سورية.. السعودية.. الجامعة العربية

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:

مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية، تبرز مع كل زيارة عربية إلى دمشق، كان هذا هو الحال خلال السنوات الخمس الماضية منذ أن أعادت دولة الإمارات افتتاح سفارتها في دمشق عام 2018، الإمارات كانت أول من فتح الباب رسمياً للحديث عن هذه العودة، علماً أن هذه المسألة لم تفارق كواليس الاجتماعات والمؤتمرات والقمم العربية ولطالما كانت موضوعاً شائكاً وخلافياً وضاغطاً.

اليوم تبرز مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية بزخم طاغٍ مع توالي الزيارات العربية. وبشكل عام يُنظر إلى هذه العودة باعتبارها الحلقة الأخيرة في مسار عودة العلاقات السورية -العربية، هذا في حال وصل مسار الحراك العربي تجاه دمشق إلى خواتيمه السعيدة.

ورغم أنه من المبكر جداً الحديث عن القمة العربية المقبلة، التي ستستضيفها السعودية نهاية آذار من العام المقبل 2024 إلّا أن كل ما يجري حالياً على مستوى العلاقات السورية – العربية يتم ربطه بها من جهة، وبالسعودية من جهة أخرى.. علماً أن أياً من الزائرين العرب، مسؤولين أم وفوداً، لم يتطرقوا- في أي تصريح لهم- إلى هذه المسألة باستثناء تعليق من وزارة الخارجية المصرية على لسان المتحدث باسمها أحمد أبو زيد.

أبو زيد قال: إنّ زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى  سورية كانت لتأكيد الدعم والتضامن وتقديم المواساة للشعب السوري «لأنه في المحن تظهر معادن الشعوب والدول»، مضيفاً: إنّ لقاء الوزير شكري مع السيد الرئيس بشار الأسد «لم يتطرق إلى مسألة عودتها إلى الجامعة العربية»، لكن أبو زيد نفسه استطرد في رد على سؤال حول إمكانية زيارة الرئيس الأسد إلى مصر بالقول: إنّ اللقاء لم يتطرق إلى هذه المسألة.. لكن كل شيء وارد في العمل الدبلوماسي، بكل تأكيد.

 لا ننكر تمنياتنا وآمالنا بأن يكرس أكثر فأكثر مشهد التضامن العربي الذي شهدناه في دمشق لينتقل بصورته الأفضل والأكثر فاعلية إلى الجامعة العربية

كلام أبو زيد جاء خلال اتصال هاتفي عبر فضائية «صدى البلد» المصرية يوم الإثنين الماضي.. وبناء عليه وإذا كان كل شيء وارداً في العمل الدبلوماسي فإنّ عودة سورية إلى الجامعة العربية واردة جداً.

غياب التصريحات حول هذه المسألة لا يعني أنها ليست قيد التداول والطرح، ولنا في القمة العربية التي عقدت في الجزائر، أول تشرين الثاني الماضي، خير مثال.

المحللون لا يتركون شاردة ولا واردة تفلت منهم، منهم من يرى أن مقعد سورية لن يكون شاغراً في القمة العربية المقبلة، ومنهم من يرى أن هذه القمة ستشهد إعلاناً عن هذه العودة كمرحلة أولى، على أن تكون سورية حاضرة في القمة التي تليها.

هذه المسألة لا تبدو مرتبطة بما يُقال عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق خلال الأيام القليلة المقبلة، يبدو أن هناك «قراراً عربياً» مُتخذاً بخصوص العودة، أو سيتم اتخاذه في المدى المنظور وبصرف النظر عن كثير من الاعتبارات التي كانت سائدة في المرحلة الماضية.

في 14 شباط الماضي، عندما هبطت أول طائرة مساعدات سعودية في مطار حلب الدولي، حاملة مساعدات إغاثية لمنكوبي الزلزال في سورية، بعد أكثر من عقد على انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرياض.. انطلق الجميع في إثر هذا التطور الذي عُدّ على نطاق واسع أنه تطور فارق، بمستويات متعددة، على صعيد مسار الانفتاح العربي على سورية. وعندما بدأت التسريبات حول زيارة مرتقبة لفيصل بن فرحان إلى دمشق، بات الحديث عن العودة العربية إلى الجامعة العربية أكثر قوة وثباتاً رغم أنه لا تصريحات رسمية حول ذلك حتى الآن.

هنا لا بدّ من سؤال: لماذا كل هذا التركيز على القمة العربية المقبلة؟ وهل ينطلق ذلك من كونها ستعقد في السعودية؟

لا شك في أن انعقاد القمة العربية في السعودية يقف بدرجة كبيرة وراء هذا التركيز لعدة نواحٍ:

– لما للسعودية من ثقل على الساحة العربية، ولأن العام الماضي شهد خريطة جديدة للسياسات السعودية في الإقليم وعلى المستوى الدولي ترتبط بشكل أساسي بجملة التطورات العالمية وعلى رأسها الحرب الأوكرانية التي دخلت في 24 شباط الماضي عامها الثاني.

– من خلال تتبع تلك الخريطة يمكن ملاحظة رغبة السعودية بأن تكون «قمتها» قمة جامعة موحّدة للصف العربي، وهنا لا بدّ من أن تحضر سورية وبقوة.

– أيضاً.. من خلال تصريحات وزير خارجيتها فيصل بن فرحان- في أكثر من مناسبة خلال شهر شباط الماضي– يبدو أن السعودية ستركز جهدها في المرحلة المقبلة على مقاربة جديدة للحل في سورية، حسبما يُفهم من تصريحات ابن فرحان حيث قال: «هناك إجماع يتزايد – ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي- بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن في سورية غير قابل للاستمرار.. نحن نعمل مع شركائنا لإيجاد طريقة جديدة للتعامل مع الحكومة السورية وهذا سيتطلب تحركات ملموسة نحو حلٍّ سياسي».

– هناك تسريبات تتحدث عن أن العلاقات السورية – السعودية ستنتقل إلى «مستوى جديد مهم» من التواصل والتنسيق، وهناك حديث عن أن القمة العربية قد يتم تأجيلها إلى حين اكتمال هذا الانتقال.. وإذا ما تحقق ذلك فقد نشهد عودة سورية إلى مقعدها في القمة العربية المقبلة من دون انتظار للقمة التي تليها.

ربما لا يجوز لنا استباق الأمور، فكل ما يُقال هو قيد التسريبات، لكننا لا ننكر تمنياتنا وآمالنا بأن تترجم هذه التسريبات إلى واقع، ويتكرس أكثر فأكثر مشهد التضامن العربي الذي شهدناه في دمشق لينتقل بصورته الأفضل والأكثر فاعلية وتأثيراً إلى القمة العربية المقبلة.

كاتب من العراق

أقرأ أيضاً:

المطبخ السياسي يعيد ترتيب العلاقات الدبلوماسية.. نسج لخيوط المستقبل بمبادرات عربية

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار