من 2008 إلى 2023 كوابيس أمريكا الاقتصادية لا تنتهي.. «انهيارات بنكية» تعمّق جراح واشنطن بمواجهة روسيا والصين
تشرين- بارعة جمعة:
أزمة البنوك الأمريكية مستمرة لتسجل حدثاً اقتصادياً جللاً كل عشر سنوات، فنشر الذعر والخوف بين عملاء البنوك الأمريكية مقصود، وبسبب التضخم سيلجأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة، إلى جانب ارتفاع سقف الدين العام الأمريكي، قراءات اقتصادية لمشهد انهيار البنوك الأمريكية، بداية من بنك سيليكون فالي، الذي لم يكن سوى امتداد لأزمات اقتصادية سابقة كان لها من الأثر الكبير في حسم مواقف عدة لمصلحة قوى كبرى في العالم، جعلت من الولايات المتحدة المتحكم الأكبر باقتصادات الشعوب، لكن ماذا بعد انهيار سيليكون فالي؟!
مدلولات سلبية
ما يحمله مشهد انهيار عدد من الينوك الأمريكية من احتمالات لانهيار منظومة العمل وفق قوة الهيمنة الاقتصادية على مدار أعوام، يجعل منها حدثاً جللاً، في رأي الدكتور في علم الاقتصاد عابد فضلية، ليس لجهة الخسارة المالية لأصحاب البنوك وذوي الصلة به، بل لكونها تحمل تبعات خطرة على مستوى الاقتصاد العالمي ككل، لنجد أن كل الأزمات الاقتصادية المزلزلة، التي حدثت منذ حوالي 150 عاماً حتى اليوم، بدأت بوادرها بانهيار البورصات وإفلاس البنوك «الأمريكية خصوصاً» والتي كان آخرها أزمة 2008، لذا من المتوقع إفلاس المزيد من البنوك في البورصة الأمريكية والعالمية الأخرى خلال الأسابيع القادمة.
فضلية: مايحمله مشهد انهيار بنك سيليكون فالي من احتمالات لانهيار منظومة العمل وفق قوة الهيمنة الاقتصادية يجعل منه حدثاً جللاً
العالم اليوم على أبواب أزمة، بدأت تداعياتها منذ عام 2008، من مؤشراتها الحرب الروسية – الأوكرانية، في رأي فضلية، وما يحدث اليوم هو تكملة لسلسلة تداعيات عام 2008.
تمر الاقتصادات العالمية بحالة من الركود كل عشر سنوات، هذا ما أكده أستاذ الاقتصاد الأمريكي رافي باترا، يتم امتصاصها والتغلب عليها وابتلاعها، حيث إن هذه الدورات تحدث بشكل منتظم منذ عام 1870 حتى تاريخه، يسبقها عادة تصعيد وزيادة في الإنتاج العسكري، لتعويض التراجع في الإنتاج المدني، حيث- حسب عبد المنعم زنابيلي- تضاعف الإنتاج العسكري الأمريكي خلال عقد الثلاثينيات من القرن الماضي بمعدل متوسط عشرة أضعاف على مدى سنوات هذا العقد، لتنفلت بعدها الحرب العالمية الثانية نهاية هذا العقد، لتبقى التوقعات اليوم بنشوء نظام عالمي جديد بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، كالذي تكوّن بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.
حجم الكارثة
إذا استمرت الأزمة فستخلق أزمة عالمية لفقدان الثقة بالبنوك لعدم تقديمها الفائدة أو سداد الودائع، وفق رؤية الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي حازم عوض، إلّا أنها لم تتطور على مستوى أمريكا ككل، لكن هناك مؤشرات إلى أزمة وسط تأكيدات الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الأمور تحت السيطرة، عكس توقعات الخبراء المعاصرين لأزمة 2008، ممن توقعوا تطور الحدث بسرعة.
هذا العام مختلف عن عام 2008، وما يمكننا قوله إن ما حدث هو تكرار للأزمة، وسط تحذيرات من خبراء عن تغيير واضح في أحجار الدومينو التي تنهار في طريق أزمة بنكية عالمية، والإجراءات المتخذة تعدّ ناجحة بعض الشيء، في رأي عوض، أمريكا فرضت سيطرتها على البنك، وبريطانيا نجحت بشراء وحدة البنك البريطانية، في خطوة منهما لمنع انتقال العدوى بين البنوك، وطمأنة كبيرة للقطاع المصرفي وحتى للمتعاملين مع البنك المنهار بأن ودائعهم بأمان.
الصين لا تشكل لاعباً، فهي متأثرة أيضاً، أما البنوك العربية فاستثماراتها داخلية، والمشكلة تطول قطاع التكنولوجيا لكونه أكثر المتأثرين لوجود التزامات عليه لدى البنوك، ما يعرضه ربما للانهيار.
تبعية مطلقة
منذ أن تم اعتماد الدولار الأمريكي عملة عالمية وميزاناً للاقتصاد العالمي بات الاقتصاد العالمي رهناً به، ما جعل منه ورقة سياسية قوية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، في رأي الخبير العسكري والسياسي وفيق نصور، لابتزاز شركائها الكبار، آخذةً سياسة الهيمنة والإقصاء والتهميش وإشعال الحروب منهجاً لها، إلّا أن الدول الكبرى كالصين وروسيا لم تعد تقبل بسياسة الأحادية القطبية السلبية في قيادة العالم، وما حصل مؤخراً من إفلاس البنك الأمريكي سيليكون فالي يعد اهتزازاً عنيفاً في معركة الاقتصاد العالمي في رأيه، ولاسيما أن له فروعاً في أنحاء العالم، باعتماده الاستثمار والربح ضمن سياسة السندات والأسهم، وبالتالي فإن جميع المرتبطين بالبنك سيتأثرون في خضم صراع عالمي مركب الأدوات والأساليب.
الحرب الروسية – الأوكرانية بقيادة أمريكا وتبعاتها والصراع السياسي المرافق لها، تشكل قدرة الاقتصاد على البقاء لكلا الطرفين، الرهان في الانتصار أو الهزيمة فيها، في رأي نصور، فالانتصار سيرسم خرائط مختلفة وجديدة، وستحدد هوية الكتل الاقتصادية العملاقة، لذا فأي اهتزاز اقتصادي في أدوات كلا الطرفين يؤدي إلى نتائج حاسمة في مسار الصراع .
إلّا أن الأمر هنا مختلف عن الأزمة البنكية التي أصابت الاقتصاد الأمريكي عام 2008، فالمشهد الدولي مختلف تماماً، الولايات المتحدة في حالة حرب عالمية مع خصومها الكبار الصين وروسيا، وتستخدم الاقتصاد أداة تفوق في الصراع، والصمود الروسي اليوم هو نتيجة لياقة ومرونة اقتصاده، وحيوية وفتوة الاقتصاد الصيني، وما أصاب الاقتصادات الأوروبية إثر حرب العقوبات المنعكسة التأثير.. في أزمة عام 2008 كان النفط الخليجي ضامناً، حسب نصور، باعتباره يشكل أكثر من نصف احتياطي النفط العالمي.
نصور: أميركا وما تخفيه؟!.. السياسة ملعقة الاقتصاد وطاولة الأطباق هي من يحدد حركة الملعقة واتجاهها
وأمام هذه التعقيدات لمشهد الصراع يبرز إعلان إفلاس البنك الأمريكي بمنزلة خسارة جبهات، وانكسار في أدوات الصراع التي تستخدمها الولايات المتحدة في صراعها العالمي، فالجميع يعرف الدور الخليجي في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي عام 2008 والتدخل المالي لإنقاذ البنوك الأمريكية، في وقت لم تكن تواجه حرباً مع خصومها الكبار كما هي الحال اليوم، الحلفاء الأوروبيون يعانون اهتزازات اقتصادية، لذا فالتحديات بإيجاد حلول تبدو أكثر تعقيداً من أزمة 2008 أمام قدرة العملاق الصيني وذكائه في استثمار حدث الإفلاس هذا، وبالتالي يكون قد ربح جولة في غاية الأهمية تضاف لجعبة انتصاراته.
العلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة مترابطة جداً، فالسياسة هي ملعقة الاقتصاد، وطاولة الأطباق هي من تحدد حركة الملعقة واتجاهها، في رأي نصور، تبعاً لأنواع الطعام و وفرته، والمعادلة حقيقة بطرفيها، الأول سياسة والثاني اقتصاد.
ويختم نصور كلامه بالقول: الاهتزاز الاقتصادي سيرسم ملامح جديدة على اللائحة الدولية الاقتصادية، لكن السؤال اليوم يدور حول: ماذا لو أن ما حصل من إفلاس للبنك الأمريكي كان سيناريو جديداً لإيجاد مسوغ للانسحاب من الدعم المرهق للحرب الأوكرانية التي بدأت معالمها التي لا ترغبها الولايات المتحدة بالوضوح؟
أقرأ أيضاً:
«كريدي سويس» بعد «سيليكون فالي».. كيف تأثرت المصارف العربية؟