لا أميركا سمحت.. ولا أوروبا تجرأت؟!
تشرين- هبا علي أحمد:
كيف تتعامل أوروبا والغرب عموماً مع الأزمات؟.. سؤال قد تبدو الإجابة عليه تقليدية جداً، ولاسيما إذا اقترن بالحديث عن حالة إنسانيّة طارئة.. فالغرب لا يقيم وزناً للمعايير الإنسانيّة، وكانت وما زالت السياسة هي المحرك الأساس للتعامل مع الأزمات، ولا يخطر على بال أحد أن تُقصي الحالة السياسية قليلاً، إذ إن معايير الغرب هي سياسيّة أولاً أخيراً.
ولأن الصورة باتت أكثر من واضحة، وحتى لا ندخل في إطالات لا فائدة منها، لا بدّ من الإشارة إلى الارتباك في المواقف والتصريحات السياسية الغربية حول تقديم المساعدات الإنسانية لسورية من جراء تداعيات زلزال 6 شباط الماضي، والإحراج الذي سببه لهم، وتفكيك شيفرة ذاك الإحراج وخلفياته وأسبابه.
أمام الزلزال وجدّت أوروبا نفسها محرجة تماماً، ليس بسبب المآسي الذي خلّفها الزلزال، ولكن إحراجها ينبع من صورتها اللاإنسانية أمام الرأي العام العالمي، الذي وقف إلى جانب سورية وندّد بالإجراءات الغربية، هذا التنديد يضّر بالصورة الغربية التي تحاول المحافظة على قيادتها للعالم خلف الولايات المتحدة، وهذه القيادة لا تصح وتكتمل مع صورة السقوط الإنسانيّ والأخلاقيّ.. فلا بدّ من توفير جميع عوامل القيادة أمام الرأي العام أقلّه، وبعدها يمكن الانشغال بعامل واحد ألا وهو السياسة.
العقوبات والاحتلال أمران متلازمان ولتتحقق «الإنسانية» الغربية في سورية لا بد من إنهاء الاحتلال والعقوبات معاً
على تلك الخلفية يُنظر إلى «حفنة» المساعدات الإنسانيّة التي قدمتها عدة دول أوروبية لسورية سواء وصلت تلك المساعدات إلى الأراضي السورية مباشرة أو عبر لبنان، و«تخفيف» العقوبات، على أنها رفعٌ للحرج الأوروبي أمام الرأي العام ولتصدير صورة من يتحمل مسؤولياته، في حين أن الحقيقة مغايرة تماماً، ولا بدّ من البحث دائماً عن السياسة، بمعنى كيف نوظف الإنسانية في خدمة السياسة وليس العكس؟.
أحد النقاط المُثارة في موضوع «حفنة» المساعدات الغربية لسورية، أنّ أوروبا تجرأت وخالفت أمريكا وبالتالي كانت تلك المساعدات خارج سياق «رخصة» الولايات المتحدة أو سماحها، وهنا قد يرى البعض أنها فرصة لأوروبا للتحرر والانعتاق من العباءة الأمريكية، وتكوين منظومة مستقلة، بأدوات مستقلة وعلاقات مستقلة.. لكن الصورة مغايرة تماماً، إذ إن صورة المساعدات هي صورة إعلامية بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية تدخل في سياق ذر الرماد في العيون والتأثير على الأصوات المندّدة بالتعاطي الغربي مع كارثة الزلزال، وإيجاد منفذ من هذا الحرج.
من الضروري بمكان معرفة أن واشنطن والغرب يسيران معاً منفصلين متصلين.. أي أن الولايات المتحدة وأوروبا، خطان متلازمان لا يمكن فصلهما، ولا يمكن توقع قرارات منفصلة متمايزة عن بعضها بين الطرفين.. والصورة البدهية الواضحة للجميع أينما يوجد أحد الطرفين يوجد بالضرورة الطرف الآخر، سياسة واحدة، توجّه واحد، وقرارات واحدة، وعلاقات واحدة أيضاً، عداء مشترك لقوى عالمية صاعدة، ولعلاقات تعاونية تشاركية تحارب الرأسماليّة الغربية.
لنبقى في موضوع العقوبات والحصار على الشعب السوري.. الغرب يتناسى الشعب ويتعامل على أساس ضرورة «معاقبة» الدولة السورية، ويدور في هذه الحلقة الواهية، وضمن هذه الحلقة يبرر عدم إنسانيته، متجاهلاً عامداً ومتقصداً معاناة الشعب السوري من عقوباته وحصاره وتداعياته صحياً واقتصادياً، ولاسيما المرحلة الراهنة، حيث فاقم الزلزال المعاناة وفقدان الحاجات الأساسية، والمعاناة مرتبطة أساساً بحرب متواصلة لأكثر من ١٢ عاماً، ما يستوجب رفعاً تاماً ونهائياً للعقوبات وليس تجميداً مؤقتاً أو تخفيفاً، وهنا فقط تبرز الإنسانيّة الغربية والأمريكية.
وإذا أردنا التعاطي مع موضوع التخفيف أو التجميد للعقوبات، فهو انحصر بمواد الإغاثة، إذاً فهو لا يتصل بالمساهمة الإنسانية، ولا سيما أن المشتقات النفطية واستيرادها بقيت محظورة، وأكثر ما نحتاجها في المشافي والمراكز الطبيّة، كما أنه من الصعوبة استيراد الأدوية ما أنتج نقصاً حاداً وذلك بسبب العقوبات.. الخروج من الباب للدخول من الشباك، والحقائق على الأرض تناقض أمريكا ذاتها ومعها أوروبا، تجمّل الصورة ولكن عبثاً، فالحقائق على الأرض تكذبهما..
مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة في قاعدة التنف غير الشرعية، يتساءل البعض ما الصلة؟.. الصلة في رغبة واشنطن باستمرارية الحرب على سورية وتسعيرها، ففي كل تحرك مشبوه على الأرض السورية، ابحث عن التصعيد الأمريكي، عن الأهداف العدوانية، لذلك واشنطن تجمد جزئياً العقوبات على عمليات محددة، وبالمقابل تعد العدة لتمكين احتلالها وتكريسه.. والعقوبات والاحتلال سيان بالنسبة لنا، ولتتعافى سورية لا بدّ من إنهاء الاحتلال والعقوبات معاً، ولتتحقق الإنسانية الحقيقية على أميركا أن تتوقف عن احتلال أراضي السوريين ونهب ثرواتهم وخيراتهم.
نقطة أخرى عن النفاق الأمريكي- الغربي، كيف يمكن تصديق تجميد العقوبات بينما شرّعت واشنطن مؤخراً «قانون الكبتاغون» بمزاعم مراقبة الحدود، وأي حدود.. حدودنا، أي أن الأمر ليس من اختصاص واشنطن، والأمر يتجاوز مزاعم الولايات المتحدة إلى التضييق على الدولة السورية والشعب السوري.
على العموم إن كان ما دفع الغرب لتقديم المساعدات هو الحرج، فهو صوري، إذ كان الأوَلى بالغرب أن يخجل ويُحرَج من دماء الأبرياء السوريين التي تسفك بلا ذنب بسبب الإرهاب الذي وظفه وأنتجه مع الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: