هل تمحو الزلازل آثار القنابل؟
تشرين- د. عماد خالد الحطبة:
منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الزلزال الذي ضرب سورية، شهد العالم العربي ردات فعل شعبية ورسمية واسعة النطاق، إن كنّا قد تعودنا على ردات الفعل الشعبية المؤيدة لسورية بعد أن اكتشف الشارع العربي حقيقة المؤامرة التي وقفت خلف الحرب الظالمة التي تعرضت لها سورية بتدبير أطلسي – صهيوني وبأيدٍ إرهابية ورجعية عربية، بعد أن تعودنا ذلك، جاءت ردة الفعل الرسمية التي انطلقت من الجزائر وتبعتها العراق والإمارات وتونس، ثم الأردن الذي بادر ملكه للاتصال بالرئيس بشار الأسد، ثم زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق، والوفد البرلماني العربي، وزيارة وزير الخارجية المصري، وحراكات على جميع المستويات الإغاثية والسياسية كلها تقول إن هناك تغييراً حقيقياً في الموقف الرسمي العربي تجاه سورية.
الموقف الجزائري الذي لم يكن جديداً عليها، إلّا أننا عرفنا أن الدولة الجزائرية لم تأخذ إذناً من أحد عندما أرسلت الموجة الأولى من المساعدات إلى مطار دمشق، وهو ما أكده تكريم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للطيارين الجزائريين الذين اخترقوا الحصار وحطوا في مطار دمشق، عملياً كسرت الطائرات الجزائرية الحصار منذ اليوم الأول.
الحراك العربي تجاه دمشق حاجة متبادلة للطرفين السوري والعربي، وهو يدعو إلى التفاؤل مع ضرورة الحذر من الضغوط الأميركية
الإمارات مستمرة في لعب دور يتناقض مع السياسة الرسمية الأميركية، فالطائرات الإماراتية وصلت إلى مطار دمشق قبل بيان وزارة الخزانة الأميركية، وقدمت الإمارات نسبة كبيرة من المساعدات الإنسانية لمنكوبي الزلزال، وهي مستمرة في العمل مع حديث عن المساهمة في عملية إعادة الإعمار، وهو حديث وإن كان لا يزال في مرحلة باكرة إلّا أنه يشير إلى أن المسار الذي بدأ مع عودة العلاقات بين البلدين يتطور بشكل تصاعدي.
انضمت تونس إلى مجموع الدول التي كسرت الحصار وبادر رئيسها إلى الطلب من وزير خارجيته العمل على رفع مستوى التمثيل السياسي في دمشق، ما يشير إلى ذهاب تونس نحو إعادة علاقاتها الدبلوماسية كاملة مع دمشق، علما بأنها تمتلك بعثة دبلوماسية تقوم بأعمال السفارة منذ عام 2017.
الموقف الأردني، وهو الأهم برأيي، أبدى تطوراً ملحوظاً سواء بالاتصالات المباشرة بين زعيمي البلدين، أو بالزيارة المهمة لوزير الخارجية الأردني التي وضعت تحت عنوان المساعدة في حلّ الأزمة في سورية، الحدود بين الأردن وسورية هي النقطة الحقيقية لكسر الحصار الأطلسي الجائر، فعلى الرغم من أهمية المساعدات التي مرت عبر الحدود العراقية واللبنانية مع سورية، إلا أن وجود حلفاء قريبين من سورية في موقع القوة في البلدين يجعل دور هذه المساعدات في فكرة كسر الحصار محدوداً، جبهة كسر الحصار هي المطارات السورية، والحدود البرية مع الأردن، وكل شاحنة أو وفد سياسي أو شعبي يمر عبر هذه الجبهة يساهم في زيادة الضغط على حلف الأطلسي لكسر الحصار على سورية.
مصر تدرك تماماً أن الولايات المتحدة والعدو الصهيوني قد حددوا هدفهم بإضعاف المؤسسة العسكرية المصرية، لقد تعلم هؤلاء درس التاريخ الذي يقول إنه مهما ساءت أحوال مصر فإن وجود جيش مصري قوي يمنع المخططات الخارجية من تحقيق أهدافها، آخر الدروس كان إسقاط الجيش المصري لمؤامرة الربيع الإخواني – الصهيوني، الحرب على مصر اقتصادية بالدرجة الأولى، ومصر اليوم بحاجة إلى سند سياسي قوي لمواجهة المخطط الجديد، وتمثل سورية والعراق هذا الظهير الضروري، لذلك كانت الخطوات المصرية باتجاه العراق قبل بضعة أشهر، وخطوات مصر المتسارعة نحو إغاثة سورية بما في ذلك اتصال الرئيس السيسي بالرئيس الأسد وزيارة سامح شكري وزير الخارجية المصري إلى دمشق.
الحراك العربي تجاه دمشق حاجة متبادلة للطرفين السوري والعربي، وهو يدعو إلى التفاؤل، مع ضرورة الحذر من الضغوط الأميركية التي تسعى لتمرير الأشهر الستة التي أجبرت على تعليق العقوبات خلالها، والعودة إلى الحالة السابقة، للحيلولة دون تحقيق دمشق أي إنجاز سياسي، ما زالت العقوبات مفروضة على التعامل البنكي مع سورية، فمن الصعوبة بمكان تحويل أي مبالغ مالية لأي جهة سورية مرتبطة بالدولة بما في ذلك الهلال الأحمر السوري الذي يعدّ جزءاً من منظمة الصليب والهلال الأحمر الدولي، كما تمنع البنوك في معظم دول العالم من فتح حسابات لجمع التبرعات لغايات المساعدات الإغاثية لسورية.
لا بدّ من حراك شعبي يواكب الحراك السياسي الرسمي للضغط باتجاه رفع العقوبات عن سورية بشكل كامل، على الأقل على المستوى العربي، ولا بدّ من الضغط على الحكومات المنخرطة في عمليات الإغاثة لإعادة سفرائها إلى دمشق وبشكل خاص مصر وتونس.
ما زالت رحلة كسر الحصار بحاجة إلى الكثير من النضال، لكن الخطوات الأولى تذهب بالاتجاه الصحيح، ما يدعونا للتفاؤل بإمكانية عودة العرب إلى سورية والبدء بحل الأزمة من جذورها، وليس نتائج الزلزال وحدها.
كاتب من الأردن
أقرأ أيضاً: