مسار التقارب بعد فوز أردوغان.. متى يمكن الحديث عن لقاء رئاسي؟
تشرين- مها سلطان:
لأيام أخرى سيستمر زخم التوقعات والتحليلات حول تركيا ما بعد فوز رجب أردوغان بولاية رئاسية جديدة، ورغم أن أغلبها- ونحن هنا نتحدث عن الإقليم- يركز على أن أردوغان سيواصل سياساته نفسها موسعاً بيكار الاستدارة العربية باتجاه زيارات واتفاقات تعزز مسار ما يسمى التوجه شرقاً الذي تقوده روسيا والصين باتجاه منطقة عربية أكثر أمناً واستقراراً تخدم عالماً اقتصادياً جديداً متعدد الأقطاب، ورغم أن هذه الاستدارة تحظى بملاقاة عربية ستتوسع بعد هذا الفوز باتجاه مسارات أعمق وأهم مما كانت عليه العلاقات العربية – التركية في سابق عهدها. ورغم ذلك كله فإن هذا الزخم في التوقعات والتحليلات لا بد أن ينتهي في كل مرة عند سورية، ولأن كل ما سبق لا بد أن تكون سورية ركيزته الأساسية، فإن التركيز يبقى مستمراً على سورية وعلى مسار التقارب السوري – التركي الذي بدأ أولى محطاته أواخر العام الماضي 2022، ليتواصل في عدة اجتماعات هذا العام استضافتها العاصمة الروسية موسكو وكان آخرها في الـ10 من أيار الجاري.
وبرأي المراقبين، هذا المسار كاد يصل إلى محطته الأخيرة، أي انعقاد لقاء قمة بين السيد الرئيس بشار الأسد ورجب أردوغان.. وطوال مرحلة الحملات الانتخابية واحتدام المنافسة بين أردوغان وخصمه كمال كليتشدار أوغلو، قبل الجولة الأولى في 14 أيار الجاري، وما بينها وبين الجولة الثانية 28 من الشهر ذاته.. طوال هذه المرحلة كان هناك سؤال مركزي: متى يلتقي الرئيس الأسد وأردوغان؟
هذا السؤال ما زال مركزياً بعد انتهاء الانتخابات وفوز أردوغان فيها، ولا يزال الجواب عنه في غير متناول المراقبين والمحللين، الذين يعودون أدراجهم في كل مرة، منتظرين ما ستقوله الدولة السورية.
فعلياً سورية قالت كلمتها: الانسحاب أولاً.. لكن فريقاً واسعاً من المراقبين والمحللين ما زال يلجأ إلى أحداث جانبية ليستقرىء جواباً عن ذلك السؤال، وعليه يستقرئ هؤلاء لقاءات موسكو الرباعية بصورة هي في غير مساراتها الحقيقية، فهذه الاجتماعات هدفها تقريب وجهات النظر حول الكثير من القضايا العالقة وهي شائكة ومعقدة ومتداخلة بفعل أن تركيا كرست نفسها عدواً بوجود عسكري احتلالي على الأرض السورية، وبفعل أن تركيا مازالت تتعنت وتماطل وتناور في مسألة الاستحقاقات الوطنية المتوجبة عليها للدولة السورية، وعلى رأسها الانسحاب الكامل، بل هي تسعى لفصل هذا الانسحاب عن بقية القضايا الأخرى بزعم أن وجودها الاحتلالي في الشمال هدفه محاربة الإرهاب، وليس لأطماع لها في سورية، حسب تصريحات المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم أردوغان، وهذه تخالف الواقع بدليل كل ما يتخذه النظام التركي من إجراءات مادية ومعنوية على الأرض حيث توجد قواته، بمعنى إيجاد وقائع ميدانية جديدة لشرعنة هذا الوجود عبر ربطه بحاجات وضرورات ديموغرافية أولاً وجغرافية ثانياً.
«سورية لن تطبّع علاقاتها مع بلد يحتل أرضها.. التطبيع لا يمكن إلا أن يكون نتيجة لانسحاب القوات التركية من سورية»، موقف جدده وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد «خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية التي عقدت في 19 أيار الجاري في مدينة جدة السعودية» كاستحقاق وطني لا تنازل عنه، لكنها بالمقابل لا تغلق باب التفاوض والتعاون، وتتابع مسار الاجتماعات الرباعية، استجابة للوساطة الروسية – الإيرانية، وبما يقود إلى خروج القوات التركية بشكل كامل وفق جدول زمني محدد وضمانات، ما دام الجانب التركي لا يُؤمن جانبه، ولا يقدم على أي أمر يثبت العكس.
إذا كانت الحال كذلك، فكيف يمكن الحديث عن إتمام عملية التطبيع، وعن لقاء بين الرئيس الأسد وأردوغان؟ هذا لا يعني أن اللقاء غير وارد، أو أن مسار اللقاءات الرباعية سيتوقف، ولا يعني أن هذه اللقاءات لم تحقق شيئاً، أو أنها لم تؤسّس لما يمكن تسميته أرضية يمكن البناء عليها، وهذا يعود فضله للوسيطين الروسي والإيراني.. ما نقصده هنا أن التطبيع الكامل شرطه أن يقدّم النظام التركي التزامات وضمانات، وإجراءات على الأرض تثبت حسن نياته، خصوصاً فيما يتعلق بالانسحاب الكامل.. ونحن لا نقول هنا إن هذا الانسحاب يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، نحن ندرك أنها عملية كبيرة تحتاج إلى وقت وإجراءات وتنسيق وترتيبات سياسية وأمنية وميدانية وغير ذلك مما هو مرتبط بهذه العملية، لكن المطلوب هو إقرار وإعلان تركي موثّق عن انسحاب كامل للقوات التركية من الأرض السورية، وفق جدول زمني محدد لا يستطيع معه النظام التركي الالتفاف والمناورة والمماطلة، ووفق ضمانات موثقة – ملزمة يقدمها عبر اتفاقيات يتم توقيعها وبما يضمن تنفيذ المتفق عليه.. عندما يتم ذلك نستطيع الحديث عن تطبيع كامل ينتهي بلقاء رئاسي.
يوم الجمعة الماضي تحدث وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو عن اجتماع رباعي جديد سيعقد في الأيام القليلة المقبلة لبحث إعداد خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين سورية وتركيا، وذلك على مستوى نواب وزراء الخارجية، وقال تشاويش أوغلو: إن هذا الأمر تم بحثه في اتصال هاتفي جرى بينه وبين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وكان جاويش أوغلو قد أعلن قبل ذلك عن «بدء التعاون» مع الحكومة السورية في مسألة اللاجئين وعودتهم.
إذاً، مسار التفاوض مستمر عبر الاجتماعات الرباعية، والدولة السورية لا تغلق بابه من جانبها، ولأنها هي الطرف المُعتدى عليه، فهي تبقي على حذرها وتيقظها تجاه الطرف المعتدي ونياته، وهذا حق لها.