منع انهيار النظام الأحادي.. مهمة أمريكية مستحيلة

تشرين- ميشيل كلاغاصي:
قبيل انتهاء عام 2022، تحدث ميخائيل أوليانوف، الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا، عن إنشاء مثلث جديد في الدبلوماسية الدولية، باتت تشكله كل من الصين وإيران وروسيا، وأن بعثاتها الدائمة أجرت مشاوراتٍ ثلاثية مثمرة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأشار إلى إمكانية توسع هذه الصيغة في ظل وجود عديد الدول المؤيدة لعالمٍ متعدد الأطراف، في وقتٍ أكد فيه وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره الروسي سيرغي لافروف على هامش قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا مؤخراً، استعداد بكين للعمل مع روسيا وغير دول لتعزيز تعددية الأقطاب في العالم «بشكلٍ حاسم».
تبدو عملية التوحيد هذه مبدئية ومنطقية ولا رجعة عنها، على خلفية حاجة العالم للابتعاد عن هيمنة وإملاءات الولايات المتحدة، ومحاولاتها المستمرة لفرض «قواعدها»، التي تشكل أساس النظام الأحادي، إضافة إلى العلاقات الوثيقة التي ربطت دول المثلث الجديد عبر السنوات والعقود، واجتماعها على معارضة الهيمنة الأمريكية في العالم، ومقاومة عقوباتها غير القانونية ضد الدول المستقلة أو الراغبة بالخروج عن «العباءة» الأمريكية.
يبدو توافق بكين وموسكو وطهران، واتجاهها نحو الاتحاد من أجل التنمية، يعتمد إلى حد كبير على الوضع في أوراسيا والقارة الآسيوية بشكلٍ عام، وتؤكد المشروعات الكبرى، التي نفذتها تلك الدول في السنوات الأخيرة، مدى صحة وأهمية «الاهتمام المشترك» الذي تحدث عنه أوليانوف، بدءاً من خطوط طريق الحرير، وإنشاء ممرات النقل بين الغرب والشرق والشمال والجنوب، وتوسيع البنى التحتية الأساسية لنقل البضائع براً، خصوصاً بعدما حاول الغرب قطع وإبعاد طرق التجارة الغربية عن روسيا وإيران.
لقد باتت الحاجة ماسّة للاعتماد على طريقٍ تجاري أوراسي جديد، بعيداً عن قبضة «ناتو»، الأمر الذي منح ممرات آسيا الوسطى أهمية مضاعفة، بهدف استمرار اتصالها بأنظمة وطرق التجارة العالمية.
كانت إيران، التي تعرضت للعقوبات الدولية على مدى أربعة عقود، من أوائل الدول التي أدركت أن أوراسيا ستحتاج عاجلاً أم آجلاً إلى طريق نقل بري، في ظل التهديد الذي تتعرض له الملاحة البحرية من واشنطن وحلفائها وأدواتهم، كذلك هي الحال بالنسبة للصين، التي باتت تتعرض للعقوبات الأمريكية والغربية، ناهيك بالتهديدات العسكرية المباشرة من البوابة التايوانية، في حين تبقى روسيا غنيةً عن التعريف وهي التي باتت تحتل المرتبة الأولى في لوائح العقوبات الأمريكية والغربية من البوابة الأوكرانية.
وعليه يبدو تطوير طرق النقل الأوراسية – الآسيوية، بمنزلة الرد المباشر لكل من روسيا وإيران والصين على السياسة العدوانية للولايات المتحدة والغرب وتهديداتهما الدائمة، التي تترجمها بالعدوان الخارجي والداخلي على إيران والصين، وبالحرب الأطلسية على روسيا.
لكن وعلى العكس من ذلك، يبدو أن الضغوط والحصار والعقوبات الأمريكية والغربية، ساهمت في تعزيز العلاقات الثلاثية وبناء التعاون المتبادل المنفعة، كذلك أدت من حيث النتيجة إلى إبطال مفاعيل العقوبات الغربية على الدول الثلاث، ودفعها نحو المزيد من التكامل التجاري والاقتصادي والسياسي وحتى العسكري، كما أنه ساعدها بشكل فاعل على الانضمام إلى الجهود الدولية الساعية لتوطيد السلام في المناطق الساخنة في أوراسيا والشرق الأوسط والخليج والمنطقة العربية.
وصبّ هذا التعاون جهوده على رفض واستئصال الإرهاب الدولي المنظّم، وبمساعدة الدول التي تتعرض للإرهاب لمحاربته والتخلص منه كسورية، إضافة إلى جهوده في منع نشوب الصراعات في القوقاز وأفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، ومساعدة دول وشعوب المثلث الأوراسي – الآسيوي على النهوض الاقتصادي والمشاركة فيه.
وفي هذا الصدد، تبذل الصين وروسيا وإيران، الجهود الضرورية لتسريع عملية التعاون العالمي، الذي سيشكل عنواناً رئيساً لعالمٍ جديد متعدد الأقطاب، والذي لا بد من أن تتطلع إليه الدول الأوروبية أيضاً، لكنها لا تزال غارقة في ورطتها القديمة – الجديدة، وتبعيتها لـ«السيد» الأمريكي.
أخيراً.. تعكس سياسة الإدارة الأمريكية مؤخراً تخبطها الواضح، ولم تعد تستطيع إخفاء هزائمها السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولن يكون بمقدورها الاستمرار بإمساك حلفائها وعديد الدول من رقابها كما فعلت على مدى أكثر من ثلث قرن، كما لم تعد تستطيع إخفاء ضعف مقاومتها لانهيار النظام الأحادي، وتبدو مهمتها أشبه بالمستحيلة، كما أن ملامح النظام العالمي المتعدد الأقطاب بدأت بترسيخ أقدامها، مع تنامي التعاون بين إيران وروسيا والصين، وهذا ما بدا جلياً من خلال تكثيف العلاقات والاتصالات والاتفاقات بين تلك الدول، إضافة إلى تكثيف الزيارات المتبادلة، ولن تكون آخرها زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الصين والقمة التي جمعته بالرئيس شي جين بينغ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار