نفيرٌّ تنمويٌّ ضدّ أميركا و«إسرائيل»
ليس لـ « الحَرَد» معنى في العرف السياسيِّ، فهو مصطلحٌ ممنوعٌ من الصرف بالمطلق، لذا لن يكون «حَرد» بايدن من نتنياهو من جراء التناحر في « إسرائيل» ذا أثرٍ في مجرياتِ خلافات قومٍ اعتادوا أن يجدوا لفضائحهم مئةَ حفّارٍ وطمّارٍ ولفضائح غيرهم ألف طبّال وزمّار..وبالتأكيد لن يكون «حَرد» الأميركيّ من الإسرائيليّ يوماً بسبب اعتداءات الأمس، ومجمل الاعتداءات المتكررة على سورية، والإصرار على صناعة التوتّر وسدّ آفاق الاستقرار الذي هو شرطُ التنمية والنماء.
لعلّ البعدَ التنمويّ هو البعدُ الأعمقُ لحربنا المديدة مع الإسرائيليّ، فالتنميةُ هي الهدفُ وهي الخلاصُ، بل هي الردُّ على كلّ أشكال الاستهداف الأميركيّ والإسرائيليّ وحتى الإرهابيّ، وهي الاستحقاقُ الذي نسلّم بأننا لا يمكن أن نتفرّغ كلياً لإنجازه، لأننا دوماً في مواجهة «بؤرة الشيطان» مع نتنياهو أو مناهضيه.. لا فرق، فثمةُ استحقاقاتُ حياةٍ لابدّ من إيفائها ما يلزم، لا وقت معها للاستسلام لمن طالما كانوا السببَ في حجب الفرص التنمويّة عن بلدنا.
التنميةُ إذاً هي هاجسُنا اليومَ، وهي المهمّةُ الصعبةُ، لأنها تبدو بأبعادٍ استدراكيّة ومفاعيل رجعيّة لما يزيد على عقدٍ من الزمن، وقبله عقودٌ من المواجهة والاستنزاف.
الأفقُ لم يعد قاتماً، على الرغم من التوتير المتعمّد، بما يسوّغ بقاء أيّ حالة إحباطٍ في دواخلنا، نحنُ السوريينَ، فملامحُ الانفتاح الخارجيّ تتضح ولو ببطء، وهي الفرصةُ التي يجب التقاطُها بحذاقةٍ، وبدايةُ الالتقاط الصحيح هنا، وليس بعيداً عنا، بعد أن نستعيدَ إرادةَ النهوض الحقيقيّ، ونعلنَ «النفيرَ التنمويّ»، ونطوي تجلّيات لوثة الإحباط و الذرائعيّة، ونركنَ الشمّاعات جانباً، لأن الذرائعيّة أخطرُ من «إسرائيل» و أمريكا والإرهاب، والتبلّد والخمول الذهنيّ والإحباط هو المطلوبُ في حصيلة منظومة استهدافنا تاريخيّاً، وليس في العقد الأخير فحسب.
سنزرعُ ونصنعُ.. وإنْ لم نفعلْ، ولذنا بالذرائع، فإننا سنجوعُ، ونعرى.
في حقولنا مَنْ أصروا على الإنتاج بصمتٍ، وكذّبوا كلّ مزاعم الخسارة، في حين آخرون لم ينتجوا إلا «مرثيّاتٍ بغيضةً»، وعطّلوا أهمّ وسيلةَ إنتاجٍ أجمع عليها «ماركس» و«كنز» ومعاصروهما، ولم ينكرها كبارُ مؤسّسي شركات البرمجة والتقانة الذكيّة الراهنة، ولا حتى عارضاتُ الأزياء، فالجميعُ عليه أن يأكل في المحصّلة، والأرضُ هي المصدرُ الأساسُ للغذاء .
كما في مصانعنا مَنْ أبطلوا ادّعاءات الإفلاس التي ألقى بها بيننا مَنْ شدّوا حقائبهم و غادروا .
أوليسَ الاستثمارُ في المخاطر هو خيارُ «المستثمر الشاطر»؟؟ هكذا علّمتنا التجاربُ المشهودةُ في حياة الشعوب والدول التي لم تهنْ، ولم تسترخِ أمام تحدّيات حاقت بها من كل حدبٍ وصوبٍ.
الإرادةُ والإصرارُ هما مفتاح الانتصارِ الحقيقيّ، هذه حقيقةٌ يمسي معها من المريب أن يُكثر مُزارعٌ أو صناعيّ أو «اقتصاديّ» بيننا من الحديث في السياسة، و حتى تتبّع أخبار المشاحنات في برلماناتٍ بعيدةٍ، ويتناسى هواجسَ تنمويّة مفترضة وتحدّيات مصيريّة بكلّ معنى الكلمة.
وأن يبحث آخرُ عن ارتكاساتِ الطقس والمناخ لإضافتها إلى «دوسيه» معوقات عمله ومسوّغات إخفاقاته!!
سورية بلدُ الموارد المتنوّعة، واستثمارُ هذه الموارد يستدعي ورشةَ عملٍ وطنيّة و حالة استنفارٍ تنمويّ لا تستثني مواطناً ولا مسؤولاً تنفيذيّاً واحداً، والأهمُّ أن نعيدَ بناء الذهنيّات التي استحضرت شياطين الشيخوخة المبكّرة.
التنميةُ هي ردّ سورية العقلانيُّ الذي يترقّبه الجميعُ على كلّ من تأبّط بها شراً، وسورية لم تعرفْ الاستسلامَ يوماً، لأنها قويةٌ بشعبها ، فرداً فرداً ، كما هي قويّةٌ بجيشها وقائدها.