«جورج دبليو بوش» وصَلَ..؟!!
أمّا وأنَّ الأمورَ وصلت إلى حاملات الطائرات، فسيكون على كلِّ متتبّع لإحداثيات الوجود الأميركيِّ في سورية، أن يغيّر زاوية الرؤية واتجاهات الرأي وبواقعيّةٍ، بعيداً عن الإصرارعلى الوقوف فوق منصّات «القصف والرشق الكلاميّ».
فلا نظنّهُ أمراً عاديّاً أن يدفعَ «البنتاغون» بحاملة طائراتٍ للاقتراب من السواحل السوريّة، تحمل اسمَ أحد أسوأ الرؤساء الأميركان حظاً في تجربته مع منطقة «الشرق الأوسط» بعد رشقةِ حذاء «مُنتظر الزيديّ» الذي باتَ أكثر شهرةً من بوش الابن والأب أيضاً.
ربّما علينا ألا نتسرّعَ في تحليل سبب استقدام الحاملة، إن كانت لطمأنةِ الجنود الهلعين من ضربات المقاومة الشعبيّة في الشمال السوري وطمأنة حلفائهم المتوجّسين هناك أيضاً، أم هي رسالةٌ بلكنةٍ روسيّة أو فارسيّة؟؟.
الإجراءُ يشي بأحدِ ثلاثة احتمالاتٍ:
الأول: أن الأميركيَّ عنيدٌ، يرفضُ أن يتعلّمَ من دروسهِ، والعنادُ على الأغلب هو التجلّي الأوضحُ للحماقة، لأنه جرّب، ويعرفُ أن كلَّ حاملاته التي أمّت شواطئ المنطقة قد تمَّ «إجهاضُها» منذ الثمانينيات على زمن الرئيس ريغان.
والثاني: أنَّها محاولةٌ لاستعادة الهيبة بطريقةٍ سعاريّة بعد الضربة الموجِعة التي سدّدتْها المقاومةُ الشعبيّةُ لقواعد «الثيران المحصّنة».
والاحتمالُ الثالثُ أن ثمة قناعةً أميركيّةً بأن المسألةَ السوريّة باتتْ في خواتيم الحلِّ، وتالياً، لابدّ من حضورٍ نوعيٍّ وثقيلٍ حيث دارت رحى حربٍ لا تشبه الحروبَ السابقة، لا بأدواتها ولا بمجرياتها الطويلة.. والأهمُّ أنها مختلفةٌ في المنعطفات الحادّة والمفاجآت الصادمة التي صفعتْ بها مَنْ أداروها.. فقد علّمتنا دروسُ التاريخ أن الأميركيَّ لايتوانى عن الاستنفار حين يأزفُ موعدُ قطفِ الثمار، وهذا الاحتمالُ هو الأرجحُ.
خصوصاً أن التطوّرات المتسارعةَ للأحداثِ تتجاهلُ الأميركيَّ تماماً، سواء فيما يتعلّقُ بالاتفاق السعوديّ- الإيرانيّ برعاية صينيّة، أو من حيث تطورات ما يرشحُ من أروقة محاولات صناعة التقارب السوريِّ- التركيّ والسوريّ– السعوديّ والدور الروسيّ في كلِّ ملفّات المنطقة، وهنا لابدَّ من ربط الاعتداءات الإسرائيليّة المكثّفة على سورية في الأيام الأخيرة بكلِّ ماسبق.
بالفعل، في مجملِ المشهد الإقليميّ والدوليّ ما يقلقُ الأميركانَ، فثمةُ مؤشراتٌ مؤكّدةٌ على ولادةٍ حقيقيّةٍ لنظامٍ عالميٍّ جديدٍ آخر، بعد أن انتقلت عدوى الشيخوخة من أوروبّا العجوز إلى حلف شمال الأطلسيّ؛ بما أن الاصطفافات العالميّة لم تعدْ مرتهنةً لعهود قديمة أقرب إلى «البروتوكول»، بل لحساباتٍ نفعيّةٍ، يتصدُر الاقتصادُ لائحةَ الاعتباراتِ المؤثّرة فيها.
لا نعلمُ بدقةٍ ما يبيّت الأميركانُ للمنطقة، لكننا نعلمُ، ومتيقّنون من أن الأميركيَّ بات مأزوماً لأنه عاد يدفعُ بقوّاته وعتاده إلى مناطق أهدافه، بعد أن كانَ يحاربُ بقوى وجيوش و«عصابات» غيره على مدى عقدين من الزمن، ومتيقنونَ من أنّه الآن مأزومٌ أكثر بانتقاله إلى خيارِ استعراض القوّة عبر الحاملة «جورج دبليو بوش» بكلّ ما تتسعُ له من «أطنان» الارتباك والحماقة.
لعلّه تصعيدُ ما قبلَ حسم التفاهُماتِ الكبرى، وعلى الأرجحِ هو كذلك، تصعيدٌ يحاولُ الأميركيُّ من خلاله الإيحاءَ لمن يلزم بأن يلقوا لشركاته وشركائه ولو «عظمةً» على مائدة توازع الحصص.. سيبقى «رعاةُ البقر» لصوصاً حتى لو ترّجلوا عن خيولهم، وامتطوا حاملاتِ الطائرات، وكانت مطيّتُهم «جورج بوش» هذه المرّة.