الجلاء في ذكراه الـ 77.. قيم بطولية وعبر تاريخية ترسخ معادلة القوة ودحر العدوان والتمسك باستقلال الأرض وسيادة القرار
تشرين: مها سلطان – بارعة جمعة:
تاريخ حافل بالبطولات، كانت باكورة إنجازاته وتأسيسه بشرى جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض سورية بعد ربع قرن من الاحتلال، إنجاز لا يمكن لأحد نكرانه، سطره الأجداد والآباء بدمائهم وتضحياتهم، فكان هذا الجلاء دون قيد أو شرط .
معانٍ عدة حملها أبناء حُماة الديار، ممن حملوا رسالة الجلاء أمانة في أعناقهم، عبر سنوات الحرب الإرهابية على سورية، ليسطروا ملاحم من البطولة جعلت منها ذكرى متوارثة عبرهم للأجيال القادمة، وبكلمات ملؤها الفخر والاعتزاز يتحدث جيشنا عما تحمله الذكرى الـ 77 ليوم الجلاء في مرحلة استثنائية جعلت من هذا اليوم أنموذجاً خاصاً للسوريين.
المحاربون القدماء
هم ذاكرة الجيش العربي السوري، وهم التأكيد على أنه جيش الشعب والوطن، بهذه الكلمات افتتحت العميد الركن المتقاعد عدنه خير بك من رابطة المحاربين حديثها مع «تشرين» عن عمق الفخر والاعتزاز من قبل ضباط الرابطة بالاحتفال بمناسبة جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن في 17 نيسان من كل عام، وهو بمثابة ترسيخ معاني الثبات واستمرارية قيم الجلاء في ضمائرنا وحياتنا، الذي يتجسد في تزيين الساحات وإلقاء الكلمات والقصائد التي تؤكد عظمة المناسبة ودعوة المجاهدين ممن كان لهم ولأسرهم دور في صناعة الجلاء ودعوة قسم من الجرحى للمشاركة بالاحتفال وزيارة قسم منهم.
الجلاء إنجاز لا يمكن لأحد نكرانه سطّره الأجداد بدمائهم فكان دون قيد أو شرط
وتضيف خير بك: هذا الجيش الذي نشأ منذ تأسيسه عام ١٩٤٥ على أنه جيش عربي، وتسلح بعد ثورة 8 آذار المجيدة بعقيدة نضالية على أنه جيش الشعب المؤمن بقضاياه العادلة والموقن بأن «الوطن والشرف والإخلاص» هي غايته النبيلة، وجاءت الحركة التصحيحية لتقوي بنيانه العقائدي وتسلحه ليكون قادراً على الدفاع عن ثرى الوطن ولم تتزعزع ثقته وإيمانه لأن القائد والمؤسس حافظ الأسد طيب الله ثراه كان إيمانه بهذا الجيش الذي جاء من كل بيت سوري مؤمن بالله والوطن والقائد والإيمان الراسخ لا يتزعزع مهما عتت العواصف، أما الحرب الكونية الإرهابية فقد أكدت لصانعيها، رغم تكلفتها الباهظة من أموال وتجييش إعلامي لم يشهد له التاريخ مثيلاً، أن لا قوة على وجه الأرض يمكن لها أن تقتل فينا إرادة النصر وسبيلنا إلى تحقيقه هو الشهادة.
عيد السوريين
حتى بداية الأزمة في سورية نحتفل بعيد الجلاء على امتداد ساحات الوطن، تحتفل سورية كلها بشبابها وشيبها، بنسائها وأطفالها، كيف لا وهو عيد السوريين أجمع؟ كلمات مؤثرة افتتح بها حديثه العميد الركن محمد صالح رئيس فرع المتاحف، واصفاً استمرارية هذا النهج لدى الأبناء والأحفاد، ممن حملوا راية المجاهدين أمثال الشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وحسن الخراط ومريود والأشمر وغيرهم ممن ناضلوا وجاهدوا من أجل سورية وشعبها وأرضها وتاريخها، فسورية اليوم ورغم التآمر الكبير عليها من دول استعمارية ما تزال ذاكرتها التاريخية حاضرة لناحية جرائم المستعمرين وأطماعهم في أرضها وخيراتها.
العميد عدنه خير بك: الجيش منذ تأسيسه عام 1945 على أنه جيش عربي
يناضل بعقيدته وبإيمان مطلق بقضاياه (الوطن والشرف والإخلاص)
هنا يكون الاحتفال بعيد الجلاء يحمل غصّة في القلب، لأن هناك أجزاء من هذا الوطن لا تزال رهينة بيد الدول الاستعمارية «الأمريكية والفرنسية والبريطانية والتركية» والمأجورين عندها من تنظيمات إرهابية وحركات انفصالية رهنت نفسها لهذا المستعمر وارتضت أن تكون أداة رخيصة بيده، من هنا نقول – والحديث للعميد صالح – أنه عندما نحتفل كل عام بذكرى الجلاء فإننا نجدد العهد بأن المستعمر ومن معه سوف يرحل، طال الزمن أم قصر، وأن هدف سورية قيادةً وجيشاً وشعباً هو تحرير كل شبر من أرضها، وما يميز المجتمع السوري هو هذا التنوع الثقافي والحضاري والديني الذي حاولوا العبث به منذ مئات السنين ولم يفلحوا، والآن أيضاً لم يفلحوا ولن ينجحوا، وفي الجلاء القادم سنحتفل وسورية محررة كاملة.
التفاؤل بالمستقبل
«حب الوطن والدفاع عنه والاستعداد الدائم للتضحية في سبيله» أسس ومبادئ ثابتة نشأ عليها الجيش العربي السوري، كما اضطلع منذ نشأته بالعديد من المهام الوطنية والقومية حتى يومنا هذا، يستذكر العميد الركن محمد صالح ما قدمه الجيش من تضحيات عبر مسيرته النضالية منذ الاستقلال حتى الآن، فكان له الدور الحاسم في الكثير من المحطات التي مرت فيها سورية، ابتداءً من العدوان الثلاثي عام 1956 مروراً بثورة 8 آذار 1963 حتى إنجاز التصحيح عام 1970 وانتهاءً بتسطير أروع البطولات والانتصارات التي كانت في حرب تشرين التحريرية عام 1973 وما تلاه من حرب استنزاف والحرب الأهلية في لبنان عام 1982 ودعمه للمقاومة الفلسطينية واللبنانية حتى أنجزت تحرير الجنوب في أيار عام 2000، وغيرها العديد من المواقف المشرفة.
العميد محمد صالح: الاحتفال بعيد الجلاء يحمل غصّة في القلب لأن هناك أجزاء من الوطن
لا تزال رهينة بيد الدول الاستعمارية والمأجورين عندها كالتنظيمات الإرهابية
الآن رغم كل ما دُفع وبُذل من أجل تقسيم الجيش والنيل من قوته وتماسكه فشلوا، لذا كان الهدف الأول للدول المتآمرة الهجوم على ثكناته واستهداف وحداته المقاتلة ومستودعاته وغيرها، بغية إضعافه والتأثير على معنوياته، إلا أن النتيجة كانت العكس، بقي الجيش صامداً متماسكاً ومتمتعاً بحرفية قتالية نادرة، استطاع من خلالها الانتصار على التنظيمات الإرهابية المسلحة وداعميها، وتحرير معظم الأراضي السورية من هؤلاء القتلة المأجورين.
اليوم وبهذه المناسبة الوطنية العظيمة يؤكد العميد الركن محمد صالح مجدداً بأن الجيش أكثر تصميماً وإصراراً على متابعة المهمة، صون الجلاء والذود عن الوطن، مهما غلت التضحيات ومهما كانت الأثمان، فسورية تستحق منا كل التضحيات، ولا سيما بعدما أدرك العالم صوابية وصدقية الموقف السوري من هذه الدول الاستعمارية ومن أدواتها.
صالح: عندما نحتفل كل عام بذكرى الجلاء
فإننا نجدد العهد بأن المستعمر ومن معه سيرحل طال الزمن أم قصر
وما نشهده اليوم من حراك سياسي عربي إقليمي ودولي يصب في مصلحة سورية وشعبها وجيشها، فالجميع أدرك أن سورية على حق وأن جيشها صمام أمانها ومنجز انتصاراتها ويجب دعمها لتبقى واحدة موحدة، ولتأخذ دورها المعهود عربياً وإقليمياً ودولياً.
الوطن يعلو ولا يُعلى عليه
الإيمان المطلق بالدفاع عن الأرض السورية براً وبحراً وجواً، هو العقيدة الوطنية الراسخة للجيش، وحماية الشعب والدفاع عن مصالحه ومكتسباته هي ضمن القَسَم الذي يُقسمه كل مقاتل، قيمٌ ترسخت ضمن حديث العقيد الركن علوة العلي رئيس قسم التوجيه في إدارة القضاء العسكري التي أشادت بقدرة جيشنا الباسل النابعة من إيمانه بالنصر في مواجهة أكثر من ثمانين دولة أرسلت جماعاتها الإرهابية للعبث بجغرافية سورية وتاريخها ولتمرير مشروع إرهابي صهيوني بعيد كل البعد عن ثقافة وتربية الشعب السوري المنفتح والمثقف، الذي لا يليق به إلا الحضارة والتقدم والتطور، فالجيش يبذل الغالي والنفيس في سبيل عزة ومنعة سورية.
أعمال بطولية للجيش تجاوزت حدود الوطن إلى دول شقيقة، لبنان وفلسطين والكويت وغيرها، وما اشتكى بلد عربي إلا وكانت سورية وجيشها بجانبه، فكان خير من حمل الأمانة وصان الوديعة وكان خير خلف لخير سلف، وكان يستقبله الشعب بكل أطيافه بالورود والأرز مع أيقونة شعبية رددها الصغير والكبير وبقيت راسخة في الذاكرة حتى الآن وهي «الله محيي الجيش» أيقونة حمَّلت الجيش مسؤولية مضاعفة فكان خير من حمل هذه المسؤولية.
الوطن يعلو ولا يُعلى عليه هي العقيدة الوطنية الراسخة للجيش
وحماية الشعب والدفاع عنه ضمن القسم الذي يقسمه كل مقاتل
حقق انتصاراً تحدّث عنه العدو قبل الصديق، جاء ضمن حديث العقيد الركن علوة العلي بقولها: مسيرة الجلاء هي مسيرة مستمرة بهمة شعبنا وجيشنا وقيادتنا وعلى رأسها السيد الفريق بشار الأسد، كنا نسمع روايات الأجداد والآباء، أما اليوم فمشاعر الفرح والفخر بالجلاء مضاعفة لأننا شركاء في صنع الانتصارات وفي صنع جلاء جديد كل يوم، وفي كتابة تاريخ جديد لسورية من خلال بطولات شعب صامد وجيش باسل وقيادة حكيمة.
هو ذكرى هزيمة مستعمر فرنسي- منتصر في الحرب العالمية الأولى- عن أرض سورية بعزيمة الآباء والأجداد الذين رفضوا الذل والهوان، وهذا دليل على أن المستعمر لم يتعلم من دروس التاريخ، حيث كل عدو، وكل معتد، وكل غاز، تقهقر على أبواب دمشق، وعجزوا عن طمس هوية بلد عمره أكثر من 7000 عام، هذه الأرض كانت مقبرة العثمانيين والفرنسيين والمغول والتتار.. والآن هي مقبرة للصهاينة والإرهابيين وكل من يحاول تدنيس تراب سورية، يوم يدل على أن المستعمر لا يخرج بالورد والزهور وإنما بالثورات والمقاومة، وهو ما جسدته معركة ميسلون التي استشهد فيها يوسف العظمة، هذه المعاني والدلالات وضعها الجيش نصب عينيه وسار على نهج الآباء والأجداد بإيمان مطلق بالنصر، رغم قلة العتاد والعدد لكن بإرادة القتال وإرادة النضال حتى الشهادة التي كانت حاضرة وموجودة، تحققت الانتصارات على الدوام، وستبقى.
المرأة السورية والجلاء
هي حفيدة عشتار وابنة زنوبيا، إضافة إلى كونها تربي أبناءها على محبة الوطن وغرس قيم التضحية والشهادة في فكرهم لأجل عزة الوطن، تحدثت عنها العميد الركن المتقاعد عدنه خير بك كمقاتلة إلى جانب الرجل، كيف وهي التي ذهبت إلى غرب دمشق لتلاقي غورو الفرنسي في ميسلون مع يوسف العظمة، وهنا الحديث عن السيدة نازك العابد التي قلدت رتبة عميد في الجيش حينها إضافة إلى نشاطها الفكري والاجتماعي، وماري عجمي وزوجة فارس الخوري التي نظمت المظاهرات النسائية ضد الانتداب الفرنسي منذ اللحظة الأولى.
العقيد علوة العلي: الجيش خير من حمل الأمانة وصان الوديعة وكان يستقبله الشعب بكل أطيافه بالورود والأرز وأيقونة شعبية رددها الصغير والكبير (الله محيي الجيش)
أما في مواجهة حرب الـ 12 عاماً، فحملت السلاح إلى جانب الرجل دفاعاً عن الوطن فارتقت شهيدة، عدا عن دورها في تأمين الطعام والشراب في الخطوط الأمامية وتطوع بعضهن لدعم الجرحى وأسر الشهداء، كما كانت مراسلة حربية لنقل الحقيقة وممرضة للطبابة وحارسة للمباني الحكومية ومداخل المدن.
لمشاركتها في عيد الجلاء فرحتان، الأولى كمواطنة والثانية كمقاتلة ضمن صفوف الجيش العربي السوري برزت بقوة في مسيرة العقيد الركن علوة العلي، التي لم توفر أي جهد في اغتنام الفرصة والانضمام لهذه الأسرة المعطاءة الزاخرة بالتضحيات لتثبت بأن الميدان السوري هو رجل وامرأة جنباً إلى جنب، حيث إن الجماعات الإرهابية لم تفرق بين رجل وامرأة أو طفل، بل كان الجميع هدفاً حقيقياً لهم ولقذائف حقدهم وغدرهم.
وتروي العلي مشاعر الفخر والاعتزاز وهي ترتدي البزة العسكرية فتقول: سأكمل مسيرة خولة والخنساء ونازك العابد، التي كانت أول امرأة مقاتلة، سأروي لهم كيف حملتُ البندقية والرشاش، وكيف قُدتُ الدبابة وكم كانت فرحتي وسعادتي كبيرة عندما تحقق الانتصار على هذه الجماعات وتم دحرها، سأتحدث لهم عن مشاعر الفخر الممزوجة بالحزن عندما يستشهد زميل أو زميلة في ساحات القتال، وعن أوقات الحصار المرير وتقاسم لقمة العيش وقطرة الماء، كيف كنا نضمد جراح بعضنا؟..
المرأة السورية حفيدة عشتار وابنة زنوبيا وحملت السلاح
فارتقت شهيدة وأثبتت أن الميدان السوري هو رجل وامرأة جنباً الى جنب
فاليوم كلنا فخر بكل امرأة سورية قاومت المستعمر العثماني والفرنسي وتقاوم منذ 12 عاماً من عمر الحرب الإرهابية على سورية، تقاوم إلى جانب الرجل ومع كل السوريين لتحرير كل شبر من دنس المحتلين ومأجوريهم الإرهابيين، بكل امرأة كانت مسيرة مستمرة من العطاء والفداء، وأخاطب كل امرأة وأقول لها: ثقي بنفسك وبقدراتك وكوني قوية وانطلقي لتحقيق أهدافك، فأنت لا يليق بك إلا النجاح والتفوق والانتصار.
أقرأ أيضاً: