ملف «تشرين».. الصين العسكرية.. كابوس أمريكا الذي تحول إلى واقع
تشرين- وائل الأمين:
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تفردت الولايات المتحدة الأمريكية على عرش العالم، فاتخذت من نشر الدمار والحروب والهيمنة قاعدة لها تغذيها من سرقة مقدرات الشعوب المتناحرة، لكن وبالنظر إلى القرن الحادي والعشرين تغيرت هذه القاعدة حيث ظهرت دول لها ثقل عالمي كبير تستطيع زحزحة الولايات المتحدة الأمريكية من عرش الهيمنة وهنا نقول بكين التي تسير بخطا ثابتة نحو عالم متعدد الأقطاب يعتمد على التعاون لا التدخلات.
تعدّ الصين من الدول القيادية في العالم، وهذا يشمل نمو قوتها العسكرية، فمنذ بداية الألفية الجديدة، قامت الصين بزيادة إنفاقها العسكري على نحو مطرد، مع تركيز كبير على تطوير تكنولوجيا الأسلحة وتحسين قدراتها العسكرية العامة، فهي تمتلك أكبر جيش في العالم من حيث عدد الجنود «2.1 مليون جندي» بحسب «غلوبال فاير بور» وتشمل القوات المسلحة الصينية الجيش الشعبي الصيني، والبحرية الصينية، والقوة الجوية الصينية، وقوات الصواريخ الباليستية والصواريخ الجوية.
وفي السنوات الأخيرة، قامت الصين بتحديث تجهيزاتها العسكرية بشكل كبير، وتركز بشكل أساسي على تطوير تقنيات الأسلحة الجديدة، ومن بين الأسلحة الرئيسة التي تم تطويرها حديثاً الصواريخ الباليستية الدفاعية، والصواريخ الجوية، وتتطلع إلى تحسين قدراتها الدفاعية في جميع المجالات، وهذا يشمل تطوير القدرات الفضائية وتحسين الأسلحة الإلكترونية، والتركيز على تطوير القدرات البحرية والجوية.
ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن الصين تقوم بزيادة إنفاقها العسكري بنسبة أقل بكثير من بعض الدول الأخرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن الصين لا تسعى إلى تهديد الدول الأخرى بقوتها العسكرية بل تهدف إلى الدفاع عن سيادتها وأمنها القومي، وتسعى إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
تقود الصين موجة انحسار أميركي عالمي بمستوياته الإستراتيجية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وهذه المرة لا تجد واشنطن ما يمكنها فعله لإيقاف هذا المسار أو لإيقاف الصين نفسها
وإذا ما قارنا بين القوات الصينية والقوات الأمريكية، نرى أن الصين تتحرك بثبات نحو تحسين منظومتها العسكرية، ومن المرجح أن تظل تلك الزيادة في الإنفاق العسكري مستمرة في المستقبل، وهذا يعني أن الصين ستظل قوة عسكرية مهمة في المنطقة وعلى المستوى العالمي، بل تسعى للحفاظ على الاستقرار الإقليمي والدولي، وتحرص على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، ومن المهم أن تتابع الدول الأخرى تطورات الصين العسكرية بعناية، وتعمل على شراكة مع بلد التنين تحقق الغايات في الدفاع وحماية الأمن الإقليمي وتحقيق الاستقرار والتعاون الدولي في المنطقة وعلى المستوى العالمي لأن الصين تستخدم التكنولوجيا بشكل عام، والذكاء الاصطناعي بشكل خاص، في العديد من المجالات بما في ذلك المجال العسكري.
وترى الذكاء الاصطناعي إحدى الأدوات الحديثة التي تساعد على تحسين قدرات الجيش الصيني وزيادة كفاءته، حيث تستخدم بكين الذكاء الاصطناعي في تطوير الأسلحة الذكية، بما في ذلك الصواريخ والمقاتلات والسفن الحربية والروبوتات العسكرية، الذي من شأنه تحسين دقة الأسلحة وزيادة كفاءتها في المعارك إذا تطلب الأمر وكذلك تستخدم الصين تقنيات الذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات من مختلف المصادر، بما في ذلك الأقمار الصناعية والتجسس الإلكتروني والتجسس البشري، ويساعد الذكاء الاصطناعي على تحليل هذه البيانات بسرعة ودقة واستخلاص المعلومات المهمة، أما في مجال الأمن السيبراني الذي يعدّ الجيل الجديد من الحروب فتسعى بكين لتحسين الأمن السيبراني ومكافحة الهجمات الإلكترونية، بما في ذلك التعرف إلى البرمجيات الخبيثة ومراقبة الشبكات الإلكترونية، وكذلك تحسين قدرات القيادة العسكرية في التخطيط الإستراتيجي والتكتيكي واتخاذ القرارات الحاسمة، أما في تكنولوجيا الروبوتات العسكرية فتمتلك الصين القدرة على تطوير الروبوتات التي تستخدم في الحقول الحربية والروبوتات التي تستخدم في التجسس والاستطلاع.
ومن المرجح أن تستمر الصين في استخدام التكنولوجيا في تطوير قدراتها العسكرية في المستقبل، ما يعني أن الذكاء الاصطناعي سيظل إحدى الأدوات الحديثة التي تستخدمها الصين في تحسين قدراتها العسكرية، ما يجعلها قوة اقتصادية محمية بقوة عسكرية بفضل الجهود الكبيرة التي بذلتها الصين في السنوات الأخيرة لتعزيز الجيش والاقتصاد حيث اتخذت سياسات اقتصادية مبتكرة وجريئة، أدت إلى نمو اقتصادي كبير في السنوات الأخيرة وجعلت الصين واحدة من أكبر الدول المصدرة للسلع في العالم.
كل هذه المؤشرات دليل على أنها قوة اقتصادية كبيرة تحظى بنفوذ عالمي كبير، وفي الوقت نفسه تحتفظ بقوة عسكرية كبيرة تحمي مصالحها وتضمن استقرارها الداخلي والإقليمي، ضمن مبدأ الدفاع والشراكات لا مبدأ الهيمنة والسيطرة، فهي تعتمد في علاقاتها مع الدول الأخرى على تعاون متبادل ومتكافئ من دون التمييز بين الدول الكبرى والصغرى، أو التحكم بسياسات الدول الأخرى وهذه السياسة جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية الشاملة التي تنتهجها الصين، والتي تسعى من خلالها إلى تعزيز التعاون الدولي وتحقيق التنمية المستدامة والسلم والأمن الدوليين. وتتضمن هذه السياسة أيضاً دعم النظام الدولي المبني على مبادئ المساواة والعدالة والاحترام المتبادل فهي لا تسعى لتحقيق النفوذ الدولي والتأثير في الشؤون الدولية بل إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية، وتستخدم جميع الوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف، ولكن من دون التحكم في سياسات الدول الأخرى أو السعي للهيمنة الدولية كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية.
في كل مرة تجد الولايات المتحدة نفسها أمام تحدٍ سرعان ما تعمل على إزالته و تجلى هذا في كل الدول التي لا تعمل تحت المظلة الأمريكية والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن في هذه المرة تحقق الكابوس الذي تخافه الإدارة الأمريكية ولم تستطع إيقافه وإزالته، فهل تقود الصين موجة انحسار أمريكي عالمي.. أم إنها سترحم عزيز قوم ذل؟
اقرأ أيضاً: