الرئيس الأسد في زياراته وإطلالاته الإعلامية.. تعزيز معادلة «الأهمية الاقتصادية» لتطويع السياسات خدمة للسلام
سورية نحو تثبيت حلفاء اقتصاديين لمرحلة البناء وإعادة الإعمار
تشرين – مها سلطان:
بدت غاية في الأهمية زيارات الرئيس بشار الأسد، التي تندرج ضمن خريطة يعتمدها لملاقاة الانفتاح العربي- في منتصف الطريق- إذا جاز لنا التعبير، تأكيداً على أن سورية تتوازى وتتساوق مع كل جهد عربي يعزز من العمل العربي المشترك.. وإذا كانت الإمارات توصف بأنها هي من يهندس مسار العودة العربية إلى دمشق فإنّ العراق هو من يُهندس مسار العودة بين سورية والسعودية، وصولاً إلى اكتمال دائرة الانفتاح العربي قبيل القمة العربية المقبلة في السعودية.. والسعودية تريد لـ«قمَّتها» أن تكون محطة فارقة، بارزة، جامعة.
ربما ثمة دول عربية أخرى ستكون محطات جديدة وعلى موعد مع مصافحة سورية دافئة.. فالمسعى واحد والهدف واحد، وإذا ما أضفنا الإقليم ككل إلى خريطة الانفتاح العربي، فإنّ لسورية، في المرحلة المقبلة، حديثين: قديم جديد، أو يتجدد، وهو معروف للجميع، وحديث جديد قد لا يشذ -عملياً- عن ذلك «القديم الجديد» لكنه أكثر ثباتاً وقوة، وأبلغ كلاماً، وأدق في المعنى والمغزى لكل المعنيين بالأمر القريبين منهم والبعيدين.. وكما اصطف المحللون والمراقبون أمام الشاشات لتسجيل قراءاتهم لمقابلات الرئيس الأسد مع وسائل الإعلام الروسية، خلال زيارته لروسيا الأسبوع الماضي، فإنهم في الأيام المقبلة سيواصلون الاصطفاف لتسجيل قراءاتهم لكل تحرك سوري، ولكل فعل أو حدث متعلق بسورية، عربياً أو في الإقليم انطلاقاً من تلك المعادلات التي رسمها الرئيس الأسد في مقابلاته مع وسائل الإعلام الروسية، إذ إن زيارته لروسيا – بحسب إجماع القراءات – تشكل نقطة بداية لـ«سورية جديدة».. ولأنها كذلك لا بدّ من العودة إليها وإلى كل ما قاله الرئيس الأسد، تصريحات ومقابلات، لفهم التطورات، أو لنقل معرفة وفهم الموقف السوري تجاه «المعروض» عربياً وإقليمياً ودولياً وأي اتجاهات ستكون الأبرز والأهم، وربما الأخطر في المرحلة المقبلة.. ونحن هنا نتحدث سياسة واقتصاداً، فكما أن الهدف هو تثبيت حلفاء سياسيين/عسكريين لسورية، فإنّ الهدف الآخر الذي لا يقلّ أهمية هو تثبيت حلفاء اقتصاديين لسورية.
كل كلمة تأتي في محلها تماماً.. الدقة والتحديد في استخدام المفردة
والمصطلح لتكون اللغة معنا وليس ضدنا ولتخدم الوطن وليس أعداءه
السمة الأساسية في مجمل المقابلات واللقاءات التي يُجريها الرئيس الأسد مع وسائل الإعلام، على اختلافها، هي الدقة والتحديد.. التصحيح والتصويب والتوضيح؛ الدقة في اختيار المفردة والمصطلح، والتحديد في المعنى والمضمون لناحية المواقف التي تتخذها الدولة السورية.. تصحيح المصطلحات القائمة وتوضيحها وتصويبها بمصطلحات هي الأصح والأوضح، مصطلحات تعمل معنا وليس ضدنا، مصطلحات تخدمنا ولا تخدم أعداءنا، لذلك ربما لا يجد المحللون والمراقبون صعوبة كبيرة في قراءة المقابلات واللقاءات الإعلامية التي يُجريها الرئيس الأسد، لأن كل كلمة تأتي في محلها تماماً، وكل موقف أو تطور يأتي في سياقه الواضح منذ البداية، خصوصاً في القضايا السياسية التي هي بمجملها ترتبط بالمبادئ الوطنية الأساسية ومرتكزات الدولة السورية، في السيادة والقرار المستقل وتحقيق الأمن والاستقرار، والتطلع إلى تدعيم أركان القوة بصورة مستمرة وفق متطلبات وتحديات كل مرحلة.
لذلك دوماً كان الرئيس الأسد واضحاً، محدداً، ودقيقاً، عندما يكون السؤال متعلقاً بتركيا وتواجدها الاحتلالي في سورية، وعندما يكون متعلقاً باستحقاقات مسار التقارب معها، وعندما يكون هذا التقارب هو قرار سوري وطني سيادي بالدرجة الأولى، لا مراعاة فيه، ولا مسايرة، فإنّ الموقف المعلن هو نفسه ثابت لا يتغير بغض النظر عن المكان الذي يُطلق منه، أو الزمان وسياقاته وما يُقال عن إنه في بعض المنعطفات لا بدّ من بعض التحايل والمناورة. الرئيس الأسد يؤكد في كل مرة أن الوطن ليس محل أخذ ورد أو مناورات، الوطن وطن هذه ثابتة.. ونقطة من أول السطر.
كان السؤال حول تركيا مشتركاً لوسائل الإعلام الروسية التي التقى الرئيس الأسد معها «سبوتنيك، روسيا اليوم، روسيا-1» وفي وقت كان فيه الوفد التركي قد وصل إلى موسكو استعداداً لـ «اللقاء الرباعي» على مستوى معاوني وزراء الخارجية، والذي سبق أن أعلنت عنه تركيا «فقط» قبيل زيارة الرئيس الأسد إلى روسيا وحددته يومي 15 و 16 آذار الجاري، ليأتي متزامناً مع الزيارة، لتضطر بعدها تركيا مرغمة إلى الإعلان عن تأجيل الاجتماع إلى أجل غير مسمى.
وطبعاً كان ذلك لافتاً ودليلاً مباشراً على أن الكلمة الأخيرة هي لسورية، وغير خافٍ أن العلاقات السورية- التركية كانت ملفاً متقدماً على طاولة المباحثات بين الرئيس الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. وعليه كان الجواب نفسه من الرئيس الأسد عن السؤال المتعلق بتركيا «تركيا دولة محتلة وهنا تكمن أهمية دور روسيا باعتبارها على علاقة مع الطرف التركي وعلى علاقة جيدة مع الطرف السوري، ونحن نثق بالطرف الروسي ليلعب دور الوسيط ولكن ضمن الأسس التي تستند إليها السياسة الروسية وهي احترام القانون واحترام سيادة الدول ونبذ الإرهاب ووحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة السورية على كل أراضيها وخروج القوات الأجنبية غير الشرعية من الأراضي السورية».
ويجدد الرئيس الأسد أن الدولة السورية «لا تترك أي فرصة تمر من دون أن تجربها، فربما تكون – على الرغم من الأمل الضعيف جداً- ربما يكون فيها الحل».
أما اللقاء مع أردوغان فهو مرتبط «بالوصول إلى مرحلة تكون فيها تركيا جاهزة بشكل واضح ومن دون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الإرهاب وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب على سورية».
بالنسبة لسورية لا بدّ أن يكون هناك جدول أعمال واضح، زمني وعملي، وليس كما يقترح المحتل التركي «أن يتم اللقاء الرباعي بلا أي شروط وألّا تكون هناك أي توقعات، إذاً ما الهدف من اللقاء ولماذا نذهب؟» إلى اللقاء.. «لنلتقط الصور؟».
ويضيف الرئيس الأسد بأن السياسة الروسية سياسة واقعية ولأنها كذلك فهي لم تقدم ضمانات حول التزامات تركيا تجاه سورية «لا أحد يستطيع أن يضمن أردوغان لعدة أيام..»..«لا يوجد شيء اسمه التزام، كله تكتيكات قصيرة الأمد تحقق أهدافاً تركية وليس سورية، لذلك لم يقدم الروسي ضمانات».
الإمساك بزمام الأسئلة لإدارة الأجوبة وتوجيهها نحو ما تريد
الدولة السورية تظهيره من مواقف.. ومن ردود مسبقة
معظم الأسئلة بالمجمل كانت متوقعة، ومنها العلاقة مع السعودية، والاتفاق السعودي الإيراني، والقمة العربية المقبلة، وعطفاً.. وبما أننا نمر بمرحلة «مفاجآت» على صعيد السياسات والتقارب بين الدول، ماذا عن إمكانية اللقاء بين الرئيس الأسد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «الذي يمكن أن يقلب الكثير من المعادلات».. كان هذا السؤال هو الأبرز الموجه للرئيس الأسد على خلفية تطورات مسار الانفتاح العربي على دمشق، حيث إن استئناف العلاقات السورية السعودية سيأتي تتويجاً له.
الرئيس الأسد عدّ أن مسألة اللقاء هي «موضوع آخر» في إشارة – من نوع ما- إلى أن بعض القضايا من السابق للأوان الحديث عنها، لكن العلاقة مع السعودية تتخذ مسارات إيجابية كما يبدو، وأن الاتفاق السعودي الإيراني يصبُّ بصورة مفيدة خصوصاً لناحية التوقيت «التوقيت كان جيداً» يقول الرئيس الأسد مستطرداً: «لم تعد الساحة السورية مكان صراع إيراني- سعودي كما كانت في بعض المراحل من قبل بعض الجهات»..«السياسة السعودية أخذت منحى مختلفاً تجاه سورية منذ سنوات.. أما الحديث عن علاقة سورية إيرانية يجب أن تنقطع فهذا الموضوع لم يعد مُثاراً مع سورية» والأهم بحسب الرئيس الأسد أن هناك «تفهماً» لطبيعة العلاقة السورية – الإيرانية وأن «هناك نوعاً من الوفاء عمره أربعة عقود فإن لم نكن أوفياء لأصدقائنا فكيف نكون أوفياء للأصدقاء الآخرين أو حتى للإخوة».
الأمر نفسه بالنسبة للعلاقات العربية والتي يجملها الرئيس الأسد بتأكيد أن ما تريده سورية هو بناء جيد للعلاقات، وأن تكون عودتها إلى الجامعة العربية «قيمة مضافة».. «لا أن تكون ساحة لتصفية الحسابات..».. لا يجوز أن تكون هذه العودة عنواناً للانقسام، بل عنواناً للتوافق، لا بدّ من تحقيق ذلك قبل العودة، لذلك «لا أعتقد بأن الظرف الآن مواتٍ لهذه العودة».
الكلمة لسورية في كل قضية تتعلق بالوطن..
والثقة بالوسيط الروسي مبنية على احترامه وحدة سورية وسيادة الدولة السورية على كل أراضيها
باعتقاد المراقبين كان من بين القضايا الأكثر أهمية هو حديث الرئيس الأسد عن العلاقات مع روسيا، ومع الرئيس بوتين تحديداً، واستباقه أي جدل حول التعاون العسكري السوري الروسي، والمدى الذي يمكن أن يصله في المرحلة المقبلة، خصوصاً على مستوى القواعد العسكرية الروسية في سورية.
ويؤكد الرئيس الأسد أنها علاقة تتسم بالوضوح والصراحة «باللغة الخاصة وباللغة المُعلنة» وعندما يكون هناك رضا شعبي فإنّ العلاقة تكون أكثر استقراراً، ولا يخفى أن روسيا والرئيس بوتين يحظيان بكثير من الثقة والتقدير والاحترام بين السوريين.
أما ما يخص القواعد العسكرية الروسية وتوسيعها وتسليحها أو تعزيزها بقواعد أخرى، فإنّ الرئيس الأسد يرى في ذلك «أمراً جيداً.. وقد يكون ضرورياً في المستقبل» لأن النظرة إلى القواعد العسكرية « يجب ألّا ترتبط بموضوع مكافحة الإرهاب» فهو أمر قائم حالياً لكنه مؤقت. «نحن نتحدث عن توازن دولي، وجود روسيا في سورية له أهمية مرتبطة بتوازن القوى في العالم».. وإذا كانت روسيا ستبني قواعد «فليس الهدف أن تكون قواعد ضعيفة من الناحية العسكرية.. يفترض أن يكون لها تأثير بالردع أو بالتوازن.. أن تسلح بأفضل الأسلحة هذا هو الشيء الطبيعي والمنطقي».
هذا الجانب من مقابلات الرئيس الأسد قرأه المراقبون من باب تثبيت روسيا كحليف عسكري دائم لسورية، وليس كحليف سياسي فقط، وهو أمر انسحب أيضاً على الجانب الاقتصادي، باتجاه تثبيت روسيا كحليف اقتصادي أيضاً.. وإذا ما أردنا قراءة الزيارة بصورة أوضح وأهم فهي كانت زيارة اقتصادية بالدرجة الأولى، فما تحتاجه سورية في المرحلة المقبلة، مرحلة البناء وإعادة الإعمار، وخصوصاً بعد كارثة الزلزال التي أصابتها في السادس من شباط الماضي.. ما تحتاجه سورية هو حلفاء اقتصاديون، وهو ما ركز عليه الرئيس الأسد الذي رافقه وفد حكومي كبير في زيارته لروسيا، معتبراً أن هذه الزيارة هي «مفصل جديد بالنسبة للعلاقة» السورية الروسية، متحدثاً عن اتفاقية تضم 40 مشروعاً استثمارياً في مجالات الطاقة والنقل والإسكان والصناعة.. ومؤكداً أن «الملفات الاقتصادية التي طرحت كانت هي الأوسع والأشمل والأكثر تحديداً».. والأهم أن توقيت الزيارة برأي الرئيس الأسد والتي كانت مقررة قبل كارثة الزلزال، هو توقيت «مناسب جداً» يتصادف مع تطورات سياسية بارزة ومهمة سواء في الملف التركي أو على المستوى العربي والإقليمي أو على المستوى الدولي.
وتأتي أهمية تثبيت التعاون الاقتصادي مع روسيا كأحد أهم الملفات في ظل استمرار الحصار الأميركي/ الغربي الجائر على سورية، وحيث إن الولايات المتحدة لا تبدي أي استجابة أو نية لرفع هذا الحصار الذي استمر حتى مع كارثة الزلزال، من دون أن تفعل أميركا شيئاً سوى ممارسة الكذب على سورية والمجتمع الدولي عبر كذبة تخفيف الحصار.. وهذا يتفق تماماً مع مجمل السياسات الغربية المبنية على الكذب في كل شيء وتجاه كل الملفات «إن لم تكذب اليوم فلن تكون غربياً».. «وإن لم تكن عميلاً للغرب فأنت لست ديمقراطياً»… وهكذا.
تجيير المصادفات لمصلحة التوقيت الأنسب لتعزيز التحالفات
وتوجيه الرسائل وتحديد الخيارات السياسية والاقتصادية
من هنا فإن توجه سورية للمرحلة المقبلة ينطلق من تثبيت حلفاء على جبهتي السياسة والاقتصاد، وهذا أمر ينسحب على الإقليم وعلى المستوى العربي، فإذا كانت السياسة سابقة باعتبارها هي من يجمع أولاً، فلا بدّ أن يلحق بها الاقتصاد، علماً أنه في عصرنا الحالي انقلبت المعادلة ليكون الاقتصاد سابقاً على السياسة مستقطباً لها، راسماً صورة تحالفات دولية من نوع مختلف، أقوى وأوثق، ولنا في الصين خير مثال.. سورية اليوم تحاول الانطلاق من هنا لتثبيت ما يمكن تسميته «معادلة الأهمية الاقتصادية» بمعنى سورية كموقع وجغرافيا اقتصادية وبما يستقطب جهوداً سياسية أكثر قوة وفاعلية وحسماً، على طريق إنهاء الحرب وتحقيق السلام.
أقرأ أيضاً: