أميركا وحرب البذور العالمية.. من سورية إلى العراق وروسيا وغيرها
تشرين- أ.د. حيان أحمد سلمان:
تؤكد المعلومات المتوافرة لدينا حالياً أن الإدارة الأميركية تستخدم حرب البذور ضد روسيا انطلاقاً من أوكرانيا لتوجيهها ضد روسيا وأوراسيا ودول أمريكا اللاتينية المتمردة على الإرادة الأميركية في حديقتها الخلفية وبعض الدول الإفريقية وغيرها، كما فعلت في العراق وسورية، وخاصة أن روسيا تعد من أوائل الدول التي حققت اكتفاءها الذاتي من السلع الزراعية وعلى رأسها القمح، ومن أوائل الدول التي تصدر قمحاً إلى دول العالم، وأكدت الدراسات أن أميركا تتلاعب بالجينات الوراثية للبذور لترسلها عن طريق الطيور من مخابر خاصة في أوكرانيا المنقادة من الطغمة الحاكمة في كييف بقيادة فلاديمير زيلنسكي وعصابته الفاشية، وتوجد هذه المخابر الأميركية في مناطق متعددة في أوكرانيا وخاصة جزيرة الأفعى وتوجد مخابر أخرى في دول أوروبية خاصة بولونيا وجورجيا.
أكدت الوقائع والأحداث إن أميركا تحمل المآسي أينما حلت بسبب طابعها الاستعماري وتوجهها لتمركز رأس المال بطابعه الاحتكاري، وأنها تريد تحويل العالم بأكمله إلى حلقة اقتصادية تابعة لاقتصادها، ولا سيما بعد أن زادت التنافسية بينها وبين دول أخرى صاعدة مثل الصين والهند وروسيا وغيرها، ولتحقيق ذلك لا بدّ من إثارة الاضطرابات والتضييق على الشعوب وخاصة في مجال الأمن الغذائي الذي أصبح يُستخدم كوسيلة ضغط اقتصادية لا تقل في خطورتها عن الإرهاب الاقتصادي من عقوبات وحصار، وعن الاحتلال العسكري، والهدف هو تركيع الدول ودفعها للسير في خدمة المخططات الأميركية خاصة من خلال التحكم في العملية الإنتاجية وإعادتها، وآخر أعمال الإجرام الأميركي هو تحويل البذور العالمية إلى ميدان عسكري وخاصة بزور القمح، إضافة إلى المواسم الإستراتيجية ومرتكزات الأمن الغذائي كما فعلت في العراق وسورية وغيرهما، ويتم بتدمير بنوك البذور وأنواع الثروة الحيوانية من خلال التحكم تعديل هذه البذور وراثياً وتسخير شركات أميركية مثل «مونتساكو، كارجيل، سنجينتا، باير» وغيرها للعمل على توليد بذور سيئة ضارة تقضي على الزراعة من خلال تحويل مختبرات البذور والثروة الحيوانية إلى سجون تسيطر عليها القوات الأميركية، وكمثال على ذلك فقد صرّح الحاكم الأميركي للعراق سابقاً بول برايمر سنة 2003 بعد احتلال العراق بقوله «لن نبقي في العراق زرعاً ولا حرثاً».. وكأن أمريكا لا تكتفي بجرائمها الحالية بل تريد أن تخلق مشاكل للمستقبل وأن تزيد الفقراء فقراً والمأساة مآسي، وتحول المشاكل إلى أزمات، ومن ثم إلى كوارث، وخاصة مع تجديد أزمة الأمن الغذائي، حيث تقوم بربط اقتصاديات هذه الدول بعجلة الاقتصاد الأميركي عن طريق التجارة الخارجية من استيراد وصادرات واستنزاف القطع الأجنبي واستمرار الضغوط السياسية مستقبلاً والاقتصادية أيضاً، ومن ثم استغلال حالات الأزمة الاقتصادية ولاسيما عندما تبدو معالم الإفلاس واضحة وترتسم تداعياتها في الأفق الاقتصادي.
أميركا لا تكتفي بتفجير أزمات وحروب حول العالم بل تعمل على تفجير أزمات
وحروب للمستقبل تضمن لها السيطرة والهيمنة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً
وهكذا تبدأ الخطط الأميركية بالإساءة إلى القطاع الزراعي ومن ثم تقليل المساحات المزروعة وتقليل مردودية وحدة المساحة أي «الهكتار» ونعني بالمردودية غلة الهكتار الواحد أي «كمية الإنتاج مقسمة على المساحة المزروعة» وبالتالي استحداث مشكلة بين «العرض الكلي والطلب الإجمالي» واستحداث «فجوة تسويقية» تكون الدولة المعنية مضطرة للاستيراد من الخارج وخاصة من أميركا وبشكل أخص للبذور الهجينة، أما في سورية فمعروف أنها حققت اكتفاءها الذاتي من أغلب المنتجات الزراعية وخاصة «القمح والشوندر والشعير والكثير من أنواع الثروة الحيوانية» وكان يتراوح الإنتاج مثلاً من القمح أكثر من /4/ ملايين طن بنوعيه القاسي واللين، وكان يكفي للاستهلاك المحلي ويصدّر قسماً منه ليدعم الموازنة السنوية، واستطاعت الدولة السورية أن تؤمن أكثر من 75% من احتياجات المزارعين من البذور اللازمة لزراعة أراضيهم، ولهذا سعت القوات الأميركية المحتلة إلى تدمير بنك البذور في حلب ولا ننسى هنا مشروع قانون الرئيس بشار الأسد «الأمان الحيوي للكائنات الحيّة المُعدّلة وراثياً ومنتجاتها» والذي أوعز به إلى وزارة الزراعة.
وفيما يخص البذور السورية والتي تدعى باسم «البذور النواة» فهي بذور نقية من الناحية الوراثية كما لا يُسمح بخلطها مع بذور أخرى أو تعرضها لبيئة مفتوحة أو اختلاطها بأصناف أخرى من النباتات، وتخضع لإشراف دقيق وتتأقلم مع كل أنواع البيئة وتقلبات المناخ، وهي تزرع في مزارع خاصة ويتم التركيز على نقائها الوراثي، وبعد التأكد من سلامتها وجودتها كان يتم توزيعها على المزارعين ببرامج زمنية محددة، وكان بنك حلب للبذور يضم أو يخزّن 141000 عيّنة جينية جاهزة لاستخدامها مستقبلاً، مستقبل المناخ الجاف، وقد استهدفت القوات الأميركية عبر مجموعاتها الإرهابية المسلحة مستودعات البنك بالنهب والسرقة وتدمير وبتحويلها إلى مستودعات للأسلحة والمواد الحربية الأخرى، وتجسدت النتائج السلبية لهذا العمل الإجرامي بتراجع كميات الإنتاج، فقد انخفض من 4 ملايين طن إلى حدود /2/ مليون طن، وبدأ المزارعون يعانون من هذه المأساة، وقد انخفض الإنتاج خلال سنوات الحرب من القمح مثلاً بأكثر من 60% سنوياً ما عرض المزارعين للكثير من التردي في مستوى المعيشة، ومعروف أن سورية كانت من أهم دول العالم في تخزينها لبذور عالمية، ما اضطرها إلى أن تتحول من بلد مصدر إلى بلد مستورد، وخاصة مع التغيّرات المناخية، وكانت سورية قد تحوطت لهذا من خلال إنتاج بذور ملائمة للتغيرات المناخية وخاصة أنها كانت من البذور الممتازة وكانت تخضع لدراسات تطويرية مستمرة وتجارب مختلفة وذات نوعية ومردودية جيدة.
أميركا تريد تحويل العالم إلى حلقة اقتصادية تابعة لاقتصادها بمواجهة التنافسية العالمية
التي بدأت تخسرها لمصلحة قوى صاعدة مثل الصين وروسيا والهند
ورغم الجهود الكبيرة للحكومة السورية بعد طرد الإرهاب والإرهابيين من أغلب الأراضي السورية إلا أن وتيرة الإنتاج لم تعد إلى ما كانت عليه قبل الحرب الإرهابية على سورية، ويمكن القول بشكل عملي إنه ونتيجة الأعمال الإجرامية الأميركية فقد أكد خبراء الزراعة السورية أنه في سنة 2022 لم يبقَ سوى 5 سلالات قمح من أصل 10 سلالات، ومن جهة ثانية انخفض عدد أجناس الفصيلة البقولية التي كان يستخدمها المزارعون السوريون من 23 إلى 11 وعلى الصعيد النباتي انخفض من 27 من السلالات النباتية إلى 14 سلالة، والسلالات الأصلية تحتاج عشرات السنين من الدراسات والتجارب المخبرية والأبحاث العلمية، وهذا سبب قلقاً كبيراً للدولة والمزارعين، ولا سيما أن «القمح البري والبقوليات، والفواكه» هي أساس نظامنا الغذائي السوري.
بدأت هذه السياسة الأميركية والغربية بالانكشاف فعلياً منذ سنة 2014 وتوسعت دائرة الضوء حول أعمالها الإجرامية بالتمهيد لنشوب أزمة غذائية عالمية، وخاصة أن الشركات الاحتكارية الأميركية الغربية – آنفة الذكر- تسعى للسيطرة على بزور العالم، بهدف السيطرة وتحقيق أرباح كبيرة على حساب جوع أغلب شعوب العالم، لتتحول عملية السيطرة على البذور إلى وسيلة لتكريس سيطرة الغرب على العالم وضمان عبوديته للأوامر الأميركية.
اقرأ أيضاً: