المطبخ السياسي يعيد ترتيب العلاقات الدبلوماسية.. نسج لخيوط المستقبل بمبادرات عربية

تشرين- بارعة جمعة:

لم يُخطئ العرب الطريق، فالعودة كانت مباركة ومنتظرة من الجميع..لا يمكن لسورية الاستمرار من دون محيطها العربي، والعرب أيضاً لا يمكنهم الاستمرار أكثر من دونها، وهي مثال الأمان والاستقرار للجميع.

سنوات من الانتظار والزيارات، ترجمتها زيارة رؤساء البرلمانات العربية منذ أيام، حاملين معهم ما يبشر بالخلاص، بعد سنوات التوتر والخلاف، فدمشق اليوم تفتح أبوابها للجميع وترحب بمن يأتيها.

تضامن وإخاء

معانٍ عدة حملها وزير الخارجية المصري سامح شكري في زيارته إلى دمشق، وصفها الخبير في العلاقات الدولية والمُحاضر في معهد جنيف لفض المنازعات الإقليمية التابع لجامعة الدول العربية الدكتور حامد فارس من مصر، برسائل تضامن من الشعب المصري لشعبين شقيقين في المحنة، التي أصابت كلّاً من تركيا وسورية مؤخراً، ما جعل آثارها الإنسانية والاقتصادية انعكاساً على مجمل الأوضاع.

هذه الزيارة، برأي فارس، هي نقطة انطلاق لعودة العلاقات السورية-التركية مع جمهورية مصر العربية، ولاسيّما أنها الزيارة الأولى بعد 12 عاماً، وقد سبقتها زيارة وزراء خارجية كلٍّ من الإمارات والأردن ومن ثمّ وفد البرلمان العربي ولقائهم السيد الرئيس بشار الأسد، وهنا يشير فارس إلى دلالات هذه التحركات العربية التي تحمل تغييراً واضحاً في الموقف العربي تجاه سورية، والذي بدوره سيعكس رغبة متزايدة منهم بعودتها إلى الحضن العربي وتنسيق المواقف العربية لعودتها مرة أخرى إلى الجامعة العربية.

كما أنه من خلال دور مصر الريادي والمحوري في المنطقة، ستسعى بدورها للعمل على حلحلة الأزمة السورية عبر تنسيق المواقف مع الأشقاء العرب، برأي فارس، فالمقاطعة العربية لن تستمر، والأمن القومي العربي يحتّم عدم ترك سورية فريسة لقوى إقليمية ودولية تستغلها ورقة ضغط في بعض الملفات الأخرى، وبما لا يتماشى مع رؤية مصر الاستراتيجية والمتزنة، التي تسعى من خلالها لتصفير المشكلات في المنطقة العربية، وحلّها بما يتوافق مع صون الأمن القومي العربي.

خطوات مسبقة

ما نراه اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة زيارات سابقة كان للزلزال «الفضل» في تسريع وتيرتها، وفق رؤية عضو مجلس الشعب نضال مهنا، كما أن المطالب السابقة من دمشق سواء  بالإصلاح أو الديمقراطية وتعديل الدستور والحوار السياسي سيتلاشى الحديث عنها تدريجياً وهي الشعارات المزعومة التي انطلقت لاستهداف سورية ومحاصرتها، وهي بكل الأحوال ليست السبب الأول للقطيعة والحرب والحصار، كما تم طرحها من خارج المنطقة العربية وهي قابلة للاستخدام ضد أي دولة عربية أداة للتغيير والفوضى.

أيضاً.. ما نراه اليوم من تحولات سريعة تحمل في الجزء الأكبر منها وجدانيات وأخلاقيات وعواطف إنسانية مشتركة، فيما يبقى في جزء منها طابع المصالح المرتبطة بتغير المزاج الشعبي والرسمي، والرغبة بإنهاء حرب مدمرة ومن ثم رصّ الصفوف في وجه التهديدات والمخاطر والزلازل الأمنية والثقافية الاجتماعية والمصرفية والاقتصادية التي تهدد الأمن القومي برمته، برأي مهنا.

وتابع مهنا: ما لا يمكن الحياد عنه أيضاً هو رغبة سورية من أشقائها العرب بالعمل مجتمعين لوقف هذا النزيف الحاد الذي أدى إلى تدهور الحالة العربية أمنياً وسياسياً واقتصادياً، لذا فمن الضروري البحث عن نقاط القوة المشتركة، وهذا الذي أكده الرئيس الأسد في لقائه مع وفد البرلمان العربي، والمطلوب اليوم من الأسرة العربية، هو كسر الحصار عبر الدبلوماسية البرلمانية والشعبية والسياسية، باعتبار أن العقوبات تؤثر في الدول المحيطة بها، وبحكم أن المتضررين من الزلزال الجغرافي هم نفسهم المتضررون من زلزال الإرهاب.

مطالب مشروعة

تكمن الحنكة السياسية اليوم في تناول هذه المبادرات ضمن خطوط التمسك بمبادئ الحوار، التي ما زلنا اليوم متمسكين بها، قيادة وحكومة وشعباً، وفق رؤية الأستاذ في القانون الدولي الدكتور أوس درويش، التي تؤكد عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري والقرارات الاستراتيجية وفي مقدمتها مسألة إيران، لكون الشراكة معها استراتيجية وقديمة منذ عام 1979.

العودة العربية إلى دمشق لها دلالاتها- برأي درويش- الذي عدّ الزيارة الأخيرة لوفد البرلمان العربي – إضافة لزيارة محمد الحلبوسي ممثلاً العراق، الذي لم يقطع علاقاته مع سورية رغم الحرب.. هذه الزيارة كانت بمنزلة تتويج لعلاقات مشتركة في الفترة الماضية.

وأشار درويش إلى اقتران زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري بالسعودية، معتبراً أنه اقتران غير صحيح، باعتبار مصر تتجه اليوم لأخذ دور سياسي عربي/ خارجي مستقل، وهو ما يعطي هذه الزيارة دلالة قوية للقرار الاستراتيجي الصحيح من الحكومة المصرية، الذي إن تأخر فإنه سيُبنى عليه الكثير، قياساً بدور مصر كدولة محورية كبرى بالمنطقة.

الجميع اليوم باستثناء قطر يرغب بالعودة إلى سورية التي ستصطدم بمطبات في مقدمتها الضغوط الأمريكية، ومن خلفها العدو الإسرائيلي. رغم ذلك لا تزال التوقعات تحمل الكثير من بشائر الخير في قادمات الأيام.

أقرأ أيضاً:

هل تمحو الزلازل آثار القنابل؟

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار