قمة الأمة في جدة.. نعم نستطيع طالما نملك إرادة القرار والفعل
تشرين- مها سلطان:
أقل من يوم على الحدث المنتظر، لا ننكر أن الأعصاب مشدودة ترقباً، ولكن هذه المرة ترقب من باب التفاؤل الكبير الذي يسود الأجواء، وبأن سورية اليوم في قلب الأسرة الأكبر، الأسرة العربية، لتكون الأمة من جديد على كلمة واحدة وموقف واحد باتجاه مستقبل أكثر أمناً واستقراراً وازدهاراً.. غداً ونحن ننتظر الساعات الأخيرة قبل التئام قمة العرب، في بيت العرب، في جدة السعودية، بإمكاننا أن نأخذ نفساً عميقاً ظل حبيس الصدور لسنوات طويلة.
إذاً لنبدأ من جديد، لا عودة للوراء، والسنوات الـ13 الماضية لن تكون مرآةً للمستقبل.. لنبدأ من هنا، من جدة، حيث الآمال تفيض وتغمر جهات الوطن العربي الأربع، وحيث الشوق لسورية وعودتها يُظلل المكان محبة، ويُفعم قلوبنا نحن السوريين فرحاً وأملاً.
ربما لم يسبق لقمة عربية أن كانت مسبقاً ولأسابيع عدة، بهذه الإيجابية الكبيرة رغم جسامة وتعقيد القضايا التي تتصدى لها، ورغم ضخامة التحديات المستقبلية، ولأننا «نبدأ من جديد» والأصح أن نقول انطلاقة جديدة، فإنّ كل بداية، كل انطلاقة هي الأصعب وهي الأهم فإذا ما نجحت واكتسبت قوة الدفع الكافية واللازمة باتجاه الخطوة الثانية، فهذا يعني أن الطريق بات مفتوحاً لتحقيق الخطط والطموحات المستقبلية وبما يُعطي الأمة، أو لنقل المنطقة العربية، مكانتها التي تستحق ودورها ونفوذها في عالم جديد يتشكل، ولا بدّ أن نكون قطباً فيه.. ولا مغالاة في هذا، فكلما كان الهدف أكبر، كان العمل أكبر، ونحن أمة تستحق ولديها كل المقومات لتكون قطباً.. ولأن لديها كل المقومات فهذا يعني أنها تستطيع إذا ما امتلكت إرادة القرار، والفعل، وإرادة العمل موحدة.
وبإمكاننا أن نأخذ سورية للتأكيد على الاستطاعة وقدرة القرار والفعل والعمل الموحد، وحديثنا هنا باتجاهين، عودة العرب لسورية وعودة سورية للعرب، ونجمل المسألة بعدة نقاط:
أولاً – صحيح أن الإمارات هي من بدأت العمل فعلياً ورسمياً في سبيل هذه العودة، وعلى أكثر من مستوى، إلّا أن دولاً عربية عدة كانت تدعم وتؤيد، وتؤكد أنه لا بدّ من تصحيح مسار العمل العربي المشترك بعودة سورية، وكانت تعلن في كل مناسبة موقفها هذا.. لذلك فإنّ أهمية دور الإمارات هنا أنها استطاعت أن تجمع هذه المواقف عملياً على الأرض، ثم توسيع دائرتها لتستقطب الجميع حول ضرورة تصويب المسار وتصحيح الرؤى، والبدء بتنفيذ عودة مزدوجة، وهذا ما كان وما حدث مع توالي الأشهر باتجاه التئام شمل العرب اليوم في قمة جدة.. والمغزى هنا «أننا.. نعم نستطيع» إذا ما امتلكنا إرادة القرار والفعل.
ثانياً – لنذكر هنا القمة العربية الماضية التي انعقدت في الجزائر والتي وسّعت الطريق أمام هذه العودة المزدوجة، وكانت استكمالاً للجهد الإماراتي الكبير والمتواصل.. ودائماً كان للجزائر قصب السبق في دعم سورية في أحلك الظروف، وعندما استحكمت حلقات التآمر والظلم حولها فصولاً متوالية، كانت الجزائر نِعمَ السند والصديق. بوجود دول عربية مثل الجزائر والإمارات والعراق ومصر وغيرها، كنا دائماً نقول إنه لا بدّ في النهاية من أن يَصُح الصحيح ولا بدّ أن الظلم سيُرفع عن سورية وتعود إلى موقعها ودورها، وهذا ما كان وما حدث.. والمغزى هنا مرة أخرى «أننا.. نعم نستطيع» إذا ما امتلكنا إرادة القرار والفعل.
ثالثاً – صحيح أن المملكة العربية السعودية ظهرت كحلقة أخيرة في مسار العودة المزدوجة، إلّا أن هذه الحلقة كانت الأهم والأكثر فعالية وتأثيراً، وإذا ما توسعنا في الحديث عن السعودية ودورها، سيظهر لنا سريعاً أنها لم تكن الحلقة الأخيرة، وأنها كانت تدعم وتساند وتدفع باتجاه تصويب وتصحيح المسار العربي باتجاه سورية، ولكن من دون إعلان أو بهرجة إعلامية، وهي لطالما كانت كذلك، تعمل بصمت وحكمة لتفاجئ الجميع في النهاية، علماً أن رسائلها الإيجابية تجاه سورية كانت واضحة لكل من يريد أن يقرأ ويفهم، ولكل من يريد أن يَعي أن المملكة العربية السعودية لا يمكن إلّا أن تكون مع سورية ومع وحدتها وأمنها واستقرارها.. أليست السعودية اليوم محط إعجاب الجميع لما وصلت إليه من دور ومكانة إقليمية ودولية، أليست محط استقطاب إقليمي ودولي بنفوذها وقوتها الاقتصادية والسياسية، وما استطاعت تحقيقه من رفاهية وازدهار.. ألم تتحول السعودية في العقد الأخير لتكون محط أنظار العالم، ولتفرد لها القوى العالمية الكبرى دائماً المكان الأبرز؟.. هذه هي السعودية ولا يمكن أن تكون إلّا مع سورية ووحدة الأمة.. والمغزى هنا مرة ثالثة «أننا.. نعم نستطيع» إذا ما امتلكنا إرادة القرار والفعل.
رابعاً – لنذكر هنا أيضاً الضغوط الأميركية التي وصلت أوجها في الأيام الأخيرة، وكيف أن الدول العربية اتخذت قراراً بتجاهلها والمضي قدماً باتجاه لمِّ الشمل، واستعادة التضامن والعمل العربي المشترك، الجميع في المنطقة العربية بات على قناعة مطلقة أن الولايات المتحدة الأميركية في لحظة الحسم وفي لحظة الحاجة إليها ستخذلهم، وأكثر من ذلك ستحاربهم، وهي تحاربهم بالفعل، تحاصرهم بالحروب والاضطرابات والأزمات، أو لنقل تحاصر النصف منهم، ولكن في نهاية الأمر هذه الحروب والاضطرابات والأزمات تحاصر النصف الآخر، الذي تقول أميركا إنّها تدعمه، هذه اللعبة القذرة باتت مكشوفة، وبات معروفاً للجميع أن أميركا تسعى لتكون المنطقة العربية في حالة اقتتال واضطرابات دائماً لتكريس حالة الضعف والهوان والتبعية، وتالياً بما يجعل من المستحيل على العرب أن يكونوا يداً واحداً، قوة واحدة، تكتلاً واحداً، ليأخذوا موقعهم في عالم اليوم، عالم التكتلات بقوتها ونفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري.. وحتى الجغرافي.. نعم استطاعت الدول العربية أن تدير الظهر لهذه الضغوط الأميركية، وأميركا لن تستطيع فعل أي شيء، الدول العربية اليوم قوية بتضامنها وعملها الموحد، وقوية بتحالفاتها الإقليمية والدولية، ولا نعتقد أن هذا المسار سيعود إلى الوراء، ومن هنا نرى كل هذا الإجماع على أن قمة العرب في جدة هي البداية والانطلاقة.. والمغزى هنا مرة رابعة «أننا.. نعم نستطيع» إذا ما امتلكنا إرادة القرار والفعل.
قد يتهمنا البعض بالمغالاة فيما سبق، وهم بمجملهم ممن يُطلق عليهم تحالف المتضررين والمغرضين والمأجورين ومعهم اليائسين المُيئسين.. هؤلاء هم المغالون في غيّهم، الرافضون رؤية ما يجري في الإقليم والعالم من متغيرات قياسية في سرعة زمانها ومسارها، وهم بالأساس الذين يرفضون «نظريات المؤامرة» وينعتوننا بالتلطي وراءها وكأن أميركا «وغربها» قديسة في التعامل مع منطقتنا، أو بقية العالم.. هم حتى صمّوا آذانهم قصداً وعمداً عندما كانت أميركا ترامب تتبجح حول تحكّمها بدول المنطقة، وأنه يكفي إشارة منها لإسقاط أي دولة منها في أتون الخراب والدمار.. بكل الأحوال الحمد لله أن هؤلاء سقطوا تباعاً، وهم اليوم يشاهدون بأم أعينهم كيف أن الدول العربية قادرة على القرار والفعل، وعلى استعادة وحدة الصف والكلمة.
لا ننكر أن الساحة العربية تكاد لا تهداً في منطقة منها إلّا وتندلع في منطقة أخرى، وليس هنا ما هو أصعب وأعقد من حل الأزمات الناجمة عن الاقتتال والاضطرابات.. ولا ننكر أن العلاقات العربية – العربية ليست في أفضل حالاتها، وفي بعضها متأزمة جداً، والحلول ليست سهلة أيضاً.. ولا ننكر أن هناك تعنتاً في الكثير من المنعطفات والمحطات فيما يخص تحقيق وحدة كاملة في الصف العربي.. كل هذا ستتصدى له القمة العربية في جدة ونحن لا نقول إنّ هذه القمة ستحل كل هذه القضايا بين ليلة وضحاها.. لكننا نشدد على امتلاك إرادة القرار والفعل.. وربما أن هذه القمة تلتئم بشكل أساسي ليس فقط لمناقشة الملفات والأزمات المستفحلة على الساحة العربية، قد يكون الاتجاه أيضاً «وهذه توقعات» أن يتم التركيز على التطورات الدولية المتزاحمة على أبواب المنطقة، والتي تحتاج قراراً أيضاً، وليس أي قرار، لا بدّ أن يكون قراراً عربياً واحداً، فنحن في هذه التطورات وفي الموقف منها سواء. وإذا ما أردنا أن تنعكس ايجاباً علينا، وإذا ما أردونا أن يكون لنا دور ومكانة وتأثير في عالم جديد يتشكل فلا بدّ أن نكون يداً واحدة، كتلة واحدة ، قوة واحدة.. وهذا ما ستركز عليه القمة العربية بشكل أساسي… أما التوقعات فهي كبيرة، والآمال واسعة، وأما التفاؤل فهو يكاد يعم المنطقة… وغداً لناظره قريب.