المنطقة باتجاه التكتل وإعادة رسم التحالفات سياسياً واقتصادياً.. وأميركا «معزولة».. تسعة أيام قبل القمة العربية.. ماذا ستحمل وعلى أي مستوى ستكون سورية؟
تشرين- مها سلطان:
من الآن وحتى موعد القمة العربية المقررة في العاصمة السعودية الرياض 19 أيار الجاري، ستبقى الأجواء نهباً للتسريبات والتوقعات، بعضها تسنده مؤشرات على الأرض، وسياق منطقي لا بدّ أن تكون جزءاً منه.. وبعضها يَحكمه الحماس والاندفاع لقرار كان مطلوباً لأنه بات حاجة وضرورة، ولأننا في مرحلة التحولات الإقليمية والدولية الأهم، حيث التوحد والتكتل ولا بدّ أن يكون عنواناً رئيساً، بل عنواناً وحيداً في المرحلة المقبلة.. ونحن هنا نتحدث بالطبع عن قرار عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية وإلى مؤسساتها وهيئاتها ومنظماتها مُستعيدة دورها الريادي والمؤثر.
*** ***
وسائل إعلام خليجية تحدثت عن زيارة سيقوم بها مبعوث سعودي إلى دمشق في الأيام القليلة المقبلة لتسليم الرئيس الأسد دعوة لحضور القمة.. كما تحدثت هذه الوسائل نقلاً عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن الرئيس الأسد قد يقوم بزيارة للسعودية تسبق انعقاد القمة، وسبق أن زار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان دمشق في 19 نيسان الماضي لاستكمال تنسيق عودة العلاقات على المستويين الثنائي والعربي.
فعلياً، لا تصدر تصريحات رسمية من الدول المعنية بما يُجيب عن هذين السؤالين، ولكن بالمجمل عندما تكون هناك تسريبات نستطيع نوعاً ما الاعتقاد بأن فيها شيئاً من الصحة، إذ إن كثيراً من الدول تعتمد ضمن سياساتها على التسريبات، وخصوصاً لناحية رسائل محددة، غير مباشرة، تريد توجيهها لمعرفة مواقف الأطراف المقابلة، بمعنى؛ أنها تسريبات تعمل كبالونات اختبار، لمعرفة المواقف والتوجهات من دون الاضطرار إلى الإعلان أو التعاطي بشكل مباشر.
وعندما تكون التسريبات متعلقة بإعادة رسم خريطة العلاقات العربية «وسورية في المركز منها»، فهذه التسريبات تكتسب نوعاً من المصداقية إذا ما أخذنا بالحسبان أن معظمها ثبت صحته خلال الأشهر الماضية.. وبالتالي فإنّ التوقعات التي يتم بناؤها استناداً إلى هذه التصريحات، وتالياً التحليلات اللاحقة، تكتسب نوعاً من المصداقية، مع ضرورة الابتعاد عن المغالاة في الحماس والاندفاع.
*** ***
«مسار العودة» سيمضي قدماً لتتخذ سورية موقعها ودورها الكامل.. وإذا ما كانت السياسات تتجه بالمنطقة نحو التحالف والتكتل فلا بد من أن تكون سورية منطلقة.
ماذا بعد العودة؟
هذا السؤال يُطرح وفي أحد جزئياته مسألة أن بعض الدول ما زالت رافضة للعودة، علماً أنها قليلة جداً وبما لا يؤثر على اتخاذ قرار العودة، وبالتالي فإنّ هذا الطرح لا يبدو في محله، إذ إن «مسار العودة» سيمضي قدماً لتتخذ سورية دورها الكامل وموقعها على الساحة العربية، وخصوصاً في ظل الارتياح الذي ساد بعد القرار والترحيب الواسع به. هذا من جهة.. ومن جهة أخرى فإن قرار العودة يمكن عدّه باتجاهين، صحيح أنه بالأساس يختص بسورية، ولكن يمكن عدّ أنه قرار باستعادة العرب دورهم على مستوى أنه يكون لهم الدور الأهم والأول في حلّ الأزمات والخلافات وبما يضمن أن تكون الحلول عربية – عربية بعيداً عن التدخلات الخارجية، خصوصاً من دول وقوى تريد فرض شروطها وإملاءاتها، كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي المتواجدة على الأرض السورية كقوة احتلال، وسلب ونهب لخيراتها وثرواتها.
لنلاحظ كيف أن العديد من وسائل الإعلام الأميركية تناولت هذه العودة من باب أنها تراجع وانحسار لنفوذ واشنطن في المنطقة التي بدأت دولها تتخذ سياسات مستقلة تتجاهل المصالح الأميركية/الغربية، حسب ما جاء في صحيفة «وول ستريت جورنال» بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد الماضي والذي اتخذ فيه قرار عودة سورية إلى الجامعة العربية.. وتالياً حضورها مؤتمر القمة العربية المقبل.
الصحيفة الأميركية رأت أن السياسات العربية الجديدة تجاه سورية «وتجاه لمّ الشمل العربي بشكل عام» ستعقّد الجهود الأميركية لإدامة عزل سورية، وستعرقل الضغوط التي تمارسها واشنطن على الدولة السورية «وعلى رأسها العقوبات والحرب الاقتصادية الجائرة التي تشنها منذ أكثر من عقد ضد سورية وشعبها».
إعلام أميركي: العرب يتجاهلون التحفظات الأميركية ويشكلون مساراً خاصاً بهم ويبنون علاقات إستراتيجية مع أقوى خصوم واشنطن
في السياق نفسه كتبت وكالة «بلومبرغ» مؤكدة أن العرب يتجاهلون التحفظات الأميركية على استعادة سورية مقعدها، مشيرة إلى أن الاستعداد المتزايد بين الحلفاء «أي عرب المنطقة خصوصاً الخليجيين» لتشكيل مسار خاص بهم وبناء علاقات إستراتيجية أقوى مع خصوم الولايات المتحدة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك تراجع النفوذ الأميركي، ليس فقط في المنطقة العربية، بل في عموم الإقليم.
وكانت واشنطن أعادت التأكيد مساء أمس أن عقوباتها على سورية ستبقى سارية رغم قرار عودتها للجامعة العربية، مشيرة إلى أنها تتشاور مع شركائها في الشرق الأوسط بشأن هذه المسألة.
*** ***
طبعاً الولايات المتحدة تخشى هذه العودة بمستوييها السياسي والميداني «والاقتصادي على الأكيد»،على المستوى السياسي ستعود سورية أقوى، ستعود لتكون من جديد مفتاح الحل والربط في المنطقة، وهي التي تتموضع في مركزها، لا سلام أو استقرار في المنطقة من دون سورية، ولا ازدهار أوتقدم وتطور من دون سورية، وإذا ما كانت السياسات تتجه بالمنطقة نحو التحالف والتكتل، سواء على مستوى دولها، أو على مستوى هذه الدول والقوى الصاعدة، مثل روسيا والصين، فإن هذا التوجه لا بدّ من أن تكون سورية منطلقه.. عودة سورية إلى الجامعة العربية تعد التحول الإستراتيجي الأكبر الذي يرتبط بأمن واستقرار المنطقة، وخروجها من حالة التبعية والارتهان للإملاءات الأميركية.. ولأن سورية كذلك لابدّ لواشنطن من أن تكون مُعترضة على عودة دمشق إلى العرب، وعلى عودة العرب إلى دمشق.
عودة سورية إلى الجامعة العربية هي التحول الإستراتيجي الأكبر الذي يرتبط بأمن واستقرار المنطقة، وخروجها من حالة التبعية
ولا ننسى هنا انعكاسات هذه العودة الإيجابية المباشرة على الداخل السوري لناحية جعل حالة الانتماء الوطني والقومي في أعلى مستوياتها، ولناحية التفاف السوريين أكثر فأكثر حول قيادتهم وجيشهم، وهي التي تثبت في كل مرحلة، ومع كل تحدٍ، صوابية مواقفها وقراراتها وتوجهاتها، وقوة تموضعها، ومتانة تحالفاتها.
وعلى مستوى الميدان، لا شك في أن هذه العودة ستنعكس بصورة جذرية على الخريطة العسكرية ومعاركها، لناحية العمل بصورة مباشرة وأعمق لعودة الاستقرار والأمان إلى سورية وفرض سيادتها على كل أراضيها، وهذا بطبيعة الحال سينعكس مباشرة على التواجد الاحتلالي الأميركي و«التركي أيضاً. »
وعلى المستوى الاقتصادي، لا بدّ أن ينعكس الانفتاح العربي إيجابياً على الوضع الاقتصادي في سورية، وذلك عندما يتم تفعيل المعاهدات التجارية الموقعة، سواء في إطار مؤسسات الجامعة العربية، أو على المستوى الثنائي، والتي توقفت خلال فترة تجميد عضوية سورية في تشرين الثاني من عام 2011.
من هنا وإن كانت أميركا تبدي الاعتراض والرفض وتعمل على عرقلة التقارب العربي مع سورية فإنها في الوقت نفسه تعمل على «الخطة ب» فإذا لم تنجح في العرقلة، ستسعى إلى محاولة أن تدير هذا التقارب وأن تجيّره لمصلحتها، لكن كثيراً من المراقبين يرون أن تطورات المنطقة تتخذ مساراً أبعد فأبعد عما تريده واشنطن.
*** ***
في الجواب عن السؤال الثاني وهو ما إذا كانت سورية ستحضر القمة العربية في الرياض ممثلة بشخص السيد الرئيس بشار الأسد؟
الجواب مفتوح، حيث لا تصريحات ولا مواقف مُعلنة صدرت حتى الآن من الدولة السورية بهذا الخصوص، علماً أن أغلب الاعتقاد يتركز على أن سورية تتجه لحضور القمة العربية بشخص الرئيس الأسد، وبما يجعل كامل التركيز ينصب في الأيام القليلة المقبلة على كل ما يصدر عن القيادة السورية من إشارات ورسائل.. أو حتى إعلان رسمي فيما يخص المشاركة.
لننتظر ونرَ.. وغداً لناظره قريب، وهذا الغد ليس سوى بضعة أيام.