«البزنسُ» السوريُّ وغوايةُ «النقُّ سياجُ الرزقِ»
أنجزتْ الدولةُ السوريّة استحقاقاتٍ صعبةً، أقلّها يندرجُ في خانة «التحدّيات المصيريّة»، وهو المصطلحُ الذي يَشي عادةً بحساسيّةٍ عاليةٍ، بل وخطورة، تستدعي التعاطيَ مع الوقائع بطريقةٍ وأدواتٍ غير تقليديّة، معلنة وخفيّة.
الصمودُ إنجازٌ.. ومثلهُ استعادةُ الأراضي التي قضمتْها أذرعُ الحرب على البلاد، وكذلك ضمانُ إمدادات استمرار تفاصيل الحياة العامّة، وعند هذه الأخيرة ثمة عشراتُ وعشراتُ العناوين العريضة التي كانت تستحقُّ مزيداً من الشرح والتفصيلِ وسرداً للأرقام والحقائق، لم تنجحْ المؤسساتُ الرسميّةُ فيه، وربما انكفأتْ، ولاذتْ بالصمت أمام تعويم الحالة المطلبيّة، والرشقات المتوالية من وسائل التواصل، وهو بكلّ تأكيدٍ انكفاءٌ غيُر مقبولٍ، فالمعطياتُ الموثّقةُ أبلغُ بكثيرٍ من الشائعات والحملات المنظَّمة لرفض كل ما هو إيجابيٌّ.
ليسَ هذا موضوعَنا على كلِّ حالٍ، بل ثمة ما هو أهمُّ على صعيد الاستحقاقاتِ القادمة، وهي أيضاً صعبةٌ، ومن شأنها أن تحوّل الأنظارَ إلى قطاع الأعمال في هذا البلد، وتثيرَ تساؤلاتٍ كثيرة عمّا لديه من إمكاناتٍ.. والأهمُّ علاقات مع الخارج، وماذا حضّر للتفاعل السريع مع المتغيِّرات ووقائع الانفتاح الجديد التي هي بدورها إنجازٌ باهرٌ للدولة، كيف سيلتقطُ الفرصَ؟ وهل «أنجز» لائحةَ مهامّه الخاصّة..؟
يعلمُ كلُّ صناعيّ وتاجرٍ سوريّ من خلال التجربة أن مجملَ جولات المفاوضات التجاريّة واللجان المشتركة والاتفاقات مع شركائنا الاقتصاديين خلال العقد السابق من الزمن، ولاسيما مع الروس والإيرانيين، كان محورَها شركاتٌ غير حكوميّةٍ هي التي ستتولى استثمارَ الفرص الناتجة عن تفاهمات السلطات الرسميّة.. فماذا أعدّ قطاعُ أعمالنا للأفق القادم؟ ولا بأسَ بشقٍّ مكمّل من السؤال، وهو ماذا حضّرت الحكومةُ من مهامّ لرجال «البزنس الخاص».. والأهمُ هل أجرتْ تصنيفاً لهؤلاء بين رجل أعمالٍ ورجل أقوالٍ.. وتاجر أنموذجي وآخر مجرد « تاجرِ شنطة»، وبين صناعيٍّ حقيقيٍّ وآخر مُجرّد «مهرّبٍ» بارعٍ في «فتل» بضائع الجيران وتجييرها لاسم منشأته؟
المفترضُ أن التنمية القادمة، بمفهومها الاقتصاديّ وامتداداته للمضمار الاجتماعي، تقومُ على التشاركيّة الفعّالة بين الحكومة والقطاع الخاص، أي ليستْ مهمّةً حكوميّةً خالصةً، والفرصُ التي على الأخير التقاطُها خارجيّة دسمة، لا مجرد داخليّة انتهازيّة رخيصةٍ، والعلاقاتُ مع الاقتصادات الخارجية لا تعني شدَّ الحقائب والهروبَ إليها، بل إقامة جسورِ التواصل والتعاون على قاعدة التكامُل وتبادل المصالح.
تصديرُ الزيت السوريّ الخام ليس إنجازاً بل انتهازيةً، والإنجازُ هو إنشاء مصنع أو مصانع للتكرير والتعبئة ثم التصدير، ومثلُه كلُّ الاستثماراتِ التي تُمليها البيئةُ السوريّة الحافلةُ بالميزات والمقوّمات.
كلُّها استحقاقاتٌ تستوجبُ إحصاءً سريعاً لما في حوزة هذا البلد من رجالِ أعمالٍ حقيقيين، لا رجال أقوالٍ امتطوا منابَر «الميديا»، وانزلقوا في غوايةِ المقولةِ التي يردّدُها أشقاؤنا اللبنانيّون «النقُّ سياجُ الرزقِ».