القمة العربية في جدة.. «العراق في قلب سورية».. ونحن في العراق نقول: سورية في قلب كل عراقي

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:

لنتوسع أكثر.. توضيحاً وتحليلاً.. في تصريحات له عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية التي ستعقد غداً في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، قال وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد: «العراق دائماً في قلب سورية، وسورية دائماً في قلب العراق، لذلك نحن ننظر دائماً إلى المستقبل، إلى دور العراق الفاعل.. والتنسيق القائم بين القيادتين سيضعنا فعلاً في إطارنا التاريخي عندما كنا رقماً واحداً».
أصاب السيد المقداد كبد الحقيقة في كل كلمة من هذا التصريح، ولأن العراق في قلب سورية قولاًوفعلاً، كانت فرحتنا عارمة بعودتها إلى مقعدها في الجامعة العربية، وهي فرحة تضاعفت بما لا يُقاس عندما تم الإعلان عن مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية، فهذه سورية التي نعرفها ونريدها، دولة عربية بكامل حضورها ودورها ومكانتها على الساحة العربية.
قد لا تكون فرحتنا بما يُعادل فرحة السوريين وهم يرون بلادهم في موقعها الطبيعي، بكبريائها وعزتها، وبانتصاراتها، تعود وتتخذ مكانها المستحق بعد غياب 12 عاماً تاه فيها العمل العربي عن مساره وأضاع بوصلة المستقبل، فكانت النتائج خراباً عميماً.. ولكن اليوم يعود العرب إلى صدارة المشهد وبما يفيد بأن قمة جدة ستكرس واقعاً جديداً.. مرحلة جديدة من التكامل العربي.. ونقطة تحول استراتيجية، وما بعدها ليس كما قبلها.
للعراق وسورية قلب واحد، ما بينهما يتجاوز مقولة «على قلب واحد»، هما بالضبط كما تقول سورية على لسان السيد المقداد في تصريحه آنف الذكر: سورية والعراق رقم واحد، هذه المعادلة – بطرف واحد فقط – نفهمها جيداً نحن العراقيين كما يفهمها إخوتنا في سورية، ونحن نمارسها عملياً، رغم مؤامرات العدو الأميركي «الصهيوني» القابع على حدودنا المشتركة لتفريق هذه المعادلة وجعلها بطرفين، ولولا عوامل جغرافية وديمغرافية، وجد فيها ضالته، لكان فشله كاملاً، ومع ذلك لن يطول الوقت قبل أن يتمكن بلدانا من دحره وطرده من كل شبر من أراضيهما.
وإذا كان العراق وسورية رقم واحد.. وإذا كانت هذه المعادلة تضعهما في إطارهما التاريخي، وبما منحهما على الدوام القوة والتأثير والنفوذ، فإننا نستطيع تعميم هذه المعادلة، أو توسيعها لتشمل كل الأمة، ولتكون كل الدول العربية رقم واحد، وليس العراق وسورية فقط.
وباعتقادنا إن القمة العربية في جدة غداً ستسير في هذا الاتجاه، على الأقل هذا ما توحي به المقدمات، بمعنى التحضيرات، خصوصاً ذلك الاحتضان العربي الذي اختصت به سورية.. كان الاحتفاء بسورية كبيراً وكان الالتفاف حول وزير خارجيتها السيد المقداد ومجمل أعضاء الوفد السوري أمراً يُضاعف التفاول ويُوسع الآمال بأن الساحة العربية مُقبلة على تطورات مهمة في المرحلة المقبلة، وقد تبدأ هذه التطورات بعد القمة مباشرة.. ومن يدري قد تبدأ خلال القمة.. هناك الكثير التوقعات بأن هذه القمة ستحمل مفاجأة واحدة على الأقل، وهي مفاجأة ستكون فارقة، بحجمها ومضمونها.
طبعاً يُضاف إلى ماسبق أن أكثر ما يُميز القمة العربية في جدة غداً أنها استثنائية في نسبة التفاؤل والآمال والأجواء الإيجابية التي ترافقها، وهذا يُحسب للمملكة العربية السعودية التي استطاعت، والشكر الكبير لها، تحقيق هذه الاستثنائية والتفرد، وأملنا أن تنسحب هذه الحالة على النتائج التي ستخرج بها القمة.. ولا ننسى هنا أن عودة سورية ومشاركتها في هذه القمة كانت بالأساس نقطة الانطلاق في هذا التفاؤل.. فسورية تشيع التفاؤل والأمل أينما حلت.
المنطقة العربية بقدر ما تقف أمام مخاطر كبيرة، فهي تقف أمام تحديات كبيرة، هذه التحديات إذا ما تم تجييرها لمصلحتنا العربية، يمكن أن تتحول إلى داعم كبير لنا في مواجهة المخاطر قديمها وجديدها، المُفتعل منها أو التي هي من صنع أيدينا، وبإمكاننا أن نحول كل تحدّ حالياً وفي المستقبل، إلى فرصة، وإذا ما توحدنا جميعاً خلف هذه الفرصة فسوف نحولها إلى تفوّق، وعندها سنكتب نحن مستقبلنا ونقرر مصيرنا دون تدخل من أميركا أو حلفائها أو عملائها وتابعيها.. وسيكون مصيرنا بيدنا، وأميركا لن يكون أمامها إلا الخروج.. وإلى الأبد.
ولأننا في عالم تأخذ فيه التكتلات الاقتصادية والسياسية دوراً متعاظماً على مستوى القرار والفعل العالمي، فنحن أيضاً كمنطقة – كدول عربية – لدينا كل المقومات لنشكل تكتلاً فاعلاً وازناً بدور مُتعاظم.. الدول العربية الزاخرة بالطاقات البشرية تعوم على بحر من الثروات والخيرات، إضافة لكونها تشكل كتلة جغرافية واحدة لا انفصال بينها، وهو ما لا يتوافر في التكتلات الحالية «باستثناء الاتحاد الأوروبي» ومع ذلك فهي استطاعت أن تفرض وجودها وحضورها وقوتها، وبما لا يمكن لأي أحد في العالم تجاهلها.. أليس حرّياً بنا أن نتمثلها؟

ربما ليس علينا انتظار أن يسود السلام والاستقرار في كل بقعة من الوطن العربي، فهذه مهمة تبدو مستحيلة في الوقت الحالي، بسبب عوامل كثيرة الجميع يعرفها وبما يغنينا عن ذكرها.. ربما علينا أن ننطلق مما نحن عليه، قبل أن يفوتنا الوقت.. ليكن الأمر كذلك، ننطلق بما نحن عليه، فرغم كل ما تشتعل به دولنا من حروب وأزمات، لايزال لدينا ما يكفي بما يعطينا قوة الانطلاق، والثبات في الانطلاق، وبعدها سنجد أن هذه الأزمات ستختفي واحدة تلو الأخرى..
من هنا نتمنى أن تكون القمة العربية في جدة فرصة للانطلاق، ولتكون الدول العربية رقماً واحداً خلف هذه الانطلاقة.. صحيح أننا كما غيرنا نستبق الحدث ولكن هذا ينطلق من أن آمالنا كبيرة ومخاوفنا كبيرة في الوقت ذاته.

كاتب وأكاديمي عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار