التنمية تبني مرتكزات الدولة العصرية

أ.د مصطفى العبد الله الكفري

ما يزال مفهوم التنمية بعيداً عن أن يكون موضوع اتفاق عام بين المتخصصين وصناع القرار الخاص بالتنمية في أبعادها كافة. إلا أن هناك قواسم مشتركة لهذا المفهوم هي موضع قبول واسع لدى معظم المختصين، أهمها:

– التنمية لا يمكن أن تقتصر على الأبعاد الاقتصادية وحدها، بل لها جوانب عديدة أخرى اجتماعية، سياسية وثقافية.

– التنمية الاقتصادية لا يمكن اختزالها في ارتفاع متوسط دخل الفرد، لأن هذا الارتفاع ربما يكون نتيجة ظروف مؤقتة تتعلق مثلاً بزيادة مفاجئة في أسعار بعض المنتجات التي تصدرها الدولة، دون أن يقترن ذلك بتغيير في الهياكل الاقتصادية، التي كانت من أهم الأسباب لتعثر التنمية.

– لم يعد من المقبول أن يرافق التنمية الاقتصادية تزايد الفقر والتهميش الاجتماعي لشريحة واسعة من المواطنين، أو استبعاد فئات واسعة منهم من المشاركة في صنع السياسات التي تؤثر على حياتهم.

وبذلك يمكننا تحديد مفهوم التنمية الشاملة على أنها: (عملية تحول تاريخي متعدد الأبعاد، يمس الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما يتناول الثقافة الوطنية، وهو مدفوع بقوى داخلية، وليس مجرد استجابة لرغبات قوى خارجية، وهو يجري في إطار مؤسسات سياسية تحظى بالقبول العام وتسمح باستمرار التنمية، ويرى معظم أفراد المجتمع في هذه العملية إحياء وتجديداً وتواصلاً مع القيم الأساسية للثقافة الوطنية). وهكذا فالتنمية الشاملة تسعى لتحقيق أهداف ونتائج في مختلف جوانب الحياة أهمها:

أولاً: الأهداف الاقتصادية:

1. زيادة إنتاجية العمل.

2. تغيير الأهمية النسبية للقطاعات الرئيسة في الاقتصاد الوطني. أي زيادة الأهمية النسبية لقطاعات الصناعة والخدمات، وتراجع الأهمية النسبية لقطاع الإنتاج الأولي، سواء من حيث العمالة، أو من حيث المساهمة في توليد الدخل القومي، والإنتاجية أو في تحقيق القيمة المضافة، وذلك باستبعاد أن يكون توسع قطاع الخدمات غطاء لبطالة مقنعة.

3. تزايد الاعتماد على المدخرات المحلية كمصدر للاستثمار.

4. تنمية القدرة المحلية على توليد التكنولوجيا وتوطينها واستخدامها رغم التوجه الحالي نحو عولمة الاقتصاد.

5. محاربة الفقر وتراجع حدوده وحدته، وهذا يتم عن طريق تراجع التفاوت في توزيع الدخل والثروة في المجتمع.

ثانياً: الأهداف الاجتماعية:

1. تحسين مستويات التعليم والصحة والرفاهية عموماً للمواطنين كافة.

2. زيادة الاهتمام بالطبقة المتوسطة، والطبقة العاملة.

3. زيادة نسبة الخبراء والفنيين والعلماء في القوى العاملة.

4. تزايد مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي وفي مجالات الحياة العامة.

5. تعميم قيم حب المعرفة وإتقان العمل.

6. تنمية الثقافة الوطنية.

ثالثاً: الأهداف السياسية:

توصف التنمية الناجحة بأنها تؤدي إلى ظهور دولة قوية ومجتمع قوي، فيتمتع جهاز الدولة من ناحية بالاستقلال النسبي في صنع وتنفيذ سياساته في المجالات كافة، وذلك في مواجهة القوى الاجتماعية الداخلية والقوى الخارجية، وأن يحظى في الوقت نفسه بالقبول من جانب أغلبية المواطنين، والمجتمع القوي هو الذي يتمتع أفراده وجماعاته بقدر واسع من الحرية في القيام بأنشطتهم الخاصة والعامة في إطار قواعد عامة عقلانية مقبولة منهم على نطاق واسع وموضع احترام من جانب هذه الدولة. وهكذا، فمن الناحية السياسية يمكن القول إن التنمية تعني تواجد الدولة التي تتمتع بالفعالية إلى جانب المجتمع المدني، وذلك دون أن يعني المجتمع المدني كما يشيع البعض نبذ العقائد الدينية، وإنما يقوم مثل هذا المجتمع على احترام حرية الاعتقاد لأفراده كافة.

هذه هي الأبعاد الثلاثة الرئيسة للتنمية الشاملة: البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد السياسي، قد لا يكون البعد الاقتصادي هو أهمها، لكنه قد يكون أكثرها تحديداً وتأثيراً على الأبعاد الأخرى.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار