ملامح انتصار سياسي وبدايات تعافٍ اقتصادي.. دافعة جديدة للتعاون والتكامل بين سورية وروسيا
تشرين- بارعة جمعة:
استثنائية بتوقيتها، وعظيمة بأثرها، أتت بعد كارثة الزلزال المدمر، وسط حالة من التضامن العربي والدولي، الذي لا بدّ من أن ينعكس بالضرورة سياسياً.
ثلاث ساعات كانت كفيلة لتصويب المسار، ضمن صيغتين، وبمشاركة الوفود وجهاً لوجه، تناولت العلاقات الاستراتيجية والتحولات الجيوسياسية على مستوى العالم، فكانت لقاءات الرئيس بشار الأسد مع وسائل الإعلام الروسية، الأكثر تأثيراً في الأوساط المحلية والدولية، ضمن قراءات لم تخلُ من تحليل الأبعاد، عن مستقبل العلاقات بين البلدين!!
فما الأبعاد الاقتصادية والسياسية التي احتوتها سطور هذه اللقاءات؟!
تزامن الحدث
لا شك في أن اعتماد توقيت الزيارة وشكلها مهمان جداً، كما أن المصادفة التي جاءت مواكبة للذكرى السنوية للحرب المفروضة على سورية، وما حملته من مشاهد لدول جاءت لمساعدة دمشق على جميع الصعد لها دلالاتها الكبيرة، ضمن رسالة مهمة مفادها أن سورية تجاوزت الأزمة السياسية التي خلّفتها الحرب المفروضة عليها وفق رؤية الصحفي المختص بالشأن السياسي إبراهيم شير، يرافق ذلك عودة الزيارات الرسمية للرئيس الأسد للدول، والتي تستمر عدة أيام للحديث بعدة ملفات، سواء السياسية أو العسكرية وصولاً للاقتصادية.
شير: توقيت الزيارة وشكلها مهمان للغاية ضمن رسالة
مفادها بأن سورية تجاوزت الأزمة السياسية التي خلّفتها الحرب
الاجتماع الرباعي «السوري – الروسي – الإيراني – التركي» الذي كان من المقرر أن تستضيفه موسكو يحمل أهمية التوقيت أيضاً، لما لدى دمشق من تحفظات على سير الاجتماع في رأي شير، أمام عدم وفاء أنقرة بوعودها سابقاً، عندما مُنحت فرصة في اجتماع وزراء الدفاع، وقدمت مطالبها ولم تنفذها حتى الآن، المتمثلة أولاً بوقف دعم الجماعات الإرهابية المسلحة وإعطاء جدول رسمي للانسحاب التركي من الأراضي السورية وفتح الطرق الدولية، والتي لم تلتزم بها حتى اليوم، وبالتالي كان من الواجب الاجتماع مع القيادة الروسية لأخذ ضمانات، لقيام أنقرة بهذه الخطوات، ووضعها بصورة الوضع في سورية، وما تريده دمشق من هذه الاجتماعات.
شفافية الحوار
اللقاءات كانت واضحة، نقلت الوضع في سورية وما حولها بصورة دقيقة، كما كان من الضروري معرفة ما يجري سياسياً نحو سورية، خاصة من جهة السعودية وفق شير، ومن يتابع لقاءات السيد الرئيس وكلماته يعلم أنه شخص صريح لأبعد حد، وواضح جداً، كما أن تصريحاته ليّنة سياسياً مع الرياض، وهنا نستنتج أن الأجواء إيجابية بين الطرفين، ويمكننا أن نستشف من التصريحات أن هناك طرحين للحوار مع سورية، الأول تركي، ودمشق لديها تحفظات على سيره، والثاني سعودي، والذي يبدو أنه أكثر قبولاً لدى القيادة السورية ومتحمسة له أيضاً، والذي في رأي شير يعود لما تتمتع به الرياض من قوة اقتصادية وسياسية وقدرة على الضغط في أروقة البيت الأبيض، وهو ما تريده دمشق الآن.
تصويب المسار
“إن كان لدى روسيا رغبة في توسيع قواعدها أو زيادة عددها في سورية، فهذه مسألة فنية أو لوجستية، ونحن نعتقد أن توسيع الوجود الروسي في سورية أمر جيد”، هذا ما أكده الرئيس الأسد في حديثه مع وكالتي «نوفوستي» و«سبوتنيك» وقناة «روسيا اليوم» أي توسيع لطبيعة التحالف والعلاقات الاستراتيجية الروسية السورية، لتشمل الأبعاد الاقتصادية والتنموية في رأي المحلل السياسي حسين الموسوي، عبر عشرات الاتفاقات المزمع توقيعها بين الجانبين، ما جعل منها نوعاً من إخراج العلاقات من بعدها العسكري والأمني إلى المدى الأشمل، الذي يضع الأولويات المعيشية السورية جنباً الى جنب مع الأهداف الاستراتيجية المشتركة.
الموسوي: يمتلك الرئيس الأسد من المصداقية والتجربة
والحنكة ما يؤهله للتأثير على بوتين والسياسات الروسية
فالأولويات والخيارات السورية باتت عاملاً مؤثراً في السياسات والدبلوماسية الروسية، بما يتعلق بسورية، ولم تعد تُرسم التسويات والمبادرات من دون الأخذ بالحسبان الأولويات الوطنية والسياسية للدولة السورية.
أما عن لقائه مع أردوغان فيعود الرئيس الأسد ليؤكد: «هذا يرتبط بالوصول إلى مرحلة تكون فيها تركيا جاهزة بشكل واضح ومن دون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية» هي مقاربة للتطبيع مع تركيا وتثبيت لموقف الدولة السورية المبدئي بقبول الانخراط مع تركيا، ولكن وفقاً لجدول أعمال واضح وفق تحليل الموسوي، يكون الانسحاب التركي من الأراضي السورية عموده الفقري، ورفض أي خطوات سياسية قبل تقديم ضمانات تركية بوساطة الحليفين الروسي والإيراني، رغم ضغوط الحلفاء خلال العام الماضي، كي تقبل سورية بالتفاوض مع تركيا والانفتاح السياسي عليها من دون شروط تقريباً.
بُعد اقتصادي
“اجتماع اللجنة المشتركة ركز هذه المرة على نقاط محددة، وتحديداً على المشاريع الاستثمارية التي تصل إلى 40 مشروعاً في مجالات الطاقة” صيغة من الحوار ركزت على مستقبل الاقتصاد لبلدين تقاسما فاتورة الحرب العسكرية، بدت واضحة في لقاء الرئيس الأسد، الذي ثبّت لنفسه ولسورية دور الشريك المؤثر في التوازنات الدولية حسب توصيف الموسوي، عبر توسيع مفهوم الوجود العسكري في سورية من دوره التكتيكي في مواجهة الإرهاب، إلى الدور الجيوسياسي المرتبط بالتوازن الدولي والعالم الجديد، الآخذ بالتشكل مع نهاية الأحادية القطبية والدخول لمرحلة التعددية في مراكز القوى الدولية.
تصريحات الرئيس في موسكو وعلى مقربة من الكرملين ولوسائل
إعلام روسية يجعلها أشبه ببيانات رسمية وبعيدة عن الخطابات السياسية
ما صدر من تصريحات في موسكو وعلى مقربة من الكرملين يجعل منها أشبه بالبيانات الرسمية وبعيدة عن الخطابات السياسية، خاصة ما يرتبط بالنقاشات بين الرئيسين، التي تجاوزت البعد الثنائي إلى الأبعاد الإقليمية والدولية أيضاً، وما يمتلكه الرئيس الأسد من المصداقية والتجربة والحنكة يؤهله للتأثير على الرئيس بوتين والسياسات الروسية في رأي الموسوي، وقد نلاحظ ذلك من التغيير في طبيعة قواعد الاشتباك مع كيان الاحتلال، وفي الملفات المعيشية والاقتصادية، فليس مقبولاً أن ننتصر عسكرياً ونهزم بالاقتصاد، والاحتياجات الأساسية للشعب السوري قد تكون أهم فكرة ثبتها الرئيس الأسد خلال مباحثاته مع بوتين.
اقرأ أيضاً: