لـ«الأذكياءِ» وليس غيرهم
دوماً، الانعطافاتُ الكبرى تتطّلبُ بعضَ الوقتِ، بل المزيدَ منه أحياناً، هذا في قوانين الفيزياء، كما في السلوك البشريّ، وفي العلاقاتِ بين الدول أيضاً، فثمةُ شيء اسمُه «شرطُ الزمن»، لا يقبلُ التجاهلَ، مهما كان إلحاحُ المصالح، وحتى الضرورات.
فما يحدثُ على مستوى علاقة المضمار العربيِّ مع سورية/ الدولة، حافلٌ بالانعطافاتِ التي بدا بعضُها حادّاً بالفعل ولافتاً بجرأته في خرق سياساتٍ تقليديّة تبلورتْ، وتكلّست على خللٍ.
نسلّم بأن إحداثَ التحوّل الذي سيكونُ تاريخيّاً بكلِّ معنى الكلمة، قد يحتاجُ بعضَ الوقت لالتقاط الإشاراتِ العميقة والتسليم بنشوء نظام عالميِّ جديدٍ آخر.. ودعونا نكونُ أكثرَ صراحةً لنتصالحَ مع حقائق «فيزياء العلاقاتِ الدوليّة»، فالخروجُ من العباءة الأميركيّة يحتاجُ بعضَ الوقت، وكثيراً من الجرأة، ومثلها من دقّة الحسابات، وهي حيثياتٌ تحتاجُ رشاقةً وحذاقةً وحكمةً تتفاوتُ بشدّة لدى الحكومات العربيّة في الواقع.
في مجمل المشهدِ، يبدو التسليمُ بالموقف الصائب في اعتبارات السيادة الوطنيّة للدولة السوريّة هو العنوانُ الأبرزُ، سواء تمّ التصريحُ بذلك مباشرةً أو من خلال المبادرات السياسيّة والاقتصاديّة التي «تجبّ ماقبلها» من مجمل قرارات التماهي مع قوانين الحصار والمقاطعة، ولو أن بعض «الأشقاء» أعلوا الصوت سابقاً، وغالوا في تنفيذ إملاءاتٍ بالغةِ القسوة بحقّ بلدٍ شقيق طالما كرّروا،هم أنفسُهم، نعتَه بـ«قلب العروبة النابض».. لكنْ.. لابأس، فالمهمُّ أن تصويبَ السياساتِ باتَ سمةَ المرحلة الراهنة.
في مثلِ هذه المناخاتِ «شبه الجراحيّة» على مستوى المنطقة، وهي اختصارٌ لمجرياتٍ عالميّة واسعة الطيف، يُمسي التعنّتَ على الخطأ محفوفاً بتهمة الحماقة «والتعنتُ حماقةٌ على كلِّ حالٍ»، وإصرارُ بعضهم على ترديد عباراتٍ راجت في ذروة التصعيد ضد سورية، أشبهُ بمحاولاتِ النيل من رجل رصينٍ من خلال دفع أطفال سذّجٍ لقذفه بشتائم لم تقلّل من هيبته وشموخِه.
بعضُهم صمتَ.. والصمتُ توطئةٌ مهمّةٌ لتعديل المسار، أمّا استعراضٌ المواقفِ القديمة فهو مريبٌ وغريبٌ وتعسّفٌ غير محسوبِ النتائج بمصالح الشعوب العربيّة التي سلّمت شأنها لحكوماتٍ ارتبكت في حل معادلات مستجدّة تحتاج عقولاً مرنةً لحلّها، قبل أن يكون تعسّفاً بالعلاقة مع الدولة السوريّة والشعب الذي مازال يحتفظُ لكلِّ ما هو عروبيٌّ أصيلٌ بأطيب وأنبل مكنونات الوجدان الإنسانيِّ.
سورية لم تبادرْ لمقاطعةِ أيّ بلدٍ عربيّ، كما أنها لم تغلقْ أبوابَها في وجه أيّ راغبٍ في العودة، ولم تُحجمْ عن مصافحة مَنْ مدّوا أيديهم للمصافحة مجدّداً.. والأهمُّ أنّها ماضيةٌ في مشروعها الوطنيِّ وإعادة البناء وفق أدبيّات الدولة الوطنيّة بحُزمةِ ثوابت ثبتَ أنّها راسخةٌ بعد امتحانٍ قاسٍ، كانت مدتُه اثني عشر عاماً، وأغلبُ الظنِّ أن مَنْ أصرّوا على «لعب السياسة» كما يلعبون القمار، حيث يلعبون، ولم يحسنوا قراءة مابين أيديهم من معطياتٍ، سيخسرون «لعبةَ السياسة» كما يخسرون عادةَ في لعبة «الشدّة أو الكوتشينة أو الكارطة» وفق التسمياتِ المحليّة في بلدانهم.