ممنوع إغاثة السوريين؟!
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
لا يمكن فهم العدوان الإسرائيلي على مطار حلب الدولي، يوم الثلاثاء الماضي، وإخراجه عن الخدمة، إلّا في سياق واحد فقط، وضمن الهدف الأمريكي نفسه: ممنوع إغاثة الشعب السوري.. فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية اضطرت مرغمة لاتخاذ «ربع إجراء تحت مسمى تخفيف العقوبات للسماح بمرور المساعدات لمنكوبي زلزال 6 شباط الماضي، فإنها لا تريد بالمقابل أن يدخل «ربع الإجراء» هذا، حيز التنفيذ.. والجرائم التي لا تريد اقترافها بيديها تحيلها إلى «إسرائيل».
لم يكن خافياً على أحد أن مطار حلب الدولي هو شريان رئيسي – إلى جانب مطاري دمشق واللاذقية – لاستقبال المساعدات الإنسانية لمنكوبي الزلزال، مطار حلب كان يستقبل يومياً نحو 30 رحلة جوية من دول عربية وأجنبية، تحمل مواد إغاثية يتم توزيعها على مختلف مناطق حلب المنكوبة، وغير خافٍ على أحد أن هذا الاعتداء يمثل انتهاكاً صارخاً لاتفاقية شيكاغو الموقعة عام 1974 التي تنص على تجريم الاعتداء على مطارات مدنية، فكيف إذا كانت هذه المطارات مخصصة لاستقبال مواد إغاثية عاجلة لمساعدة مئات آلاف المنكوبين من زلزال السادس من شباط؟!
لا ينفصل العدوان الإسرائيلي على مطار حلب عن الأجندة الغربية اللا إنسانية في سورية.. والجرائم التي لا تريد أمريكا اقترافها بيديها تحيلها إلى “إسرائيل”
ولم تكن خافية جملة المشروعات الإنسانية التي بدأها كلٌّ من العراق والإمارات في حلب، ومنها بناء مساكن مؤقتة للمتضررين، مع استمرار جسر الإغاثة الجوي والبري لنجدة أهل المدينة.. وغير خافٍ أن مطار حلب الدولي هو في قلب هذه المشروعات التي ستتوقف بفعل العدوان الإسرائيلي على المطار وإخراجه من الخدمة.
هذا العدوان هو الثاني بعد كارثة الزلزال «الأول كان على مناطق سكنية في دمشق في 19 شباط الماضي وأسفر عن استشهاد خمسة مدنيين وإصابة 15 آخرين».. ومن المؤكد أنه ما كان للكيان الإسرائيلي أن يتجرأ على الاعتداء مرتين على الشعب السوري ومنكوبيه لو لم يكن مطمئناً لرد الفعل الغربي «الدولي» على اعتداءات كهذه، رغم أننا في لحظات ما، اعتقدنا أنه لا يمكن للكيان الإسرائيلي أن يتجرأ على الاعتداء فيما الشعب السوري لا يزال تحت صدمة الكارثة وفيما لا تزال حملات التضامن الشعبية العالمية في ذروتها بهدف مساندة سورية والدفع بأميركا لرفع الحصار والعقوبات عنها.. أيضاً- وفي لحظات ما – اعتقدنا أنه إذا ما تجرأ الكيان الإسرائيلي على الاعتداء، فإنه لا بدّ أن يكون هناك رد فعل دولي، أو إدانة من نوع ما، ولو بالحد الأدني، أو كانت تكفينا إشارة.. ولكن هذا لم يحدث، وعليه لن تتورع «إسرائيل» عن الاعتداء مجدداً.
في تقرير أصدره قبل أيام، اعتبر البنك الدولي أن حلب من أشد المحافظات السورية تضرراً من كارثة الزلزال، حيث سجلت فيها 45% من مجمل الأضرار التقديرية «2.3 مليار دولار» بينما قُدّر، بشكل مبدئي، حجم الخسائر الاقتصادية في أربع محافظات سورية ضربها الزلزال «حلب وحماة وإدلب واللاذقية» بنحو 5.1 مليارات دولار، حسب البنك الدولي.. ثم يأتي العدوان الإسرائيلي ليضاعف حجم المأساة ويعمّق محنة المنكوبين.
العدوان الإسرائيلي على مطار حلب يمثل جريمتين في آن، جريمة الاعتداء على دولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة ومنظماتها، وجريمة الاعتداء على منكوبي الزلزال بحرمانهم من الإغاثة والمساعدات.. هل هناك ما هو أكثر همجية وانحطاطاً.. وهل هناك ما هو أسوأ وأفظع من أن يقف المجتمع الدولي من دون إدانة هذه الجريمة المزدوجة؟
أكثر من كل ما سبق، بدا الغرب، بجانبيه الأمريكي والأوروبي، وكأنه لم يسمع بالعدوان الإسرائيلي على مطار حلب الدولي، رغم أنه للمرة الأولى تسجل الفضائيات التي تدور في فلك الغرب، أو تلك التي تتبنى إعلامياً من تسمى بـ«المعارضة».. تسجل ارتباكاً في التعامل مع هذا العدوان، وفيما كانت في السابق وحتى العدوان الأخير في 19 شباط الماضي، ما قبل العدوان على مطار حلب، تستفيض في عرض المبررات والمسوغات في سياق تطورات المنطقة وما يسمى غربياً وإسرائيلياً «الخطر الإيراني».. لم تجد اليوم ما تبرر به.. أي تبرير سيبدو فاقعاً بصورة مخزية جداً.. فأي تبرير يمكن أن تقدمه هذه الفضائيات، وأي إسقاطات يمكن أن تعتمدها فيما لا تزال جراح السوريين بكليتهم، من أصابته كارثة الزلزال ومن لم تصبه.. مفتوحة؟
هذا هو الغرب، وهذه هي «إسرائيل» وهذه هي إنسانيته التي يُحاضر فيها.. ثم يريدنا أن نصدقه، ونصدق أنه حمامة سلام ترفرف بين دولنا وتنشد الخير لشعوبها.
كاتب من العراق
اقرأ أيضاً:
العقوبات تقتل السوريين مجدداً.. قراءات في المشهد الغربي للزلزال