أولى ثمار مبادرة بكين للأمن العالمي.. الاتفاق الإيراني السعودي

ميشيل كلاغاصي:
في ظل تراجع الاستقرار العالمي, وتصاعد التهديد الذي يواجهه الأمن الدولي, وسط توجه وسعي الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية, لتحقيق التفوق الاقتصادي والعسكري, طرح الرئيس الصيني في 21/4/2022 مبادرة بلاده «للأمن العالمي» ورؤيتها لتعزيز الأمن المشترك في العالم، والتي دعت إلى التمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، والعمل على صيانة السلام والأمن في العالم, والتمسك باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى, والالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ونبذ عقلية الحرب الباردة ومعارضة العقوبات أحادية الجانب, وبسلمية الحلول للخلافات والصراعات واعتماد الحوار والتشاور, والعمل معاً على مواجهة النزاعات الإقليمية والقضايا الكونية مثل الإرهاب وتغير المناخ والأمن السيبراني والأمن البيولوجي.
ومن خلال بنود وجوهر هذه المبادرة، حاولت الصين الدخول على خط الأزمة والتنافس الإيراني السعودي الحاد, بعدما استغلته الولايات المتحدة لعقود, واستطاعت هز وزعزعة استقرار الأمن الإقليمي في المنطقة, وحاولت مراراً نسف التقارب بينهما, على الرغم من حاجة الرياض وطهران المشتركة إلى علاقات جوار طبيعية وطيبة, وإلى تكثيف التعاون انطلاقاً من تاريخية العلاقات الإيرانية السعودية, وتكامل أدوارهما لاستعادة الهدوء والاستقرار في المنطقة, والعمل معاً على إيجاد الحلول للأزمات والخلافات والصراعات التي تعصف بها.
ولا بدّ من تثمين المبادرة والوساطة الصينية, التي ساعدت في تخطي ما كان من الصعب تخطيه نتيجة العوائق والعراقيل الأمريكية, خصوصاً أن بكين اتكأت على إيمانها بنجاح «مبادرة الأمن الدولي», التي استطاعت تحقيق أول نجاح لها منذ أن أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ, والتي تمت ترجمتها يوم أمس الأول في بيانٍ ثلاثي مشترك, أكد التوصل إلى اتفاقٍ حول استئناف العلاقات الدبلوماسية, على قاعدة عدم التدخل في شؤون بعضهما البعض واحترام سيادتهما, وجرى الاتفاق على افتتاح السفارات في غضون شهرين, وترتيب تبادل السفراء, ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بين الرياض وطهران, ولم يفوت البيان فرصة توجيه الشكر للعراق وسلطنة عمان, اللتين احتضنتا عدة جولات للحوار بينهما, بما ساهم في تقريب وجهات النظر.
وقد قوبل الاتفاق بترحيب عربي ودولي واسع, وكأن العالم كان ينتظر هذا الاتفاق, وحدهما الولايات المتحدة وسلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب من أغاظمها الاتفاق ولم يرحبا به, وخصوصاً أن الصين هي عرّابة وحاضنة الاتفاق, حيث أكد زعيم المعارضة في الكيان الغاصب, يائير لبيد، -حسب الإعلام الإسرائيلي- أن «الاتفاق بين السعودية وإيران هو فشل تام وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية», في حين عدّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، نفتالي بينيت، أن الاتفاق هو ” تطور خطير بالنسبة لإسرائيل وانتصار سياسي بالنسبة لإيران”.
في الوقت الذي أكد فيه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن مباحثات بكين كانت «صريحة وشفافة وشاملة وبناءة», وأن الاتفاق سيساعد على ” توسيع الاستقرار والأمن الإقليميين وزيادة التعاون في الخليج والعالم الإسلامي”.
مما لا شك فيه أن مرحلة ما قبل الاتفاق ستختلف تماماً عما بعدها, ومن المهم للصين ولكل الدول التي رحبت بالاتفاق, أن تسعى لحمايته, وإبعاده عن يد العبث الأمريكي – الإسرائيلي, ومنحه الوقت لتفكيك العقد, وبلورة جوهر الاتفاق, بهدف حصد ثماره التي ستنعكس إيجاباً ليس على طرفي الاتفاق فقط, بل على عدة دول وملفات وصراعات وخصوصاً تلك التي تعصف بالمنطقة منذ سنوات, وأن يكون لليمن وسورية ولبنان والعراق, حصة طيبة من ثماره, ناهيك بمدى تأثير الاتفاق على تدعيم الأمن والاستقرار في هذه المنطقة وغير مناطق وأقاليم وعلى العالم بأسره.
إنّ القلق السياسي والاقتصادي والمالي للولايات المتحدة من جراء إبرام الاتفاق, سيضاعف هواجسها ومخاوفها من تأثيره على تسريع الانتقال نحو النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، الأمر الذي سيؤثر بشكلٍ كبير على ما تبقى من هيمنتها ومكانتها السياسية والاقتصادية, وعلى مكانة الدولار الأمريكي وقوة وجوده في الأسواق المالية, وعلى كل ما من شأنه منحها القدرة على زعزعة استقرار الدول.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار