ملف «تشرين».. العمل العربي المشترك.. فرصة لصياغة تكتل اقتصادي عربي متين

تشرين – إبراهيم شير:
عودة الجامعة العربية إلى سورية والزخم الذي حملته هذه العودة حفّز الدول العربية للعمل على إعادة إحياء العمل العربي المشترك وتحديداً في المجال الاقتصادي، خصوصاً في ظل وجود كثير من المقومات لهذا الأمر، وتعد دمشق حجر أساس في العمل العربي المشترك وذلك نظراً لموقعها الإستراتيجي وتوفر الأيدي العاملة والعقول الاقتصادية والصناعية المهمة وخصوبة الابتكار فيها، فعلى سبيل المثال؛ مدينة حلب في الشمال سُمّيت تايوان العرب بسبب المصانع الكثيرة التي وُجدت فيها والجودة الصناعية الكبيرة، بالإضافة إلى أن شركات كبيرة مثل سيمينس وبوش في ألمانيا وناشيونال وبيجو في فرنسا تعاونت مع المصانع الحلبية، ناهيك بالنسيج والأقمشة والألبسة التي خرجت من ورشاتها وصُدِّرت إلى الخليج العربي والعراق، بالإضافة إلى المصانع في حمص ودمشق التي رفدت الأسواق اللبنانية والأردنية والخليجية رفداً دائماً.

دمشق حجر أساس في العمل العربي المشترك لموقعها الإستراتيجي

والعقول الاقتصادية والصناعية المهمة وخصوبة الابتكار فيه

العمل العربي المشترك ولاسيما في المجال الاقتصادي يحتاج إلى مقومات عدة أبرزها ما قاله السيد الرئيس بشار الأسد، هو وجود علاقات عربية ثنائية جيدة، وهذه العلاقات الثنائية الجيدة ستفتح الباب لإنشاء سوق حرة ثنائية أو حتى إقليمية، على سبيل المثال لما لا تكون هناك سوق عربية مشتركة بين سورية ولبنان والعراق والأردن بالمرحلة الأولى، وهذه السوق ستوفر كثيراً من فرص العمل والحرية في التجارة وستحفز بقية الدول العربية للدخول فيها، أو حتى إنشاء شيء مشابه، مثل سوق عربية بين دول الشمال الأفريقي وتنضم لاحقاً للسوق العربية الآسيوية أو السوق العربية الخليجية وهكذا.

الدول العربية اليوم تمتلك قيادات قوية ومؤثرة وتستطيع أن

تتخذ قرارات جريئة تخلص المنطقة وتصوغ مستقبلاً عربياً جيداً

منذ إقامة الجامعة العربية عام 1945 أُقرَّ العمل العربي المشترك في ميثاقها ولاسيما الاقتصادي، ومؤسسات الجامعة في هذا المجال عملت لإنجاحه لكن وجود كثير من المعوقات العربية والدولية أخّرت انطلاق هذا الملف، والآن ونحن عند أعتاب مرحلة جديدة من السياسة والاقتصاد فمن الضروري أن يكون للدول العربية قرار ورأي في التجارة والاقتصاد العالمي، خصوصاً أن هذه الدول تطل على أهم البحار في العالم، مثل الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ومنها يخرج ما يزيد على ثلث الطاقة في العالم، وما يزيد على نصف الحركة التجارية تمر عبر حدودها، وبالتالي تستطيع أن تجد لنفسها وزناً أكبر وتؤدي دوراً محورياً في هذا الأمر، وبما أننا الآن في مرحلة التكتلات فعلى الدول العربية أن تتعلم مما فعله العالم من حولها سواء في السوق الأوروبية المشتركة، أم في تكتل بريكس، أم في منظمة شنغهاي، أم مجموعة العشرين وغيرها من التكتلات التي سهّلت التجارة والاقتصاد وحركة الأموال بين دولها وأنقذت كثيراً من الدول من الإفلاس أو الدمار الاقتصادي والحروب.

على الدول العربية أن تتعلم مما فعله العالم من حولها.. بريكس وشنغهاي ومجموعة العشرين

وغيرها من تكتلات سهّلت التجارة والاقتصاد وأنقذت دولاً عدة من الإفلاس

الدول العربية اليوم تمتلك قيادات قوية ومؤثرة في العالم وصاحبة قرار وتستطيع أن تتخذ قرارات جريئة تخلص معها المنطقة وتوجد مستقبلاً عربياً جيداً، مثل السيد الرئيس بشار الأسد، الذي استطاع منذ عام الـ2000 إلى عام 2010 أن يكوّن اقتصاداً سورياً متميزاً وحيوياً ومرناً، بالإضافة إلى ما يتمتع به من حنكة سياسية استطاع أن يسخّرها بخدمة اقتصاد البلاد، ومن عام 2011 حتى الآن أثبت الرئيس الأسد أنه يمتلك قدرة على إدارة الأزمات الاقتصادية في البلاد بأقل الموارد على الرغم من الحصار والحرب. وتمتلك الدول العربية شخصيات قيادية مهمة مثل رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الذي أثبت أنه يمتلك قدرة على اتخاذ القرارات الصعبة ومواجهة التحديات الاقتصادية والأزمات المالية ولديه رؤية أثبتت نجاحها في الإمارات، وذلك إلى جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يملك شجاعة في اتخاذ القرارت وقول “لا” عندما يكون الأمر يستهدف بلاده واقتصادها، مثلما رأينا في ملف النفط عندما رفض زيادة الإنتاج عندما طلبت الولايات المتحدة ذلك، ويتجه الآن شرقاً نحو الصين باقتصاد بلاده، وبالتالي يملك إلى جانب السيد الرئيس والشيخ محمد بن زايد القدرة على اتخاذ قرارات في إيجاد سوق عربية مشتركة وإنهاء الحصار عن هذه الدول.

المعوّقات كثيرة نحو انطلاق العمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي، مثل الحصارات الغربية والفيتو بحق أي قرار يجمع العرب في شيء يخلق لهم النهضة والاستقرار، لكن الأمور الإيجابية موجودة أيضاً، كما تملك الدول العربية قدرة على اختراق الغرب والفيتو الذي يضعه ويملكون أيضاً لوبيات عربية في عواصم القرار الغربي تؤثر تأثيراً مباشراً في قرارات هذه الدول سواء في الحصارات أم في طرائق التعامل مع الدول العربية التي تعارضها، وبالتالي يمكن استخدام هذا النفوذ والمرونة العربية نحو إطلاق العمل العربي المشترك.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. العمل العربي المشترك وحديث الضرورات والمعوقات.. هل خرجنا من دائرة الفشل والتفشيل إلى دائرة الفعل والتفعيل؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار