على هامش الاتفاق الإيراني – السعودي.. قليل من التفاؤل لدرء الكآبة السياسية
تشرين-إدريس هاني:
لم يكد يكمل الطرفان المعنيان بتطبيع علاقتهما آخر جملة من الاتفاق، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع كلاً من طهران والرياض برعاية بكين، حتى سالت أودية من المقالات وهدير من التعليقات، يكاد تجمع بينها الدّهشة والمفاجأة، لا يتعلق الأمر بمن قوّضت ملحمة الدعاية ملكة الإمكان لديهم، بل حتى من كانوا بالأمس القريب يصبّون على الرأي العام جام استشرافاتهم البلهاء، كانوا هم أيضاً في وضعية مثيرة للشّفقة، اتفاق كهذا قذف بكل هذا التراث من العماء السياسي في البحر، كما أنّ «الباراديغم » القديم لم يعد قادراً على الاضطلاع بمهمة تفسير ما جرى وما سيجري بعد أن حققت الجغرافيا غوايتها وخذلت طوابير من أشباه المحللين السياسيين، ولا يخفى ما تفرضه محنة البحث عن باراديغم جديد لتفسير ما سيحدث بعد الاتفاق من صعوبات، فضلاً عن أنّ البيئة الإقليمية عاشت على سبيل اختبار النفوذ والقوة، وهي اليوم في موسم حصاد.
عن هذه الغرابة نفسها يتحدّث رضوان السيد، أحد الذين راهنوا على أبديّة القطيعة بين إيران والخليج، ولم يحضر لديه عنصر الإمكان قطّ، فكانت الأبدية التي شكّلت فرصة لمسلسل طويل من الانتهازية ولعبة التأثير وتعزيز الكآبة السياسية، هذا فيما لو استفتى مكنته العلمية السابقة.
ولا بأس أن نبدأ بالمواقف والقراءات التبسيطية للحدث، والتي استندت إلى القابلية للمقاربة التهويلية التي سادت خلال السنوات السابقة، يتحدث رضوان السيد عن المفاجأة: «فوجئ الجميع بالاتفاق السعودي – الإيراني على استعادة العلاقات الدبلوماسية خلال شهرين، وفي النص المعلَن من بكين، ليس هناك الكثير ممّا يمكن معرفته».
يصعب على المحلل بالكيد والتّمني أن يقرأ الحدث خارج إلحاحية الصورة النمطية، هناك في نظر الطابور الخامس للرجعية رؤية مشتركة، هي أن الخوف سرّع بقبول الاتفاق، يقولون الخوف في مقاربة إسقاطية تضليلية، حيث الخوف إن كان هو العنصر التفسيري للرضوخ للاتفاق، فكان أولى تحريك ورقة التطبيع مع الغرب بتنازلات يسيرة، تعزز الدور التقليدي لإيران كجندرمة للمنطقة، لماذا يا ترى نستحضر التاريخ فقط في القراءة الطائفية ولا نستحضره في القراءة الجيو استراتيجية؟ يقول رضوان: «ثمّ أخيراً وليس آخراً الثوران الداخلي في إيران خلال الأشهُر الأخيرة من كلّ الفئات، الذي تخلّلته إعدامات كثيرة في أوساط الناشطين البلوش والأكراد، وإذا كانوا قد وجدوا للحوادث الغامضة بالداخل «شبكة» جواسيس إسرائيلية تنفّذها، فإنّهم لم يجدوا حتى الآن «الشبكة» التي تسمّم بنات المدارس».
يستمر التضليل والكآبة والمقاربات التي تضعنا أمام أسطورة الغيلان، والأغرب أن نتحدّث كما لو أنّ البيئة العربية هي بيئة حوريّات البحر.
يتساءل رضوان السيد: إذا لم تستفد المملكة العربية السعودية فلِمَ أقبلت على الاتفاق، لكنه سيتساءل كيدياً: أن السؤال ليس «لماذا أقبلت المملكة على عقد اتفاق؟»، بل: «لماذا أقبلت إيران؟»، ليعود إلى غواية ما قبل الاتفاق:
«فالمملكة تريد السلام وأمن الحدود وإنهاء الكارثة اليمنية التي تسبّبت بعشرات آلاف القتلى، وبعشرين مليون جائع وملايين المهجّرين، أمّا إيران فإنّها تسعى دائماً إلى الغَلَبة والتطييف وتخريب البلدان والأوطان العربية على وجه الخصوص».
تكرر مفهوم الخوف والذعر في قراءة الحدث، لينهيها بعبارة النية الحسنة، رضوان يتساءل عن الصّدق الإيراني: «إذا كان الإيرانيون صادقين هذه المرّة فسيرتاح اليمنيون والسوريون واللبنانيون».
يصعب التقاط الحقيقة من ثنايا التحليل، حين يصعب عليه تجاوز الحسابات الكيدية، أو المقاربات التي تنهال من الباراديغم القديم، الذي تقتضيه مهنة المثقف العضوي في شبكة المصالح، كأنّ الأزمة السورية هي صناعة إيرانية وليست سليلة مؤامرة عربية وغربية.
الثوابت الديماغوجية نفسها نجدها في تغريدة لتركي الحمد، فيها تأثير على المستقبل من خلال نشر الكآبة: «يا ترى، هل يمكن التنبؤ بالسلوك السياسي الإيراني القادم بعد الاتفاقية مع السعودية؟ هل سيكون عقلانياً، كما يفترض، أم إن أساطير الهيمنة الإمبراطورية الفارسية، والتمهيد لعودة المهدي المنتظر، سوف تتغلب على تلك العقلانية، التي قد تتحول إلى مجرد فرصة أو هدنة لالتقاط الأنفاس؟ حقيقة لا يمكن التنبؤ بذلك في ظل تعدد مراكز اتخاذ القرار السياسي في الداخل الإيراني، وفي ظل تردي الأوضاع في ذلك الداخل».
إذا كانت المفاوضات تحتاج إلى كثير من التفاؤل، فإنّ الطابور الخامس أو المحلل السياسي المندمج في شبكة المصالح، يدافع عن زمن التّوتر، لأنّه يخشى، ووحده يخشى من تحوّلات الجغرافيا السياسية من تحت هذه الألسن المصمّمة على جدل التهويل والتهوين، ولا شكّ بأنّ هذا الخدم السياسوي لا يستطيع أن ينتقد الموقف السعودي، لكنه يعبر عن عُسر الفطام.
يتحدث تركي الحمد بقياس فاسد عن تعدد المشارب الأيديولوجية في اتخاذ القرار داخل طهران، ويخلط بين أعراف الناس وثقافتها وبين السياسة، لصالح قراءة طائفية كئيبة، ثم مع ذلك يتحدث عن العقلانية، يتحدث عن ضرورة انتظار ما سيسفر عنه الاتفاق، ومثل هذا تكرر عند طابور الكآبة، لأنّه يجهل أنّ الاتفاق المعلن هو محطة أخيرة وليس البداية.
ليس بعيداً عن هذه الحرفة لطابور الكآبة والبلطجة والاستخفاف بالعقول، ما سنجده عند كاتب محترف في التجديف، من ذات شبكة المصالح للمسمى خير الله (2)، حين اختزل مسيرة اتفاق بين طهران والرياض في خوف طهران من عملية عسكرية، وعبر هذا التبسيط تتم إعادة إنتاج الكآبة الطائفية التي ينضح بها هذا الهراء، ولاسيما حين يتحدث عن القنبلة النووية الشيعية بوقاحة طائفية، مقرف تماماً أن نقرأ السياسة بعلم الكلام، الطريقة السهلة التي اتبعها طابور التضليل، ومتى- منذ أكثر من أربعين عاماً- كانت طهران خارج هذا التوقع؟ ولماذا تأخرت تلك الضربة؟ ومن يخشى ممن؟ هل تنتظر من هذا النمط أن يقدم قراءة علمية خارج تكرار الهواجس المرضية للتحليل السياسي الاصطفافي الذي نشر العماء والعدمية، ورهن العقل السياسي العربي لهذا التكرار؟ كيف نقرأ المستقبل ونحن غرقى في معجم طائفي بليد تمنحه سياسات التمكين قواماً عقلانياً؟ من له مصلحة في استمرار الأزمة؟ حتماً وجد في التقارب بين طهران والرياض نهاية التّبضّع الطائفي، يقول خير الله (2): «كان لافتاً توقيع البيان الثلاثي السعودي – الصيني – الإيراني في بكين في وقت بدأ النظام في ايران يشعر بمخاطر حقيقية تتهدده»، ومثل هذه القراءات يمكن توقعها، لجهلهم بالمعطيات، وجمود أدوات التحليل، والخوف من انسداد سوق الشغل أمام طابور التجديف، ومثل غيره يستحضر ما سماها الثورة الشعبية في إيران، وهي مقاربات بالتمني، علماً أنّ الطابور المحترف لهذا التجديف القرائي، هو ضدّ حركات التحرر، وباحث في التحليل السياسي عن الحظوات لا عن الحقائق، مثال المثقف أو الإكليري الخائن عند بندر، ومثال لانهيار النخبة وتردّي وضعية المثقف، يتحدث بوق الرجعية عن المعضلة الحضارية: «في أساس الثورة الشعبية، التي تقودها المرأة، الفشل الاقتصادي الذي يُعانيه النظام، وهو فشل ذو طابع حضاري أيضاً»، من جهتنا لا نريد نشر الكآبة لنتحدث عن معطيات حقيقية في مسلسل الاتفاق.
يحدث هذا، بينما هذا الرهط لم يقف على طبيعة الأحداث، فعلى هامش تلك الهمروجة، زُرت طهران، تزامن ذلك مع رأس السنة، كان الشارع وبهو الفندق يزدانان بـ” بابا نويل”، عازف بيانو أطربنا بوصلات لبيتهوفن وموزارت، ثم عرّج حين أدرك ملامحي العربية على وصلات للرحابنة، لا أريد أن أتحدث عن حضور المرأة، عن الفن، حتى من كنّ لا يلبسن غطاء الرأس، لا أحد يتدخّل، ولولا البعد الأخلاقي لأريتُ المحلل التضليلي من تلك الصور ما يكشف عن أن هناك فرقاً بين من يرجم بالغيب ومن يرى، إنّها أساطير سياسوية سممت البيئة التي تحتاج اليوم إلى وجبة من الطاقة الإيجابية لكي تستمر الحياة السياسية، ومن حقّ هذا الرّهط من المحللين أن يئنّوا، لأنّهم يخشون على مستقبل وظيفتهم، ثم صادف أن تواجدت في بيروت، بيروت الجريحة، حيث الطابور المناهض للقوى التقدمية في لبنان يأخذ رواتبه بالدولار، وترك لبنان بحثاً عن أدوار لمزيد من تأزيم بلده، وهناك حيث قدمت مداخلة في رابطة الخبراء حول دور النخبة ووضعية المثقف، وأتيت على أمثلة ونماذج من هذا النمط من المثقفين الوظيفيين، قدمت إيران عروضاً لحلّ معضلة الكهرباء وكذا تسليح الجيش اللبناني، بينما القابضون بالدولار يرفضون العرض، وربما آخر ما تبقى من رمق في لبنان، هو فائض المساعدات الإيرانية غير المهيكلة، هذا بينما المثقف الوظيفي ناشر الكآبة، يجعل من معاناة وطنه ومجتمعه، عنوان ممارسة وظيفية.
ماذا بعد؟
حرصت منذ سنوات على تكرار بعض العبارات لأؤكد أنّ يوماً ما سيسقط كلّ هذا الهراء الديماغوجي على مناخيره، ولعل أهم عبارة وضعتها لغماً للمستقبل، هي أنّ المنطقة تتجه نحو راحة بيولوجية، وأنّ الأزمة أشبه ما تكون بسيارة في منحدر مقطوعة الفرامل، وهي في وضعية القاعدة الميكانيكية الأولى: قانون القصور الذاتي، من يا ترى يستطيع إيقاف الأزمة؟ كان لا بدّ من مبادرة، وحتى تلك السنوات التي بدا فيها صناع البروباغندا ينشرون الكآبة ويتمططون كما لو أنّ المعضلة في القانون الدولي هي أبدية كالأساطير، كنت أضع لغماً آخر: ثمة تفاهمات ورسائل تحت الطاولة، انتهت بجولات من اللّقاءات التي منحت مزيداً من الجدية لنقاش فرضته التغييرات الكبرى في الجغرافيا السياسية.
قرأت لبندر في مذكراته المملاة، أنّ الكثير من القضايا المعقدة في العلاقات الدولية قد تنحل بما يشبه لقاءات شخصية. لفتت انتباهي تلك العبارة قبل سنوات، لأنّها بدت الفكرة الأكثر أهمية فيما قرأت من سيرته يومها. وبالفعل، تلعب المصادفة دوراً مهمّاً في حلّ أكثر القضايا تعقيداً.
قبل سنوات من انطلاق الحوار الذي جرى شطره الأعظم في بغداد، حضرنا مؤتمراً دولياً، حضره عديد من قادة التفكير والخبراء من شتّى الأقطار. كنت واثقاً بأنّ شيئاً قد ينتج عن هذا التنوع المذهل لهذا الطيف من الحضور. في هذا المؤتمر حضر عبد اللهيان الذي كان يشغل حينذاك معاون نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، كما حضر من المملكة العربية السعودية بعض الخبراء (أتحفظ عن ذكر الأسماء). ومع أنّ بعضاً من أولئك الخبراء ما فتئوا يتحدثون فيما بعد عن العدو المشترك بين الرياض وتل أبيب، يقصدون إيران، كانت الجغرافيا السياسية تتحرك بما لا تشتهي التّوقعات. أخبرني يومها أحد الأصدقاء من الوزراء السابقين، بأنّ خلف هذا التضارب في الآراء، حاولنا إجلاس الطرفين كخطوة أولى. بدا أن مجرد اللقاء والجلوس قد يفتح الشهية للإمكان. لم أمنح لهذا الأمر أهمية. واستمر الحديث عن أنّ الجلسة كانت إيجابية وفتحت آفاقاً لإمكانية الحوار. كانت الابتسامة والمصافحة عنوان محاولة. عبد اللهيان دبلوماسي بارع، لطالما كانت ردوده على الاستفزاز على قدر من الروية. سأسمع بعدها خبراً حول بدء جولات حوار بين الأطراف المعنية.
امتطى عبد اللهيان صهوة مسؤولية الخارجية في حكومة السيد رئيسي، حيث توقّع خصوم طهران على طريقتهم النمطية، أنّها ستكون حكومة توتّر ونزاع. ومرة أخرى نذكّر بأنّ ما تطرقنا إليه يومها، أنها ستكون حكومة حوار، وها هي اليوم تُحدث المفارقة.
استمرت جولات الحوار عبر الوسيط العراقي الذي لعب دوراً إيجابياً، ثم حصل بعض منه في سلطنة عُمان. لم يكن للصين أي دور تأسيسي سوى الرغبة في أن يكون الطرف الصيني ضامناً، ليس لمراقبة تنفيذ بنود اللقاء التي يزعم المحللون المجدّفون عدم معرفتهم بها، لكنّ قسماً منها تناهى إلى علمنا، وهو منطقي. الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يدرك يوماً بعد يوم، كما برهن كيسنجر بالتفصيل، أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تكون القطب الوحيد. وأحب التأكيد هنا أنه وجب التفريق بين سقوط الدولة وبين تحللها عن قطبيتها، بين الاستفراد بالقطبية وبين السقوط، ستبقى أمريكا قطباً كبيراً، لكنها لن تكون وحدها قطباً.
ووجب التذكير أيضاً بأنّ من بين كلّ الأقطاب الممكنة، تمنح واشنطن الأهمية للقطب الصيني الذي وحده يستطيع عبر تفاهمات عميقة مع واشنطن أن يرسي نوعاً من الاستقرار في النظام العالمي القادم، وهذا الانطباع ليس أمريكياً، بل هو ثابت منذ نشأة الجغرافيا السياسية مع ماكندر. أدركت الصين أن هذا دور استراتيجي، وخلافاً لتوقّعات خبراء التجديف، ليس في الاتفاق رابح وخاسر، بل هي اتفاقية رابح_رابح. وجب أن نقرأ روح الاتفاق بعلم السياسة وليس بنزعة همجية.
إن كان لا بدّ من استشراف لمستقبل الاتفاق، فإنّ مقاربة هذا الأخير باعتباره نابعاً من خوف طهران أو حياد تطلبه الرياض في حال وقوع ضربة ضد إيران، كل هذه الأحجيات التبسيطية متجاوزة، إذا لاحظنا المخطط الثلاثيني للرياض والحاجة إلى بيئة مستقرة لكيلا تستنزف في معارك المحاور التي كلفت السعودية أكثر مما كلفت نظراءها، حرب اليمن التي كانت موضوع استنزاف، ستجد الحل في العودة إلى استئناف الحوار وملاحظة القوى الوطنية الحيّة خارج منطق تجاهل معادلة القوة في اليمن. العودة إلى طاولة الحوار من حيث انتهت. وحسب معطياتنا، فالحوثي قابل بالحوار، وقد تساهم البيئة الجديدة في احتضان هذا الحلّ السياسي، مادامت الأطراف أدركت انسدادات خيار الحرب. لا شكّ بأن الاتفاق أوضح أنّ إيران ليس لها التأثير النهائي على خيارات حلفائها، الشيء الذي يصعب أن يقرّ به خصومها، لكنها بلا شكّ تملك أن تؤثر كوسيط إيجابي لحلّ الأزمة بين الأطراف المتنازعة. سنشهد لا محالة انفراجات في مناطق مختلفة، فلبنان بخلاف المتوقع أولوية فرضتها الوضعية الاقتصادية، ضخ الودائع وانتعاش المصارف وصيف سياحي كفيل بحلحلة الأوضاع، وسورية تسلك طريقها بوتيرة متصاعدة. وموضوع البحرين مقدور عليه، وليس المرة الأولى التي قد يتم فيها الإعلان عن عفو عام وعودة المنفيين والجلوس على الطاولة، بإشراف مشترك بين الرياض وطهران، والتخفيف عن العراق إلخ..
لقد سارعت بلدان مجلس التعاون إلى تغيير لهجتها تجاه طهران، وكانت المنامة قد عبرت خلال الأيام السابقة عن رغبتها في عودة العلاقات بين البلدين. كما أعربت مصادر مطلعة عن قرب استئناف العلاقة بين دمشق والرياض. استحقاقات التقارب لا محيد عنها، ولا يمكن العودة إلى المربع الأول، لأنّ سنوات من سياسة التصعيد أظهرت أنّ محور طهران ليس سهلاً، نظراً لحجم تموضعه الجيواستراتيجي، وجهوزيته الحربية ومناوراته وتحالفه الصيني-الروسي، وقدرته على خرق كل وجبات العقوبات والحصار.
وقد تكون الصين ليس وسيطاً ضامناً لحوار بين الرياض وطهران فحسب، فلا نستبعد أن تكون في حال تسارع وتيرة تنفيذ بنود الاتفاق وسيطاً في الحوار مع واشنطن. فالعالم يعيش اليوم على حافة انهيار اقتصادي، والحاجة إلى الشرق الأوسط باتت مضاعفة وغير قابلة للتصعيد. والصين تدرك أن التصعيد في الشرق الأوسط لا يمكنه الحفاظ على الوتيرة ذاتها، لأنّه بات يشكل تهديداً عالمياً.
قبلت السعودية بالاتفاق بعد جولات من الحوار الذي استعادت به الثقة، أي إنّ لا سلام من دون تعاون أقطار المنطقة، هذا في حين من يستحضر خطاب طهران الرسمي الدعوة للحوار وسياسة اليد المفتوحة، وليس الأمر آنياً.
أتيت على عينات من القراءات السلبية لأؤكد أنّ خطاب السلام يحتاج إلى حسن النية والثقة والتفاؤل والنظرة الإيجابية للمستقبل، نتفهّم وضعية من كان ينتظر حرباً على طهران لم تحدث، كما نتفهم وضعية من كان ينتظر سقوط سورية الذي لم يقع، ونتفهم كل القراءات بالتمنّي لا بالتحليل، لكن من حقّ المنطقة أن تهدأ وتنتعش أحوال المجتمعات، وهو اتفاق من شأنه أن يساهم في بيئة مستقرة كشرط لاستئناف التنمية، والأهم من ذلك أن يستمر مسلسل التوافق والحوار والسلام العربي- الإيراني- التركي، كيف ينجح الحوار مع سوء النية والكآبة اللذين ينشرهما هؤلاء الموتورون الخائفون على مستقبل مهنتهم البهلوانية؟ الثأر والسياسة لا يلتقيان إلاّ على خراب الأمم.
من حقّ الدول أن تدرك أن مصلحتها في الحوار والتوافق، وهي أدرى بمصالحها من الطابور الخامس الذي تنتهي وظيفته حين يتعاقد الكبار فيما بينهم. لا نحتاج للتشكيك في الاتفاق، لأنّه قطع مشواراً طويلاً بين الطرفين، في الوقت الذي كان فيه خبراء التجديف يمضغون الكليشهات نفسها، ولا بدّ من أن نعتمد “حسن النية” أيضاً في إدارة الأزمات، لنقضي على الكآبة وعدم الثقة بالنفس.