محاولة استباقية أميركيّة لاحتواء تغييرات ميدانية خطرة.. تحشيد جديد على إيقاع تعزيز «الناتو» وتركيا غير بعيدة عن اللعبة

تشرين – مها سلطان:
رغم أن الأخبار المتناقلة عن استمرار عملية التحشيد الأميركي في ريف دير الزور الشرقي، تكاد تطغى بتفاصيلها على المسار السياسي الذي ترعاه روسيا وإيران لتحقيق التقارب بين سورية وتركيا، إلا أن هناك ما يشير إلى عودة هذا المسار- قريباً – إلى زخمه المعتاد منذ تم إطلاقه عملياً أواخر العام الماضي 2022 في سلسلة اجتماعات ثلاثية، تحولت إلى رباعية مع انضمام إيران، واستضافتها العاصمة الروسية موسكو، باستثناء الاجتماع الأخير الذي استضافته العاصمة الكازاخية أستانة 20 و21 حزيران الماضي، ضمن آخر اجتماع لمسار أستانة، لينتقل بعدها إلى عاصمة أخرى لم يتم تحديدها بعد.
وفي حين لم يتم بعد تحديد موعد للاجتماع الرباعي المقبل، فإن التصريحات التي صدرت خلال الاجتماع الرباعي الأخير وتحدثت عن احتمالات نقل الاجتماعات إلى عاصمة عربية (قد تكون عمّان)، لم تتغير، كما أنه وإلى حد الآن ليس هناك توسّع في مسألة الحديث عن الدور العربي، وهل إن التفاؤل أكبر أم أقل؟
وسط كل ذلك، وفي ظل أن الدولة السورية تواصل سياسة عدم التصريح إلا في الوقت المناسب، ووفق ما يلزم وما هو ضروري، خرج حديث روسي أمس على لسان المبعوث الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرينتييف، عن اللقاء «المنتظر» بين الرئيس بشار الأسد والرئيس التركي رجب أردوغان، وإن كان هذا الحديث لم يشذ عن المعتاد لناحية أنه لايزال من غير الممكن الحديث عن موعد محدد للقاء.
لافرينتييف في تصريحاته لقناة «العربية» أكد أن العمل جار بشكل مكثف على تحقيق هذا اللقاء، وأنه لا يوجد أي تباطؤ في مسار عملية التقارب السوري- التركي.
فعلياً هذه ليست بالتصريحات الجديدة، لكن الجديد الذي قاله لافرينتييف هو ما يتعلق بالجانب التركي، إذ إنه للمرة الأولى يتطرق الجانب الروسي بتصريحاته، وبشكل مباشر وعلناً، إلى أن «الوجود العسكري التركي في الأراضي السورية» يُصعّب عملية التقارب، وهو واحد من ضمن عدة «مصاعب محددة» تجعل مسار التقارب متعثراً.
وفيما الجانب التركي امتنع مؤخراً عن التصريح فيما يخص مسار التقارب، وبشكل غير معتاد مقارنة بالأشهر الماضية ما قبل الاجتماع الرباعي الأخير، إذ كان لا يكف عن التصريح، وبصورة شبه يومية تقريباً.. إذاً فيما الجانب التركي لا يُصرح ولا يُعلق فإن المراقبين يربطون هذا التصريح «عطفاً على تصريح لافرينتييف حول الوجود العسكري التركي الذي يعرقل التقارب» بانشغال النظام التركي حالياً بتمرير سلسلة مواقف متوددة للغرب الذي يلتئم جَمْعُه اليوم في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس، في قمة جديدة لحلف شمال الأطلسي «ناتو»، تختتم غداً الأربعاء.
وضمن المواقف المتوددة إعلانه تأييد انضمام السويد لـ«ناتو»، «مقابل قبول تركيا بالاتحاد الأوروبي» والموقف نفسه بالنسبة لأوكرانيا، هذا عدا الموقف الغريب وغير المتوقع الذي اتخذه النظام التركي حيال إعادة متزعمي كتبية آزوف الإرهابية إلى أوكرانيا، في خرق للاتفاق مع روسيا الذي قضى ببقاء هؤلاء في تركيا إلى حين حسم مسألة أوكرانيا بصورة نهائية، وهو خرق من المتوقع أن تكون له تداعياته المستقبلية، وإذ كانت روسيا أعربت عن خيبتها، مع إبداء التفهم لما تتعرض له تركيا من ضغوط، فإن هذه الأخيرة لم تصرح علناً، فيما من نافل القول إنه على الأكيد جرى بحث هذه المسألة بعيداً عن التصريحات المعلنة بخصوصها، وهذا يحتمل أمرين: إما إنه تم الاتفاق على تجاهل المسألة وبما لا يؤثر في مستوى العلاقات «الممتازة» التي تربط بينهما، أو إنه لم يتم الاقتناع من قبل روسيا بمبررات تركيا، وذريعة الضغوط التي تتعرض لها، وبالتالي فإن مسألة إعادة متزعمي «آزوف» ستبقى نقطة سوداء أو لنقل محل عتاب وخلاف.
في كل الأحوال هناك شبه اتفاق على أن مسار التقارب ما زال يحتاج إلى وقت طويل قبل أن يصل إلى مرحلته النهائية المتمثلة بلقاء الرئيس الأسد وأردوغان.. مقابل فريق من المراقبين يرى أن مفاجآت كبرى على الطريق، وليس بالضرورة على صعيد مسار التقارب بقدر ما هي على صعيد المنطقة ككل، خصوصاً سورية.
هذا في الميدان السياسي، أما ما يخص الميدان العسكري، فإن العين تتركز منذ أسبوعين تقريباً على ما يتم تناقله من أخبار التحشيد العسكري الأميركي في ريف دير الزور الشرقي، سواء على صعيد الفصائل والمجموعات الإرهابية المسلحة، وعلى رأسها «قسد» أم على مستوى التعزيزات العسكرية التي تدفع بها بمرافقة هذه الفصائل والمجموعات الإرهابية، خصوصاً باتجاه ما يُسمى القرى السبع المحررة «حطلة، الجنينة، مراط، مظلو، الحسينية، الطابية، خشام» حيث تتمركز قوات جيشنا.

وإذا كان المراقبون يتحدثون عن أن التحشيد الأميركي يأتي استباقاً واحتواء لتطورات ميدانية مقبلة ليست في مصلحة المحتل الأميركي، خصوصاً ما بعد الاجتماع الرباعي الأخير، الذي بدا فيه أن تركيا انحسرت بعملياتها الميدانية إلى الحد الأدني، إلى جانب عدم التصريح حيال التعزيزات العسكرية السورية المتواصلة باتجاه إدلب وريف حلب، أو الضربات المشتركة السورية – الروسية للمجموعات المسلحة «وبعضها محسوب على تركيا».. إذا كان هذا ما يتحدث عنه المراقبون وفق الظاهر من تطورات الميدان السوري، فإن مراقبين آخرين يتحدثون عن نيات أميركية خطرة مُبيّتة من وراء هذا التحشيد إذا ما أخذنا بالاعتبار المناورات التي أجرتها مع الفصائل والمجموعات الإرهابية العاملة في خدمتها خلال الأسبوع الماضي، وأيضاً محاولات التحرش بروسيا وانتهاك ما يسمى قواعد عدم الاشتباك، في مسعى – ربما – لجرّ الطرفين السوري والروسي إلى مواجهة مباشرة يستطيع من خلالها المحتل الأميركي أن يغيّر في قواعد الميدان السوري في مرحلة يرى المراقبون أنها بمنزلة منعطف مهم بالنسبة لسورية وحلفائها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار