المقاومة وتخرج أقوى وأصلب عوداً في كل مرة يعتقد أنه وجه لها ضربة قاضية، لماذا؟
لأنه لا يفهم أن المقاومة ليست مجرد سلاح «أو مسلحين على الطريقة الأميركية: ارتزاق ومصالح وأموال مقابل خدمات مسلحة ضد هذه الدولة أو تلك» وعندما تكون هذه المقاومة كالمقاومة اللبنانية «حزب الله» فإننا نتحدث عن:
1 – بنية مجتمعية كاملة، عقيدة وإيمان وثقة، حصينة محصنة، حاضنة ومحضونة، ومستعدة للاندفاع – في كل مرة – نحو الأصعب والأجرأ.. نحو التضحية والشهادة لإثبات الحق، والحق هو الوطن وحمايته والدفاع عنه.
2 – نتحدث عن امتداد جغرافي مدعوم بامتداد إقليمي.. وكلاهما يتواصلان ويتسعان حتى باتت المقاومة اللبنانية أي حزب الله الرقم الأصعب والهاجس المقيم الذي يجثم فوق صدر العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة.
3 – نتحدث عن «الأمن والردع» اللذين يمتلكهما حزب الله (ومحور المقاومة ككل) وهذا ما يربك محور العدوان فيعجز عن الفعل وإذا فعل تكون الهزيمة بانتظاره.
4- نتحدث عن إستراتيجية كاملة متكاملة (دفاعية وهجومية) مرحلية وعلى المدى البعيد (وآنية إذا ما اقتضى الأمر).. لكل معركة أدواتها والجهوزية كاملة عند كل منعطف.
5 – نتحدث عن وضوح في الرؤية والهدف.. وإذا ما وعدت صدقت وإذا ما قالت فعلت.
6 – نتحدث عن انتصارات راسخة إستراتيجية سلبت العدو الإسرائيلي (والأميركي) الاتزان وزعزعت ثقته بقدرته على شن اعتداءات متى أراد وأين أراد، المقاومة استطاعت أن تحاصره بحالة من اللايقين إزاء ما ينتظره إذا ما أقدم على عدوان جديد.. النتيجة لن تكون فقط أن ينهزم ويندحر، المقاومة قادرة على ملاحقته ونقل المعركة إلى قلب كيانه.
7 – نتحدث عن قدرات تسليحية وكفاءات قتالية عالية، القوة هي ما يفهمه العدو، القوة وحدها الكفيلة بردعه وهزيمته.. المقاومة تجاهر بهذه القوة، تتباهى بها في رسالة دائمة مباشرة للعدو الإسرائيلي وللولايات المتحدة من ورائه أنها في المرحلة الأفضل والأقوى، وستبقى.
بكل ذلك تحتفي المقاومة اليوم، ونحتفي معها.. وعلى العهد نبقى كتفاً بكتف، ميداننا واحد، معركتنا واحدة، ونصرنا واحد.. يرونه بعيداً ونراه قريباً قريباً.