معوقات العمل الاقتصادي العربي المشترك
تشرين- أ.د. مصطفى العبد الله الكفري:
تبدو أهمية وخطورة البحث في موضوع العمل الاقتصادي العربي المشترك لكونه يمر الآن في مرحلة مراجعة وخاصة موضوع ارتباطه بالظرفية والتطورات العالمية التي غيرت معالم الخريطة الاقتصادية وأصبح أهم ما يميزها، اتجاه العالم نحو التكتلات الاقتصادية.
إن ذلك يدفعنا لتجديد الدعوة من أجل تحقيق التكتل الاقتصادي العربي وعدم الاستمرار في هدر إمكانية الوحدة الاقتصادية العربية، والوطن العربي غني بمقوماته ورجاله، و لكن لا بد من التنسيق والتعاون ليصبح العرب قادرين على مواكبة عولمة الاقتصاد ومواجهة المشاريع الاقتصادية الإقليمية المطروحة كالشراكة المتوسطية والشرق أوسطية، وما يترتب عليها من نتائج تخص مختلف البلدان العربية.
واجه العمل الاقتصادي العربي المشترك عدداً من المحددات والمعوقات ما أدى إلى إخفاقه في تحقيق أهدافه المرجوة وأهمها:
· عدم وجود فلسفة واضحة للتعاون الاقتصادي العربي.
· تنظيم وتخطيط مؤسسات التعاون الاقتصادي العربي من منطلق العلاقات الاقتصادية العربية ونظمها الفرعية تجسيداً لمتطلبات عملية التكامل الاقتصادي العربي نقلاً عن تجربة منظمات التعاون الاقتصادي العالمية وإسقاطاً لآلية عملها بدون النظر إلى البون الشاسع في اختلاف المستويات والظروف والأهداف.
· افتقار نصوص الاتفاقيات بين الدول العربية إلى الدقة في تحديد الهدف ورسم الوسيلة لتحقيقه إذ جاءت معظم نصوص هذه الاتفاقيات مشحونة بالعبارة الإنشائية، كذلك تضمنت نصوصاً تسهل على الدول الأعضاء التنصل من التزاماتها تجاه هذه الاتفاقيات.
· ضعف آلية التنفيذ اللازمة للاتفاقيات العربية حيث لم ترد في معظمها أي نصوص إلزامية.
· ضعف التعاون بين منظمات العمل العربي المشترك وضعف الكادر الفني فيها ما أدى إلى خضوع بعضها إلى ضغوط سياسية.
· عدم وضوح المقاييس التي يتم في ضوئها اختيار قيادات وكوادر هذه المنظمة.
· المعاناة من النزوع إلى المحلية والولاءات السياسية في عمل المؤسسات العربية ما أدى إلى ترسيخ التجزئة والحد من نشوء الولاء القومي.
· ضعف قابلية الدول العربية في تقديم الاستشارات وتبادلها فيما بينها.
· ضعف بنية البحوث الأساسية والتطبيقية وفاعليتها، تلك البحوث التي تخدم فروع الاقتصاد وقطاعاته المختلفة.
· التناقضات التي تسود أساليب التنمية العربية.
· التباين بين الدول العربية في بنية السياسات الاقتصادية والحماية والسياسات الاقتصادية الأخرى.
· انخفاض قابلية الدول العربية النفطية في تقديم الإعانات والقروض الميسرة للأقطار العربية الفقيرة ما أدى إلى زيادة مشكلة مديونية هذه الدول وبالتالي إلى زيادة اعتمادها على الدول الرأسمالية ما ينجم عنه ضعف الإيمان بالعمل العربي المشترك.
· سيادة نمط إنتاج الصناعات الاستخراجية والتبعية الاقتصادية للأسواق العالمية الناجمة عن انخفاض مستوى التكوين الرأسمالي.
· الحوافز والموانع أمام حركة الشعب العربي بين الدول العربية ما أدى إلى ضعف الاتصال والتفاعل الاجتماعي على المستويات والمجالات كافة فنشأت بين الدول العربية مسافات شاسعة.
يجب أن يظل دائماً العمل الاقتصادي العربي المشترك هو الأصل والقاعدة والمنطلق، وأن تكون التكتلات الإقليمية إن وجدت مجرد تفرعات عنه تستسقي من مصادره القومية والشمولية وتصب في أهدافه الوحدوية العربية، لكن الواقع يفرض علينا أن ننظر في الثغرة الكبرى التي تعيق أي حركة واسعة لهذه المرحلة، وتلك هي ثغرة تردي العلاقات العربية وخاصة بعد حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية، وما سُمي بالربيع العربي، فالكل دفع ثمناً باهظاً لهذه الحروب المفجعة وأصبحت عواقبها تشكل نزفاً مخيفاً لكل الموارد المادية والمعنوية والبشرية للأمة العربية وإحباطاً رهيباً للأجيال القادمة.
لقد وضعت المسيرة الاقتصادية العربية لنفسها في البداية هدف التجمع المستند إلى فكرة القومية العربية وحركيتها، ومع أن القومية العربية لم تكن قد حددت لنفسها هدفاً واضحاً فقد كانت ترمي إلى تكتيل و تجميع الجهود العربية في سبيل الصالح المشترك، وفي سبيل تحقيق هدف كبير رمز إليه بالوحدة العربية لتمكين العرب من آمالهم في العيش الآمن الكريم و المساهمة في الحضارة العالمية، وقد التقى الهدف الأمني مع الحاجة الاقتصادية لجعل ميثاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي أساساً لمسيرة كان أحد جناحيها يقوم على التضامن السياسي والعسكري والاقتصادي لدرء الخطر الإسرائيلي، والثاني يحاول بناء اقتصاد متكامل يخلف الاقتصادات المجزأة التي أقيمت في المنطقة العربية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وقد سارت هذه الحركة شوطاً في الاتجاه الصحيح، غير أنها توقفت في النهاية عند سد لم تستطع اختراقه، وهو سد الأسوار الحمائية المختلفة التي أقامتها الدول العربية وعززتها بمفاهيم محددة للسياسة والمصلحة، وفي إطار الخيار ما بين المجتمع العربي الشمولي والحمائيات القطرية، تبدو الحمائيات الآن وكأنها امتلكت الساحة تماماً و تغلب القطري على القومي.
لا يمكن أن يظل العمل الاقتصادي العربي المشترك مجرد رد فعل أو تعبيراً عن الحد الأدنى لأنه يعد المستقبل ذاته للأمة العربية، ولا مستقبل للعرب في ظل دويلات وكيانات ضعيفة وصغيرة في عالم الغد، إن العمل الاقتصادي العربي المشترك والفعال هو الممكن الوحيد للأمة العربية لكي تخرج من تخلفها وتتخلص من تبعيتها على الساحة العالمية، والظروف العربية الراهنة من انقسام وتفارقات تدعونا أكثر من أي وقت مضى، وتدعو كل من له غيرة وانتماء عربيان للدفع أكثر باتجاه إعادة النظر في أساليب العمل الاقتصادي العربي المشترك، بل إعادة صياغة أساليب التوحيد العربي على أساس أكثر صلابة من الصيغ الترقيعية التي اتبعت حتى تاريخه.