هل تنجح واشنطن في فتح جبهة جديدة ضد روسيا من جورجيا ؟

تشرين- شوكت أبو فخر:
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع عملائها الأوكرانيين، على محاولة فتح جبهة جديدة للحرب على روسيا، وذلك من خلال توريط تبليسي بصراع مع موسكو، بإثارة موضوع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من جديد.
القصة باختصار أن الولايات المتحدة تحاول العبث بأوراق قديمة، وإذكاء الخلافات والنيران في منطقة ملتهبة بفعل الحرب في أوكرانيا.
وفي حقيقة الأمر، لم تأتِ الأحداث الحالية التي تشهدها جورجيا، أي الاحتجاجات، مفاجئةً للمراقبين المتابعين لتطور المسار السياسي هناك منذ تفكك الاتحاد السوفييتي واستقلال جورجيا عنه في عام 1991، فقد شهدت الأخيرة منذ ذلك الوقت تقلبات سياسية داخلية عديدة، كان لها على الدوام امتدادها الخارجي الفاعل.
اليوم يبدو أن الهدف قد وضع على نار ساخنة، وهو ليس بخاف على أحد، ألا وهو محاولة الضغط على موسكو من بوابة جورجيا، بمعنى دفع الأخيرة نحو فتح ملف أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، بما يشابه مسألة إقليم دونباس في أوكرانيا.
وقد بدأت بذلك عبر التحريض على التظاهرات في جورجيا، بذريعة مشروع قانون «العملاء الأجانب» الذي يناقشه البرلمان، ترافق الأمر مع نشر ادعاءات بأن مشروع القانون يُعدّ روسياً.
لقد استخدم مشروع القانون ذريعة تفجّرت على إثرها تظاهرات في عموم جورجيا، ولا تزال مستمرة حتى الآن، تخللتها مواجهات بين المحتجين وقوى الأمن، أدت إلى اعتقال العشرات، وقدمت المعارضة مطلبين: سحب القانون المذكور والإفراج عن المعتقلين.
وفي هذا الخصوص، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما يجري في جورجيا بأحداث ميدان كييف في 2014.
كما قال رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين تعليقاً على سحب مشروع قانون العملاء الأجانب: «إن واشنطن لم تسمح لجورجيا بأن تصبح ذات سيادة».
واعتبرت رئيسة تحرير شبكة RT مارغاريتا سيمونيان خلال متابعتها للمجريات «أن كل هذا الحراك لا يهدف سوى إلى فتح جبهة ثانية»، مشيرة إلى أن المحتجين كانوا يهتفون «سوخومي، سوخومي» وهو اسم عاصمة أبخازيا.
اللافت في الأمر أن الحكومة الجورجية حاولت الاستعانة بالغرب لإطفاء شرارة أزمة يمكن أن تحوّل جورجيا إلى أوكرانيا أخرى، ووعدت بإرسال نص مشروع القانون إلى الاتحاد الأوروبي لدراسته، لكن الرد الغربي أتى معاكساً لرغبتها، حيث واصل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انتقاد القانون المسحوب، ودعوا السلطات الجورجية إلى احترام «الاحتجاج السلمي»، على الرغم من اقتحام المتظاهرين البرلمان واستخدامهم زجاجات المولوتوف.
من المعروف أن جورجيا أقرب إلى الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة، وفيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية – الروسية حافظت تبليسي على موقفها المحايد رغم ضغوط واشنطن، إلا أن الأخيرة يبدو أنها تمتلك أهدافاً أبعد .!
ومنذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا، وبدء موسكو بعمليات عسكرية قبل عام من الآن، راحت واشنطن وكييف تستغلان الفرصة لفتح ملف أبخازيا بغية الضغط على موسكو التي تعترف باستقلالها وتوقع اتفاقيات معها، وجرّ البلاد إلى نزاع عسكري مع روسيا بهذه الذريعة، ويبدو أن تفاعلات الحرب في أوكرانيا أثّرت في الأوضاع الداخلية في جورجيا، إذ توجد رغبة واضحة لدى جزء من الجورجيين في الانتقام من موسكو، مصحوبةً لدى هؤلاء أنفسهم بتعاطفٍ مع كييف.
وبالعودة إلى شرارة قانون «العملاء الأجانب» فقد اندلعت على وقع أحداثٍ أكثر اشتعالاً تشهدها أوكرانيا، وتعدّ الدولتان أي أوكرانيا وجورجيا مهمتين جداً بالنسبة إلى روسيا من ناحية، وللغرب من ناحيةٍ ثانية، وهاتان الناحيتان تمثلان الوجهتين المتجاذبتين في السياسة الخارجية الجورجية، وعلى وقع تفاعلاتهما تجري التقلبات السياسية الداخلية.
ومع اشتداد وطيس الحرب في أوكرانيا ودخولها عامها الثاني، وصل الصراع بين روسيا والتحالف الغربي إلى مستوى غير مسبوق من التوتر، وتحوّل المشهد سريعاً خلال عامٍ واحدٍ من أزمةٍ بين موسكو وكييف إلى أزمةٍ عالمية.
ما يجري في جورجيا اليوم ليس بعيداً عن الأزمة الأوكرانية، وتوسع حلف شمال الأطلسي حول حدود روسيا، فضلاً عن التنافس بين روسيا التي كانت تسعى لاستعادة تحالفاتها في محيطها القريب، والولايات المتحدة التي لم تمسك عن تقديم الإغراءات لتحفيز الدول السوفييتية السابقة على السير في ركب سياساتها.
الولايات المتحدة تستغل انقسام الجورجيين بين مؤيد لموسكو ومعارض لها، والاستفادة من انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية لإحداث تحولٍ نحو الغرب، وتسريع المسار نحو الانضمام إلى العالم الغربي، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأميركية تبحث عن دولةٍ تتبرع بزيادة الضغوط على موسكو.

بينما تغلّب الرؤية الأخرى الخيار الحالي المتمثل بالحياد وعدم الانضمام إلى العقوبات على روسيا، وبين هذا وذاك تنشط الولايات المتحدة في تحريض تبليسي على تغليب الخيار الأول، وتحضيرها على أن تكون ساحة استنزافٍ أخرى لموسكو، إذ ترتبط هذه الأخيرة بمعاهدات دفاعية مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا تجعل من تدخل موسكو العسكري لحمايتهما خياراً اضطرارياً .
إن استمرار التظاهرات في تبليسي، على الرغم من سحب قانون «العملاء الأجانب»، يؤشر إلى أن المطلوب ليس سحب فتيل الانفجار، بل إشعاله.
باختصار شديد، حزب «حلم جورجيا» في مأزقٍ، وعلى الرغم من كونه ممسكاً بزمام الأمور، فإنه قد يضطر إلى إقالة الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، الأمر الذي قد يفتح على جورجيا أبواب الجحيم، خصوصاً إذا وصل إلى السلطة خيار يدعو إلى اقتحام أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار