الهند تسعى لنقل عملية إصلاح مجلس الأمن إلى منصة التكتلات الدولية.. «شانغهاي» تتقدم

تشرين – مها سلطان:
يوم الثلاثاء الماضي 4 تموز الجاري ومع بدء اجتماعات منظمة شانغهاي، دعا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى وجوب إصلاح المؤسسات العالمية، ومنها الأمم المتحدة، معتبراً أن منظمة شانغهاي يمكن أن تقوم بدور مهم في هذه المسألة، لتحقيق هدفين، الأول مواجهة العقوبات أحادية الجانب «وهذا يعني الولايات المتحدة الأميركية» والثاني مكافحة الإرهاب، قائلاً: الإرهاب يمكن أن يكون بأي شكل وفي أي مظهر. يجب أن نحاربه معاً. هناك حاجة إلى إجراءات صارمة وحاسمة لمواجهة هذا التحدي».. وفي هذا إشارة أيضاً للولايات المتحدة التي فرضت على العالم تعريفها الخاص للإرهاب، وتالياً فرضت على الجميع أن يحاربه على طريقتها ووفق أجندتها.
دعوة رئيس الوزراء الهندي ليست الأولى له، أو لبلاده التي دعت مرات عديدة لإصلاح الأمم المتحدة ومنظماتها ومؤسساته وعلى رأسها مجلس الأمن.
كما أن هذه الدعوة لا تقتصر على الهند. هناك دول عديدة، وقد تزايدت في السنوات الأخيرة.. حتى الولايات المتحدة نفسها تطالب بإصلاح الأمم المتحدة «طبعاً على طريقتها وبما لا تخرج معه المنظمة من دائرة هيمنتها».
أمس الأربعاء، وأمام اجتماع منظمة دول عدم الانحياز، دعت الجزائر على لسان وزير خارجيتها أحمد عطاف إلى إصلاح الأمم المتحدة، معتبراً أنها «لم تعد قادرة على مساعدة المضطهدين حول العالم» مشيراً إلى أهمية أن تكون هناك «منظومة علاقات دولية تعتمد على المشاركة وليس على الإقصاء». في إشارة إلى الأمم المتحدة باعتبارها متهمة على الدوام باعتماد سياسات تراعي مصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وتقصي مصالح جميع الدول الأخرى، وهذا الحال يجب أن يتغير.
وهو حال تغير بالفعل، أو لنقل قطع خطوات مهمة على طريق التغير، فخلال عقد مضى شاهدنا كيف تقدمت العديد من الدول والتكتلات الدولية لتسقط سياسات الإقصاء الأممية/الأميركية في أكثر من قضية وأزمة دولية، بل استطاعت أن تحيّد أميركا نفسها عن الكثير من المواقع الدولية المحسوبة تاريخياً ضمن المناطق الأشد ولاءً أو انصياعاً للرغبات الأميركية.
لكن هذا لا يكفي، فما زالت الأمم المتحدة ومؤسساتها تمثل عائقاً أمام عالم جديد يتشكل.. وتمثل حاجز صد أمام دول تريد أن تنهض وتحقق النمو والازدهار والرفاهية التي تريدها أميركا حكراً لها دون غيرها.. وتريد هذه الدول والتكتلات أن تتحقق زعامة عالمية تشاركية أكثر عدلاً وتكافؤاً في الفرص وفي الحقوق والواجبات.
وحتى عندما بدأت التكتلات الدولية مثل بريكس وشانغهاي تطرح نفسها كبديل إقليمي إذا جاز لنا التعبير، فإنّ هذا لم يكفِ أيضاً، وكان لا بدّ من العودة في كل مرة إلى مسألة إصلاح الأمم المتحدة ومؤسساتها، وبدلاً من طرح النفس كبديل لماذا لا تبدأ هي بالمهمة أو تفتح الطريق لها بما تملكه من حضور وقوة على الساحة الدولية، وقدرة لا يُستهان بها على أن تكون هي البادئة.
وللتوضيح.. عندما نقول إصلاح المؤسسات الأممية فإنّ مجلس الأمن يكون على رأس هذه المؤسسات، وربما هو المؤسسة الوحيدة التي يريد الجميع إصلاحها، وذلك لاعتبارين أساسيين: حق النقض (الفيتو) وقرار الحرب، اللذين يختص بهما.
خلال العشريتين الأولى والثانية من هذا القرن، درج سؤال: ماذا لو لم تعد الأمم المتحدة موجودة؟.. وكان يتردد مع كل مع كل أزمة أو قضية أو تهديد يُعرض على طاولة الأمم المتحدة.
الجواب كان دائماً: لا فرق.. بمعنى أنه لن يحدث شيء، علماً أن ذلك السؤال ليس دقيقاً أو ليس هو المقصود.. السؤال هو عن الولايات المتحدة /الدور والهيمنة والسيطرة/ في حال لم تعد الأمم المتحدة موجودة.
الجواب يبقى نفسه: لا فرق، والمعنى نفسه أيضاً: لن يحدث شيء، والمقصود هنا على صعيد الهيمنة الأميركية التي ستستمر وفقاً للقاعدة ذاتها التي حكمت طوال عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي وفقاً لمكانتها كقوة عالمية، إذ إن الدول ستكون مضطرة للعودة إلى الولايات المتحدة في كل قرار، تماماً كما كان الحال بعد انهيار عصبة الأمم.. الولايات المتحدة هي فعلياً أقوى من الأمم المتحدة وأكثر نفوذاً، وبالتالي هي لا تحتاج الأمم المتحدة، وعليه فهي لن تتأثر في حال لم تعد موجودة.. ووفقاً لهذا القاعدة لن يتغير أي شيء بالنسبة لبقية العالم.
مع ذلك هي ليست قاعدة صحيحة كلياً بدليل أن الجميع يتمسك بوجود الأمم المتحدة، والجميع يحتاجها، وإن كانت هذه الحاجة تختلف ما بين الولايات المتحدة وبقية العالم. الولايات المتحدة ترى في الأمم المتحدة إحدى الركائز الأساسية للقوة والنفوذ خصوصاً أنها بلد المقر حيث تستطيع مراقبة وضبط كواليس جميع القضايا الدولية، وتالياً التحكم بمجرياتها كما تريد، ولاحقاً فرض القرار الذي تريده (هناك من يصف الأمم المتحدة بأنها أكبر مركز تجسس أميركي).

ورغم أن الحضور الأممي شهد في السنوات الأخيرة انحساراً كبيراً، إذا بدأت دول عديدة، خصوصاً المنضوية ضمن تكتلات، حل الكثير من القضايا والأزمات فيما بينها بعيداً عن اللجوء للمنظمات الأممية، إلّا أن مسألة إصلاح الأمم المتحدة ومؤسساتها، وتحديداً مجلس الأمن، لا تخرج من دائرة التداول العالمي.
ولكن.. لماذا تبدو دعوات الإصلاح وكأنها لا تتجاوز المحيط الذي تلقى فيه، ولماذا لا تبدو بالقوة الكافية أو الثقل المطلوب لتحقيقها أو حتى لوضعها على السكة، هل هذا الأمر مقصود أم هو معرفة مسبقة بعدم القدرة على تحقيق هذه الدعوة؟
الفكرة السائدة، ربما، أنه لم يحن الوقت بَعد، وأن المسار الصاعد لنظام عالمي جديد لم يصل إلى النقطة التي يُصبح فيها إصلاح مجلس الأمن عملية ضاغطة باتجاه حتمية التحقيق.. والبعض لا يسميها عملية ضاغطة وإنما «تحصيلاً حاصلاً» لنهاية هذا المسار وبحيث أن الولايات المتحدة لن تبقى في موقع السطو على قرار الحرب والسلم العالميين.
الفكرة الأخرى السائدة – المقابلة – أن ذلك المسار الصاعد لن يستطيع بالضرورة استبعاد الولايات المتحدة كلياً فهي ستبقى قوة عالمية، وهو بالمجمل لا يقول بأنه يريد استبعادها بقدر ما يريد أن يكون القرار العالمي تشاركياً وأكثر عدالة، وهذا يستدعي تمثيلاً جديداً مختلفاً في مجلس الأمن يأخذ بالاعتبار القوى الصاعدة ووزنها الإقليمي والدولي..
..هذه القوى التي لم تعد ترضى أن تكون خارج عملية صنع القرار العالمي خصوصاً أنها في هذه العملية مُستهدفة في صعودها الدولي وتحاصرها الضغوط (الأميركية تحديداً) للحؤول دون تبوئها المكانة المتناسبة مع وزنها الجديد الاقتصادي والسياسي والعسكري.
وبشكل عام هناك أربع دول تدفع فعلياً باتجاه إصلاح مجلس الأمن: البرازيل وألمانيا والهند واليابان.
هنا.. لا بدّ من لازمة توضيحية وهي أن مسألة الإصلاح حسب المطروح تتركز على ثلاث محاور: زيادة عدد الدول الأعضاء – تعديل مبدأ حق النقض«الفيتو»- تعيين حدود صلاحيات المجلس.
هذه المحاور متصلة منفصلة في آن، أهمها طبعاً «الفيتو».. فمحور زيادة عدد الدول الأعضاء يتعلق بالدرجة الأولى بحق النقض، إذ إنه يتركز بيد الأعضاء الخمسة الدائمين الذين يتمتعون بهذا الحق (الصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة) وهذا الأمر مرتبط بصلاحيات المجلس ومهمته التي أنشئ من أجلها وهي إرساء السلم والأمن الدوليين، بمعنى اتخاذ قرار الحرب والسلم وما يرتبط به من إجراءات، قبل وبعد.
الآن..الولايات المتحدة لا تعارض فكرة إصلاح مجلس الأمن، ولا توسيع دائرة الأعضاء الدائمين أي منح مزيد من الدول حق الفيتو، ولكنها تريد منحه لحلفائها من الدول ومنعه عن الدول التي تصنفها في خانة العدو (والخطر القومي) وعن الدول التي تعدّها حليفة لهذا «العدو». ومن المعروف أن إصلاح مجلس الأمن يتطلب تعديل ميثاق الأمم المتحدة، وهذا يحتاج إلى موافقة الدول دائمة العضوية والتي من بينها الولايات المتحدة.
لنوضح أكثر..
تدعم الولايات المتحدة منح مقعد دائم لليابان (للضغط على الصين) كما تدعم ألمانيا (بمواجهة فرنسا وبريطانيا).(طبعاً الولايات المتحدة ليست وحدها في ذلك، فرنسا وبريطانيا على سبيل المثال تعارضان انضمام ألمانيا، وباكستان تعارض الهند، والمكسيك والأرجنتين وكولومبيا تعارض البرازيل، وكوريا الجنوبية تعارض اليابان.. وهكذا)
لكن الأهم هنا هو الولايات المتحدة وما تمارسه من ضغوط وابتزاز لفرض حلفائها. إذا كان الحال كذلك فكيف يمكن تحقيق عملية إصلاح مجلس الأمن، وكيف يمكن تجاوز الولايات المتحدة والفيتو الذي ستشهره حتماً لمنع دخول أي دولة إلى دائرة الأعضاء الدائمين إذا لم تكن حليفة لها؟
لنعد إلى الجديد الذي طرأ على مسألة الإصلاح.
الجديد أن تكتلات دولية كبرى مثل بريكس وشنغهاي، وما حققته من حشد دولي حولها، بدأت ترمي بثقلها، الاقتصادي بالدرجة الأولى، وترى أن مجلس الأمن بشكله الحالي ومضمونه لم يعد مناسباً.. ولا بدّ من تغييره.. كيف، وهل يمكن تخطي الفيتو الأميركي؟
الإجابة التي تكاد تكون محل إجماع هي: لا.
هل تبقى مسألة إصلاح مجلس الأمن حبراً على ورق؟
الإجابة أيضاً: لا.
إذاً ما العمل أو ما هو العمل المتوقع؟
لا إجابات حاسمة ما دام عالمنا يعيش على صفيح صراع نظامين، الأول صاعد يكاد يبلغ مرحلته النهائية، والثاني هابط تبدو فيه الولايات المتحدة مستعدة لإشعال العالم حتى لا يبلغ نقطته النهائية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار