ملف «تشرين».. التعاون العسكري السوري – الروسي.. من معركة مكافحة الإرهاب إلى معركة استعادة التوازن العالمي
تشرين- مها سلطان:
طوال أسابيع مقبلة، لن تخرج زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى موسكو من دائرة التركيز الشديد، ومن حالة الترقب لكل تطور في سورية والإقليم، ما يُمكن ربطه بها، ورغم أن ما رافق الزيارة من تصريحات وبيانات جاء بطابع رسمي من دون تفصيلات محددة، إلّا أن أحداً لن يخطئ في قراءة هذه الزيارة، ومدلولاتها وأبعادها وهي التي تأتي في سياق متغيرات إقليمية دولية «تطلبت منا اللقاء لنضع تصوراتنا» كما قال الرئيس الأسد، مؤكداً أن اللقاء «سيمهد لمرحلة جديدة» في العلاقات بين البلدين.
هذه المرحلة الجديدة هي النقطة التي سينطلق منها المحللون ليستبقوا التطورات المرتقبة، مُستعرضين توقعاتهم وقدراتهم في رسم أقرب صورة لما يُمكن أن تقود إليه زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين.
هذه المرة لم تكن زيارة قصيرة، أو خاطفة كما يحلو للمحللين تسميتها، بل كانت زيارة متكاملة الأركان والأبعاد، إذا جاز لنا التعبير، وفي هذا دلائل ومؤشرات مباشرة وغير مباشرة لا تخفى على أحد، الزيارة كانت بجدول أعمال هو الأوسع والأشمل، سواء على مستوى العلاقات الثنائية وتوسيع نطاق التعاون ليشمل جميع القطاعات والمتطلبات وتمكين سورية من عملية البناء وإعادة الإعمار.. أو على مستوى التطورات الإقليمية والدولية المرتبطة بالبلدين اللذين يتشاركان في مواجهة الإرهاب الأميركي الغربي، وحرب العقوبات والحصار الاقتصادي الجائر.
جميع الملفات كانت حاضرة على طاولة قمة الرئيسين الأسد وبوتين، بدءاً من مسار التقارب السوري- التركي، مروراً بالعودة العربية إلى سورية، وتطورات المنطقة وآخرها الاتفاق السعودي- الإيراني، كما حضرت كارثة زلزال 6 شباط الماضي، حيث نزلت القوات الروسية إلى ميدان الكارثة يداً بيد مع السوريين في عمليات الإنقاذ والإغاثة في مشهد إنساني لا مثيل له، وليكون أنموذجاً يحتذى به لما يمكن أن تصل إليه علاقات التحالف بين سورية وروسيا، ليس فقط على مستوى القادة، ومستوى الشعبين، بل على مستوى الدعم الذي يقدمه الجيش الروسي حتى على المستوى الشعبي، معتبراً نفسه معنياً بشكل مباشر بمُصاب الشعب السوري، كما هو معني بحمايته، يداً بيد مع الجيش السوري، من إرهاب التنظيمات المسلحة ومن يقف وراءها، تمويلاً وتسليحاً وتجنيداً.
الجيش الروسي في كل تحرك وتموضع وفي كل ميدان كان يثبت أنه مثال الجيش الصديق والحليف في معركة مواجهة الإرهاب
تواجد القوات الروسية في المناطق المنكوبة سلط الضوء على مستوى جديد من التعاون على الصعيد العسكري، ليتسع المفهوم الإنساني في علاقات التعاون بين سورية وروسيا، بعدما ثبت للبلدين وبالوقائع أنه تعاون مصيري، وعلى كل المستويات، سواء من خلال الحرب الإرهابية على سورية أو من خلال الحرب الأوكرانية التي أشعلها الغرب لترهيب روسيا ومحاصرتها.
لا شك في أن الشق العسكري كانت له مساحة مهمة على طاولة المباحثات بين الرئيسين الأسد وبوتين، وهذا متوقع في ظل أن معركة مواجهة الإرهاب مستمرة، وروسيا حليف رئيس لسورية في هذه المعركة.
لنعد إلى الـ 30 من أيلول من عام 2015 عندما دخلت روسيا على خط مواجهة الإرهاب في سورية، تلبية لطلب من الحكومة السورية، لتقلب الموازين ضد الدول الداعمة للإرهابيين وتنظيماتهم في سورية، ولتبدأ مرحلة جديدة من التعاون العسكري المصيري في مكافحة الإرهاب.
رغم كل ذلك اللغط الذي انطلق في إثر روسيا ومحاولات التشويش على دورها في سورية وتشويه مهمة قواتها العسكرية، وهذا التشويش لا يزال مستمراً.. إلّا أن الجيش الروسي كان في كل تحرك له، وفي كل تموضع له، وفي كل عملية ميدانية، كان يثبت أنه مثال الجيش الصديق، لم يسعَ للتفرد والتحكم بقدر ما سعى إلى بناء مقاربات ميدانية على أرضية صمود الدولة والجيش في سورية.. لتتوالى الانتصارات.. عندها وقع تحالف القوى المعادية في صدمة وتخبط فعمد إلى كوميديا البكاء على المدنيين و«المعارضين المعتدلين» واستحضر كل ما يستطيع من سرديات «إنسانية» دفاعاً عن وحوش الإرهاب في سورية.
لم يحفل الجيشان السوري والروسي بكل ذلك واستمرا في عملياتهما باتجاه الحسم العسكري.
سقطت بكائيات القوى المعادية لسورية ومعها تلك السرديات الإنسانية المزيفة، لتبدأ مرحلة إرهابية جديدة، متمثلة في الحرب الاقتصادية التي لم تترك شيئاً من دون أن تستهدفه، ومن دون أن يعني ذلك التخلي عن إرهاب التنظيمات المسلحة.
تواجد القوات الروسية في المناطق المنكوبة بالزلزال سلّط الضوء على المستوى الإنساني في علاقات التعاون العسكري ليثبت مرة أخرى أنه تعاون مصيري على كل المستويات
أيضاً بدأت مرحلة جديدة من استهداف التعاون العسكري بين البلدين عبر استهداف الاستراتيجية العسكرية الروسية في سورية باعتبارها إستراتيجية تقوم فقط على المصلحة الروسية، ودائماً هناك استحضار للكيان الإسرائيلي واعتداءاته المستمرة على الأراضي السورية، وأين روسيا من هذه الاعتداءات؟.. علماً أن الاستراتيجية الروسية واضحة ومُعلنة خصوصاً في هذه المسألة، وهي نفسها الاستراتيجية السوفييتية سابقاً والتي تتركز قواعدها الأساسية في تمكين الحليف وتقويته للدفاع عن نفسه، فهذا هو الأفضل والأهم على المدى الطويل.. ومسؤولية الحليف هنا أن يعرف كيف يدير عملية الاستفادة من الحليف الإستراتيجي بما يخلقه من سياقات وما يقدمه من دعم في إطار مصالحه واستراتيجيته بالذات، وليس مطالبة الحليف الإستراتيجي بالتخلي عن مصالحه واستراتيجيته أو تعديلها بالتطابق مع ما نريد.. المسألة ليست في إما أن تحارب روسيا الكيان الإسرائيلي أو أن التحالف معها بلا طائل. المسألة أن تستثمر في كل ما يقدمه الحليف الإستراتيجي من وسائل الدعم وأدوات التمكين لتصبح قادراً على أن تحارب وتنتصر.. وهذا ما تفعله روسيا.
لنأخذ على سبيل المثال العلاقات الروسية- الإيرانية، وكل ما يُقال عن دورهما المتضارب والمتناقض في سورية، روسيا وإيران دولتان تناضلان من أجل مصالحهما وتتعاونان في سياق تبادل المصالح وتكسبان من بعضهما، كل الدول تفعل ذلك، ولكن السؤال: هل في هذا فائدة لسورية؟.. بالتأكيد لأن هناك مصلحة وأهمية وفائدة في تعدد الحلفاء وتالياً في تنوع الخيارات.. الجميع يعمل وفق قاعدة المصالح المتبادلة وبصورة معلنة من دون أن يؤثر ذلك سلباً في مستوى العلاقات أو حجم التعاون.
وعليه فإنّ من يُحقق الحسم الميداني النهائي في سورية هو الجيش السوري وهو يستفيد من كل الدعم الروسي الإستراتيجي والعسكري والتقني، وهو دعم موجود أساساً لتمكينه من تحقيق الحسم النهائي.. هذه هي المقاربة الروسية لما يجب أن يكون عليه التحالف بين الدول.
مع ذلك فإن هذه المقاربة اختلفت قليلاً في سورية لناحية التشبيك مع الشعب السوري وعدّ الجيش الروسي نفسه معنياً بشكل مباشر بكل ما يُمكّن هذا الشعب من الاستمرار في الثبات والصمود ومواجهة الإرهاب الاقتصادي للولايات المتحدة.
أيضاً ستختلف هذه المقاربة مستقبلاً ليكون التعاون العسكري بمنحى إستراتيجي «مرتبط بتوازن القوى في العالم» كما جاء في مقابلة الرئيس الأسد مع وكالة «سبوتنيك»، النظرة إلى القواعد العسكرية « يجب ألّا ترتبط بموضوع مكافحة الإرهاب، مكافحة الإرهاب هي أمر قائم حالياً ولكنه سيكون مؤقتاً، ولا يمكن للوجود العسكري الروسي في أي دولة أن يُبنى على شيء مؤقت، نحن نتحدث عن توازن دولي، وجود روسيا في سورية له أهمية مرتبطة بتوازن القوى في العالم» يضيف الرئيس الأسد، مشدداً على «ضرورة إعادة التوازن إلى العالم اليوم وإلّا فسيتجه إلى الانفجار والدمار».
اقرأ أيضاً: