عودة إلى مسار التقارب السوري- التركي.. فهل ثمة جديد؟

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
محطة جديدة في مسار التقارب بين سورية وتركيا من المرتقب أن تبدأ غداً في العاصمة الروسية موسكو، على مستوى نواب وزراء الخارجية.. وهذا طبعاً حسب وسائل إعلام تركية نقلاً عن مصادر دبلوماسية تركية قالت إن اجتماعاً رباعياً يضم سورية وتركيا وروسيا وإيران سيُعقد على مدى يومين غداً الأربعاء، وبعد غدٍ الخميس.
ورغم أنه لا توجد تفاصيل كثيرة حول الاجتماع، كما لا توجد تصريحات من الدولة السورية حوله.. ورغم أنه لا يتم على مستوى وزراء الخارجية وإنما على مستوى نوابهم، إلا أنه اجتماع مهم، إلى جانب كونه متوقعاً بعد أن تم- إلى حد ما – احتواء تداعيات كارثة زلزال 6 شباط الماضي الذي ضرب البلدين سورية وتركيا.
هذا الاجتماع هو الثاني في مسار التقارب، بعد اجتماع أول في 28 كانون الأول الماضي على مستوى وزراء الدفاع، وذلك وفق مسار اقترحه الرئيس التركي رجب أردوغان في 15 كانون الأول الماضي، يبدأ بوزراء الدفاع، ثم وزراء الخارجية، ثم على مستوى رئيسي البلدين.
لكن هذا الاجتماع الثاني لا يتم على مستوى وزراء الخارجية وإنما على مستوى نوابهم، وفي هذا أكثر من دلالة متعلقة بشكل خاص بالدولة السورية وموقفها من استئناف هذا المسار قبل أن يكون هناك ما هو ملموس على أرض الواقع، وربما هذا ما يفسر أنه على هذا المستوى الأقل، وليس على المستوى الذي كان متوقعاً أو مخططاً له.
تركيا عادت في الأيام الماضية إلى تصريحاتها حول التقارب مع سورية وضرورته، مؤكدة أنها ليست قوة احتلال في سورية، وأن الهدف هو مكافحة الإرهاب وحماية الحدود ووحدة البلاد، حسب تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو يوم الأحد الماضي.
تصريحات سمعها السوريون كثيراً، ويعتقدون أنها لا تعدو حديثاً بلا طائل إذا لم تقترن بأفعال، وفي أمثالهم يقول السوريون «الحكي ما عليه جُمرك»، بمعنى أنه لا يؤخذ على محمل الجد، حيث لا يوجب عليه مسؤوليات، ولا يستدعي نتائج وتداعيات، لذلك فإنه صاحبه يقول كلامه ويمشي.. فهل هذا ما يفعله التركي؟
ربما نعم، وربما لا، لكن المعلوم والواضح حتى الآن أن الاجتماع الأول لم يغير من الوقائع على الأرض، وعليه لا تبدو الدولة السورية متحمسة كثيراً، وربما هذا عائد إلى نقص في الثقة، أما مسألة مشاركتها في الاجتماعات فهي لا تخرج عن سياساتها المعروفة، وهي الذهاب إلى أبعد حد في استكشاف كل الاحتمالات والإمكانيات فيما يخص الحلول والتسويات. هذا أولاً.. أما ثانياً فيتركز على الوصول بتركيا إلى مفترق لا بد معه إلا أن تثبت حسن نياتها على الأرض، فإذا فعلت كان أمراً جيداً، وإذا لم تفعل فهي ستغدو مكشوفة أمام الضامنين روسيا وإيران، لناحية أنها تمارس عملية خداع وتضليل بخصوص تلك النيات.
فعلياً يمكن الحديث عن مشهد جديد على مسار التقارب ما بعد زلزال 6 شباط الماضي يتركز على:
أولاً، الدولة السورية في وضع مرتاح، مقارنة بوضع نظام أردوغان، حيث تتوالد التحالفات الانتخابية بمواجهته لتصبح أربعة، آخرها تحالف «آتا» الذي أعلن عن نفسه يوم السبت الماضي لينضم إلى التحالفات الثلاثة السابقة: تحالف الشعب، تحالف الأمة، تحالف الحرية والعمل. وقد تتوالد تحالفات أخرى ضمن مسافة الشهرين المقبلين اللذين يفصلان نظام أردوغان عن الانتخابات المقررة في 14 أيار المقبل.. ونحن إذ نتحدث عن وضع مرتاح فإننا نقصد مسار العودة العربية إلى سورية التي شهدناها بعد كارثة الزلزال، وبما سينعكس حتماً في الأيام المقبلة بصورة إيجابية على مستوى مساندة سورية ودعمها وصولاً إلى إيجاد حلول وتسويات لما تعيشه من أزمات متتالية وعقوبات وحصار غربي- أميركي منذ بدء الحرب الإرهابية ضدها عام 2011.
ثانياً، نظام أردوغان هو من يرتبط مصيره بيوم محدد وهو يوم الانتخابات، وهو ليس واثقاً ما إذا كان العدّ العكسي الذي سيبدأ قريباً، هو عدًّ لمصلحته أم ضده، وتالياً هو من يحتاج سورية وليس العكس.. خصوصاً أن كارثة الزلزال جاءت لتضاعف أزماته الانتخابية، ورغم أن أردوغان لا يكف عن تقديم الاعتذارات للضحايا، بسبب أن عمليات الإنقاذ والإغاثة لم تكن بالمستوى المطلوب والمنتظر، إلا أن رد الفعل لا يبدو مطمئناً، هذا عدا أن الوقت المتبقي لا يعمل في مصلحته، وما زال مستغرباً أن أردوغان يصرَّ على إبقاء يوم الانتخابات على حاله، أي في 14 أيار المقبل، فيما كان متوقعاً أن يتجه للتأجيل لكسب مزيد من الوقت.. وهذه مخاطرة برأي المراقبين، إلا إذا كان أردوغان يملك أوراقاً رابحة لم يكشف عنها، وقد لا يكشف عنها؟
ثالثاً، إذا جاز لنا التعبير، أو كانت رؤيتنا صائبة، هناك «اتجاه عربي» يفضل فوز أردوغان، ليكون بالتالي في مواجهة الاتجاه الأميركي، وإذا ما أضفنا إيران واتفاقها مع السعودية فإن الشهرين المقبلين سيكونان ساخنين جداً في تركيا من دون إمكانية لتوقع من سيفوز حتى يحل يوم الانتخابات.

في كل الأحوال، قد لا يجوز استباق النتائج.. لننتظر حتى يتم اللقاء الرباعي وما سيخرج به.. ربما يكون هناك حديث آخر.

أكاديمي وكاتب عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار