ملف «تشرين».. جسر عابر للعقوبات… حكم التكتلات واقع وأحكام منطقة التجارة الحرّة العربية تعد بجرعات إنعاش اقتصادي حقيقي
تشرين- باسم المحمد:
يشغل تفكير المواطن السوري الكثير من الآمال والتساؤلات منذ أن بدأ الحديث عن عودة العلاقات مع الدول العربية على جميع الصعد، لكن الأزمة الاقتصادية وآثارها المؤلمة على معيشته تحتل الأولوية على سلم التفكير وتسيطر على التساؤلات هواجس وآمال الوفاق الاقتصادي الذي لا بدّ أن يكون ثمرة لتصحيح مسار العلاقات السياسية وعودة المياه إلى مجاريها.
صحيح أن تجربة المنطقة الحرة العربية الكبرى لم تكن مرضية لجميع أطرافها قبل سنوات الحرب على سورية، لكن دائماً ما تكون الخطوات في اتجاه تحقيق أي نوع من وحدة الصف العربي في أي مجال مقبولة في وجدان جميع الشعوب العربية، على مبدأ مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
خيار إستراتيجي ولكن…
وبعد عقدين تقريباً على دخول اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى حيز التنفيذ في 2005 وبدء التحرير الكلي لانسياب البضائع ما بين 18 دولة عربية، لا يزال الأثر الاقتصادي المنشود غير ملموس على أرض الواقع، وانسحب عدد من الدول العربية أو جمد تنفيذ الاتفاقية مثل الجزائر والعراق والسودان واليمن، ووجود عدد من الدول التي تضع معوقات إدارية غير جمركية على وارداتها، ووجود دول عربية لم توقع عليها، يظهر الكثير من الخلل والسلبيات التي لم ينجح المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية في تجاوزها.
تجربة المنطقة الحرة العربية الكبرى لم تكن مرضية لجميع أطرافها
وقبل الحرب على سورية لم ينكر الصناعيون السوريون وجود الكثير من الإيجابيات لهذه الاتفاقية التي ساعدت الصناعة السورية على زيادة صادراتها إلى محيطها العربي مستفيدة من الإعفاءات الجمركية والتسهيلات في أنظمة الاستيراد.
لكن في ظل التغيرات الاقتصادية الدولية والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الكثير من الدول العربية، انتشرت الأنظمة الحمائية الاقتصادية والتي بدأت تحلّ تدريجياً محل أنظمة الانفتاح والعولمة وسهولة انسياب البضائع ما بين الدول والتي سادت في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، وبروز الكثير من المعوقات الإدارية غير الجمركية، والتعقيدات في أنظمة الاستيراد التي تضعها بعض الدول العربية أمام البضائع المستوردة وخصوصاً العربية منها، وهذا ما يفسر تواضع حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والذي لم يتجاوز 180 مليار دولار وبنسبة لا تزيد على 10 % من إجمالي حجم التبادل التجاري لهذه الدول.
جسر عابر للعقوبات
لهذا يمكن القول إنّ الفوائد الاقتصادية لسورية في حال إعادة تفعيل بنود اتفاقية المنطقة الحرة العربية الكبرى، خلال الظرف الراهن وعلى المدى القصير تقتصر على تجاوز العقوبات الأحادية الحاقدة التي فرضها الغرب، والتخفيف من تبعاتها ولاسيما في مجال انسياب السلع استيراداً وتصديراً وموضوع تجاوز الحصار الخاص بالتحويلات المالية والتي تكبد الاقتصاد السوري الكثير من التكاليف حالياً، وهذا بالطبع يتطلب تعاوناً كبيراً من الأشقاء العرب لتجاوز القيود المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على الشعب السوري.
الفوائد الاقتصادية لسورية على المدى القصير تقتصر على تجاوز العقوبات الأحادية الحاقدة
أما على المديين المتوسط والطويل فيجب العمل في اتجاهين، أولهما إعادة صياغة الاتفاقيات ضمن هذه المنطقة بما يحقق الهدف المعلن منها وهو الوصول إلى التكامل الاقتصادي العربي لتحقيق مصالح جميع الدول المنضوية تحتها، ولاسيما في المواضيع الشائكة وأبرزها شهادات المنشأ للسلع المتداولة بين دول الاتفاقية والتي تعرضت لانتقادات شديدة في دول عديدة، وهذا أمر لا بدّ منه لأن أغلب دول العالم باتت تؤمن بأهمية التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية لتؤمن مستلزماتها وتحقق الرفاهية لشعوبها، والابتعاد عن استغلال الدول الكبرى وسرقة المقدرات عبر عقود إذعان مفروضة تذهب خيراتها باتجاه واحد وترتد سلبياتها نحو الدول الضعيفة.
أغلب دول العالم باتت تؤمن بأهمية التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية
والاتجاه الثاني هو داخلي تتحمل فعالياتنا في القطاع الخاص الجزء الأكبر من مسؤولياته من خلال الابتعاد عن الفكر الريعي والانتهازي الذي طغى خلال السنوات الأخيرة، فكان هدف تعظيم الأرباح هو الأهم على حساب مسؤولياتها الاجتماعية وحتى الوطنية، لأن أي انفتاح اقتصادي عربي سيحقق انسياب السلع وهنا ستكون المنافسة مفتوحة. فالمستهلك سيتوجه نحو الأقل سعراً والأكثر جودة.
ميزات ومقومات
ومن المؤكد أنّ الاحتلال الأمريكي للمناطق التي تحتوي على معظم مصادر الطاقة وسرقته لها سيكون له أثر سلبي على قدرات المنتجين السوريين في مختلف القطاعات على المنافسة، بسبب ارتفاع التكاليف، لكن التاريخ يضمن الغلبة للخبرات الزراعية والصناعية والسياحية السورية، وهذا يتطلب قبل كل شيء استرداد رؤوس الأموال المحلية التي هاجرت تحت تأثيرات الحرب والحصار، حتى تقوم هي بإقناع المستثمرين العرب بالدخول إلى السوق السورية ومن بعدهم المستثمرين الأجانب.
تشير الإحصاءات إلى أن سورية كانت قبل هذا العقد في مراتب متقدمة في إنتاج كل شيء زراعياً وصناعياً، وما تحتاجه الآن هو فقط إعادة العلاقات العربية- العربية إلى ما كان عليه سابقاً لا بل العمل على تجاوز الصعوبات التي كانت موجوداً سابقاً والوصول إلى تشبيك عربي يحمي الشعوب ويصون الثروات، وما تمتلكه سورية من مقدرات طبيعية وبشرية كفيل بحلحلة الكثير من الصعاب الموجودة حالياً ليس على مستوى اقتصادها، لا بل يمكن أن يحقق قيمة مضافة لجميع الدول العربية.
اقرأ أيضاً: