الزلزال السوري.. والضمير الأوروبي النائم

تشرين- السيد شبل:

تتحدث الأرقام عن أزيد من 150 مليار دولار منحتها الدول الغربية بالأساس إلى أوكرانيا لتقوية شوكة رئيسها فلاديمير زيلينسكي والمجموعات النازية التابعة له في مواجهة القوات الروسية، هذا الرقم الضخم هو تقريباً يعادل مرتين ونصف المرة ميزانية أوكرانيا عام 2022، في المقابل ماذا قدّم الغرب إلى الدولة السورية، بينما يواجه شعبها كارثة طبيعية، تمثلت في زلزال السادس من شباط الماضي، الذي تسبب في وفاة وتشريد الآلاف؟!

سيكون من الهزل بطبيعة الحال طرح السؤال بهذه الطريقة، فثمة مصلحة لحلف شمال الأطلسي في استنزاف الروس بالمعركة الأوكرانية، الأمر الذي يدفع بمليارات الدولارات بسهولة إلى الحسابات البنكيّة الخاصة بالمسؤولين في كييف، أما الوضع في بلاد الياسمين فهو بالمقلوب، لأن البيت الأبيض يمثّل الضلع الأساسية في الحرب التخريبية التي تم شنها بهدف إسقاط الدولة الوطنية لخدمة التوجهات الإمبريالية بالمنطقة، وهي الحرب الممتدة منذ 12 عاماً، وتسببت في خسائر تفوق بلا شك حجم الخسائر الناجمة عن الزلزال الأخير الذي وصلت قوته إلى 7,8 درجات بمقياس ريختر.

العواصم الأوروبية الوازنة كان حريّاً بها أن تتحرر ولو قليلاً من نفوذ البيت الأبيض وتتخذ خطوات أعمق لمساعدة سورية

في مواجهة الأزمة الأخيرة، يرى المعنيّون بملف المساعدات أن خير ما يمكن أن تقدمه العواصم الغربية للمنكوبين هو رفع العقوبات التي تحدّ من إمكانيات الدولة وتعرقل من مساعيها لخدمة المواطنين، حيث يمكن لهذا المجهود الضخم الذي تقوم به المؤسسات السورية أن يتضاعف عدة مرات في حال استجاب المجتمع الغربي لمناشدة مجلس الشعب السوري   التي أطلقها يوم التاسع من شباط الماضي بضرورة الرفع الفوري والعاجل للحصار الجائر أو تجاوب مع خطاب الخارجية الصينية في الثالث عشر من الشهر ذاته، الذي طالب برفع كل العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على سورية، معتبراً أن تخفيف العقوبات بشكل مؤقت ما هو إلا «تمثيلية سياسية».

حكاية الدولة السورية مع العقوبات الاقتصادية المفروضة من جانب البيت الأبيض وحلفائه تمتد إلى السبعينيات مروراً بإدارة جورج بوش الأب وحتى «قانون قيصر» عام 2019 المفروض بوساطة إدارة دونالد ترامب، وهي كلها قبل عام 2011 حصاد مواقف دمشق الداعمة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية أو الرافضة للتوغّل الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط بداية من عام 2003، أما بعد ما يسمى «الربيع العربي» فاستهدفت العقوبات، أولاً: عزل الدولة السورية عن المجتمع الدولي سياسياً واقتصادياً، ثانياً: ضرب معنويات المجتمع السوري بحيث يصير عاجزاً عن تحمّل أعباء المواجهات العسكرية مع العصابات المتطرفة والجماعات الانفصالية.

وبالعودة إلى زلزال 6 شباط، فإن الدولة السورية سعت منذ اللحظات الأولى لتنقية ثوبها من تهمة التمييز، فحسب تصريحات السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، فإنه «لن يكون هناك أي تمييز، وستصل الإمدادات لمن يحتاجونها بغضّ النظر عما إذا كانوا من أنصار الحكومة أو المعارضة»، لكن البيت الأبيض وعواصم أوروبا المقربة منه لا يعتمدون هذا المبدأ السوري العادل في تعاملاتهم، بل أصبحت «الرؤية الإنسانية» خاضعة للهوى السياسي.

كانت صور الضحايا كفيلة بإثارة الرأي العام بالعديد من المناطق حول العالم حتى داخل القارة العجوز ذاتها ما تسبب في موجة رفض لسياسات القادة الأوروبيين القائمة تجاه سورية، ما ورّطهم في مواقف حرجة أمام الصحافة العالمية، الأمر الذي حدا بمبعوث الاتحاد الأوروبي إلى سورية دان ستوينيسكو لـ«مطالبة النظام السوري بعدم تسييس قضية المساعدات الإنسانية»، واعتبر هذا التصريح نوعاً من المراوغة الإعلامية والتهرب من مواجهة الحقائق.

في الأيام الأولى التي تلت الزلزال، تحدثت التقارير الإخبارية عن شحنة مساعدات إيطالية إلى الحكومة السورية، وأوضح القائم بأعمال السفارة في دمشق «أن الشحنة تزن 30 طناً حيث تشمل أربع سيارات إسعاف و13 حاوية من المعدات الطبية»، واعتبرت هذه المبادرة الإيطالية أول مساعدة أوروبية بعد الزلزال للشعب السوري.

ثم في السادس والعشرين من شهر شباط، وصلت إلى مطار دمشق طائرتان تحملان مساعدات إغاثية وطبية من دول الاتحاد الأوروبي، وتحدث مدير مكتب العمليات الإنسانية للاتحاد الأوروبي في سورية لويجي باندولفي عن مجالات التعاون مع منظمة الهلال الأحمر، وأن هناك 15 دولة أوروبية أرسلت مساعدات إلى سورية.

في الحقيقة، ثمة تراخٍ كبير لدى المجتمع الدولي عن دعم سورية، وما أعلن عنه المسؤولون الأوروبيون وما تم تقديمه من الاتحاد الأوروبي ليس سوى محاولة لدفع تهم التقصير التي لاحقتهم، حيث كان اللائق بالعواصم الأوروبية الوازنة مثل باريس وبرلين أن تتحرر ولو قليلاً من نفوذ البيت الأبيض، ومن ثم تتخذ خطوات أعمق باتجاه مساندة دمشق، لكي تتمكن مؤسسات الدولة العاملة من عبور الأزمة الحالية، وهذا لن يتحقق عبر تصريحات فضفاضة أو مساعدات موسمية، بل يتحقق على المدى القصير بتوجيه أكبر كم من المعونات لإعانة المنكوبين من جراء الزلزال، أما على المدى البعيد فيتحقق عبر إعادة دمج سورية في المجتمع الدولي ورفع الحصار عنها.

كاتب من مصر

اقرأ أيضاً:

غرب لا يعرف الإنسانية.. و«معارضة» وقحة!

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار