مقدّماتٌ تستحقُّ التفاؤلَ
لا يملكُ كلُّ مَنْ يتابعُ عن قُرب تفاصيلَ التحضيرات المُتسارعة لانعقاد القمة العربية إلا أن يطلقَ العنانَ لجرعاتٍ عالية من التفاؤل بأن القادماتِ من الأيام ستحملُ الكثيرَ ممّا هو استثنائيُّ على مستوى العلاقات العربيّة – العربيّة ومسارات العمل العربيّ المشترك على نحوٍ عامٍ.
يُعزز ذلك مجملُ الرؤى التي خرجتْ بها اجتماعاتُ المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ خلال اليومين الماضيين، وكذلك المداولاتُ التي تدور هنا في أروقة فندق «الهيلتون» في جدة اليومَ مع بدء الاجتماعات التحضيريّة للقمة على مستوى معاوني وزراء الخارجية العرب، وغداً وزراء الخارجية.
ويظهرُ بوضوحٍ أن ثمّة توافقاً شبهَ كاملٍ بشأن أهمية عودة الانفتاح العربي على سورية، لما تشكّله سورية من ثقل سياسيّ، وكذلك دورٌ اقتصاديٌّ فعّال في سياق التطلّع العام نحو إعادة النهوض بمؤسسات الجامعة العربيّة، والتكتّل الاقتصاديّ الكبير المنبثق عنها، في عالمٍ لم يعدْ يعترفُ إلا بالتكتّلات المتماسكة والشراكات من أجل التنمية بكل أبعادها، بل ربما لأجل البقاء أيضاً.
الأحاديثُ التي تدور والتصريحات على نحوٍ عامٍ، تبدو أبعدَ من مجرد حالةٍ بروتوكوليّة، بل إنّها تتعدى ذلك إلى عمق وجدانيّ عربيّ، بل وتشي نبرةُ الكثيرين في التعبير عن آرائهم بمزيدٍ من التوق والشغف بالعلاقات مع سورية (البلد المؤسّس لجامعة الدول العربيّة) وربما يمكن من خلال تصريحات الكثير من المسؤولين العرب الاستشرافيّة لأفق العلاقة مع سورية استنتاجُ أن ثمة مسارات رؤى تعاونٍ قد تبلورت من الآن، وربما يجري الإعدادُ لها لتنطلق فعلياً بعد القمة على مستويات ثنائيّة وجمعيّة.
هي تحوّلاتٌ لايمكنُ وصفُها بأنها استثنائيّةٌ في توجّهاتها، بقدر ما هي عودةٌ إلى التموضعات الطبيعيّة التي تُمليها حقائقُ التاريخ والدم والمصلحة أيضاً، بما أن للاقتصاد «لوغارتميّاته» التي تبعده قليلاً عن العواطف.
المهمُّ كمقدماتٍ، هو استنتاجُ الكمّ الوافر من الدفء والحبّ الذي يكتنزه الكثيُر من الأشقّاء العرب لسورية، بشعبها وقيادتها، ولاسيما هنا بين الأشقّاء السعوديين الذين أبدوا قدراً رفيعاً من الاحترام والاحتفاء بكلّ المسؤولين والإعلاميين السوريين الذين توافدوا للمشاركة أو لتغطية القمة – الحدَث.
مقدماتٌ تسمحُ لمَنْ يرغب في قراءة المستقبل القريب أن يتوقّع ما يُناغي الطموحات الطيّبة التي باتت هواجسَ واستحقاقاتٍ ملحّة.