قمّة العرب في جدّة.. سورية في موقعها قلب يَلم ويَضُم
هبا علي أحمد:
فُتحت الأبواب، وحُدّدت بدايةُ تصحيح المسارات، وصُوِب اتجاه البوصلة، وكان العَلمُ السوري حاضراً بنجمتيه الخضراوين وألوانه الثلاثة، الأبيض والأسود و الأحمر، هو ذاته لا بديل عنه، ولا غيره يملأ مكانه، مرفرفاً في أروقة الاجتماعات و فندق الوفود «الهيلتون» والطرقات في المملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع أعلام الدول العربية.
ومنذ اللحظات الأولى فُتحت الأحضان.. أحضانُ كلّ العرب أمام الوفد السوريّ، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، تهليلاً وترحيباً، وارتوت من الحضن السوريّ بعد 13 عاماً من القحط والجفاف، وتزيّنت كلمات الوفود العربية السياسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة بالترحيب بسورية وحضورها وعودتها لمقعدها الذي كان شاغراً، ومعه شغرت القضايا العربيّة من أيّ حل، وباتت صورة التضامن العربي باهتةً بل ميتة بلا حياة.
تزيّنت الصور بوجود السوريين، وازدادت الأضواء بريقاً ولمعاناً، وتقاطرت الوفود العربية للقاء الوفد السوريّ بكلّ مستوياته، وتوجّهت الأنظار تجاه كل وافدٍ سوري جديد، وهبّت الأقدام لاستقباله والتحدث إليه عن قرب لتجاوز الماضي والتطلع إلى المستقبل، وما زالت الأحضان مفتوحةً بانتظار استقبال الشخصية الحَدث السيد الرئيس بشار الأسد، إيذاناً بانطلاقة جدّية وفاعلة للقمة العربية بدورتها الـ32 غداً في مدينة جدة.
لا نبالغ إن قلنا إن القمةَ في دورتها الحالية هي في شخصية الرئيس بشار الأسد وحضوره، وهذا ليس كلامنا فحسب، بل كلام الجميع إن صُرح عنه أم لم يُصرح.. هو القمّة، وحضوره ووجوده في مقعد الجمهورية العربية السورية إلى جانب العلم السوري، هو الحدث، والصورةُ التي لن ينساها المتربّصون، الصورة التي حاولوا إقليمياً ودولياً، وعلى مدار العقد الماضي ألا تكون حاضرةً، بقيت حاضرةً، وحضرت بقوة، وبطلبٍ ودعوة رسميّة، وبانتظارٍ وترقّب وأمانٍ بأن يحضر الرئيس الأسد.. صورة ستبقى تقضُّ مضجع واشنطن والكيان الصهيوني، حتى أول المتآمرين والرافضين عودة سورية، أي قطر استسلمت للأمر الواقع، وأقرّت به، وصرّحت بأنها لا تريد الخروج على الإجماع العربي بشأن عودة سورية إلى الجامعة العربية!
من كل ماسبق ذكره، نرى أن قمّة جدّة محطةٌ مفصليّة في مسيرة الجامعة العربية وقممها منذ التأسيس حتى اليوم، وتحديداً منذ قمّة دمشق ٢٠٠٨، محطة مفصليّة وفرصة لكلّ العرب للاستفادة من تجربة العقد الأخير التي لم تحرك أيّ حجرة في مياه القضايا العربية، فرصة للمّ الشمل وتصحيح مسار العمل العربي المشترك ونقله إلى أطوارٍ أكثر تقدماً وأهميّة، وإعادة الحياة إليه، وهي فرصةٌ للعرب لأن يمدّوا يد العون والمساعدة لسورية، وأن تُترجم كلمات الترحيب التي سمعناها إلى مشروع عملٍ للمرحلة القادمة تجاه سورية وتجاه البلدان العربية على نحوٍ عام، ولاسيما في فلسطين واليمن والسودان.
لن نقول إنها قمّة ستخرج بحلولٍ، ولن ننتظر ذلك، لكن يمكن أن تكون قمّةً لوضع خطوط أوليّة ومبدئية مغايرة لما سبق، للبناء عليها والانطلاق مجدداً إلى التضامن العربي والعمل العربي المشترك بمفهومه الحقيقيّ والفاعل، ولاسيما بعد عودة سورية ولوضع الجامعة العربية في سياقها الصحيح، وفي خدمة القضايا العربية والخروج من عباءة أن تبقى القرارات حبراً على ورق، فحتى قبل ما سُمّي زوراً وبُهتاناً بـ«الربيع العربي» كانت القمم تخرج بقرارات، لكنها لاتبصر النور، أما اليومَ، فنحن في جميع الدول العربية أمام فرصةٍ حقيقية وواعدة، إن أُحسِن استغلالها وربما لن تتكرر، لناحية إعادة تشبيك العلاقات العربيّة- العربيّة، والعربيّة- الإقليمية، سياسياً واقتصادياً، وفي عدة مستويات، ولناحية العمل على إنشاء نظام عربي جديد ضمن الدول الطامحة لأن تكون في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، كما أشار أحد المحللين.
مما لاشك فيه أن الحضور السوري بذاته فرصةٌ للسعودية لإعادة الاضطلاع بدورها الذي يجب أن يكون إيجابياً، والتخلي عن الاستدارة إلى الغرب، والقيام بدور فاعل ووازن في المنطقة العربية والإقليمية، والأمل في قادمات الأيام.
يحقُّ لنا أن نقول، ونذكر دائماً، طوبى لمن مهّد الطريق، وضحّى، وقدم حياته فداء وكرمى صون الأرض، وطوبى لمن صمد، وآمن، وانتصر، طوبى لكل أطياف الشعب السوريّ، طوبى لكل خطوةٍ وعملٍ ونصرٍ أوصلنا إلى هنا.