ترانسنيستريا- مولدوفا.. الغرب يسعى إلى توسيع ميدان أوكرانيا
تشرين- مها سلطان:
دائماً ما يتهم الغرب روسيا بالسعي إلى توسيع حرب أوكرانيا، ويحدد ثلاث جهات رئيسة، القرم، بولندا، مولدوفا، لكن المتتبع للتحركات الميدانية «التسليح الغربي» والتهديدات التي يطلقها متزعم أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي والتحريض الذي يبثه الغرب ضد روسيا، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الغرب هو من يسعى إلى توسيع ميدان أوكرانيا.
أمس السبت أطلق زيلينسكي تهديداً جديداً ضد شبه جزيرة القرم، مُعلناً أن هناك استعدادات عسكرية لشن هجمات عليها، فيما كشفت صحيفة «التايمز» البريطانية يوم الجمعة الماضي، أن صواريخ بريطانية ستستخدم لاستهداف القرم.
يأتي ذلك بعد تحريض أميركي صريح على لسان وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، قبل أسبوع، أكدت فيه أن بلادها «تدعم توجيه ضربات أوكرانية ضد المنشآت العسكرية في شبه جزيرة القرم» واعتبرتها «أهدافاً مشروعة لنظام كييف».
طبعاً تهديدات زيلينسكي ليست جديدة، فهو يطلقها منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لكن ذلك التصريح الأميركي هو الأول من نوعه لكونه الأكثر إعلاناً وصراحة عن دور أميركا في إدامة الحرب وتأجيجها، بهدف الاستثمار فيها إلى أقصى حد، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، هذا ليس اتهاماً أو ادعاء، بل هو مثبت بالدلائل والوقائع، حتى إن حلفاء أميركا الأوروبيين يفضحون هذا الاستثمار، فكثير من وسائل الإعلام الأوروبية تنشر بالأرقام حجم الاستثمار الأميركي في حرب أوكرانيا، وتشير إلى أن الشركات الأميركية، خصوصاً شركات الطاقة والحبوب، هي الأكثر ربحاً.. وعليه يمكننا فهم تحذيرات المحللين والمراقبين حول أن حرب أوكرانيا ستطول لسنوات وسنوات.
وضمن سعي أميركا وحلفائها لتوسيع ميدان أوكرانيا، تبرز مولدوفا، لتنضم إلى حملة التحريض الغربية ضد روسيا، حتى إنها كانت ضمن أهداف زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أوكرانيا يوم الثلاثاء الماضي (الأهداف غير المباشرة) باعتبارها ضمن الحلف الغربي في حرب أوكرانيا.
في الغرب يتحدثون عن مولدوفا باعتبارها «الجبهة الأخرى في حرب بوتين» ولا بد من دعمها باعتبارها «الجارة الاستراتيجية» لأوكرانيا، ويزعمون أن روسيا تتحضر لاستهدافها عبر ترانسنيستريا «الاسم الرسمي: بريدنيستروفيه المولدوفية».
طوال الأسبوعين الماضيين كان اسم ترانسنيستريا حاضراً في الحدث الأوكراني، وقبل أن نستطرد في الحديث حولها نعرض بعض المعلومات حولها:
– ترانسنيستريا.. جمهورية شبه رئاسية غير معترف بها لكنها مستقلة بحكم الواقع ولها حكومتها وبرلمانها وجيشها وشرطتها وعملتها ونظامها البريدي، ولها دستور وعلم ونشيد وطني.
– تقع شرقي نهر دنيستر، على طول حدود مولدوفا مع أوكرانيا، مساحتها 4163 كم2 «من أصل 33851 كم2 هي مساحة مولدوفا.. ومولدوفا دولة مغلقة من دون بحر ومحاطة بأوكرانيا ورومانيا وتعتمد عليهما في التجارة وعمليات الاستيراد والتصدير، سكان ترانسنيستريا قرابة 500 ألف نسمة، معظمهم روس، وعاصمتها تيراسبول.
– أعلنت ترانسنيستريا استقلالها عن مولدوفا من جانب واحد بالتزامن مع إعلان مولدوفا استقلالها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.. وعقب الاستقلالين اندلعت حرب قصيرة بين الجانبين انتهت بهدنة في عام 1992 وإرسال قوات سلام من ضمنها 1500 جندي روسي.
– في عام 1993 بدأت محادثات لحل أزمة منطقة ترانسنيستريا تحت مظلة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وفي السنوات الأخيرة كانت تتم مناقشة قضية مولدوفا ومنطقة ترانسنيستريا في إطار ما يُسمى «صيغة 5+2» بمشاركة مولدوفا وترانسنيستريا، مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، من دون إحراز تقدم، وتصنف ترانسنيستريا حالياً ضمن مناطق «النزاعات المجمدة» في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق «كما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية على سبيل المثال».
– إعلان ترانسنيستريا الاستقلال جاء تحسباً لانضمام مولدوفا إلى رومانيا وإلحاق ترانسنيستريا بها خلافاً لإرادة الروس الذين يمثلون 60% من سكان ترانسنيستريا.
– في عام 2006 أجرت ترانسنيستريا استفتاءً شعبياً، طُلب فيه من السكان الاختيار بين مستقبل داخل مولدوفا أو الاستقلال، يليه الانضمام إلى الاتحاد الروسي، وكانت نتيجة التصويت لمصلحة الانضمام إلى روسيا، لذلك وبعد استعادة روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 كانت أغلبية سكان ترانسنيستريا تأمل أن تتخذ روسيا خطوة مماثلة تجاه منطقتهم.
– في عام 2016 تم انتخاب إيغور دووين رئيساً لمولدوفا، فسعى إلى توثيق العلاقات مع روسيا وتحييد فكرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما سمح بفتح أبواب ترانسنيستريا له، فضلاً عن تمتين العلاقات مع روسيا وبيلاروس، لكن في عام 2020 تم انتخاب مايا ساندو- الموالية للغرب- خلفاً لدووين، وبما عكس المسار تماماً فتقدمت بطلب انضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي منحها صفة «مرشح للانضمام».
– في أيلول الماضي، أجرت ساندو مشاورات مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ينس ستولتنبرغ في نيويورك، لبحث انضمام بلادها إلى الحلف، وذلك في موازاة إبدائها دعماً مطلقاً للغرب بمواجهة روسيا.
– موقف ساندو أثار توترات سياسية واسعة في مولدوفا، مع عودة دووين إلى الواجهة ووصفه ما تقوم به ساندو بـ«المخالف للدستور الذي ينص على حياد مولدوفا»، محذراً من أن سكان مولدوفا يخشون من التصريحات العدائية التي تدلي بها ساندو، بحيث إنها ستجر البلاد إلى الصراع والحرب.
– يوم الأربعاء الماضي زارت ساندو بولندا، والتقت بايدن الذي أكد لها وقوف أميركا إلى جانب مولدوفا.. وقبل ذلك بأيام اتهمت ساندو روسيا بمحاولة تنفيذ انقلاب في مولدوفا باستخدام «مخربين» حسب تعبيرها.
– مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قامت هذه الأخيرة بذريعة الحرب بإغلاق حدودها مع ترانسنيستريا التي باتت في «حصار غير رسمي»، بالتوازي مع مزاعم أطلقها الجيش الأوكراني بأنه رصد انتشار وحدات عسكرية روسية في ترانسنيستريا، رغم نفي ذلك من هذه الأخيرة، وحتى من مولدوفا نفسها، التي تسعى اليوم إلى استغلال الحرب الأوكرانية، مطالبة بانسحاب قوات حفظ السلام الروسية من ترانسنيستريا بهدف استعادتها.
– كل ذلك فيما كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا يوسعان التحشيد العسكري قرب حدود ترانسنيستريا، ما دفع روسيا لإطلاق تحذير شديد اللهجة عبر بيان للخارجية الروسية يوم الجمعة الماضي، أكدت فيه أن أي استفزاز ضد ترانسنيستريا لن يبقى من دون رد، مشيرة إلى أن أي تهديد لأمن المواطنين الروس وقوات حفظ السلام الروسية في ترانسنيستريا هو بمنزلة هجوم مباشر على روسيا.
الآن.. لماذا ترانسنيستريا، وهل تكون تمهيداً لتوسيع ميدان أوكرانيا باتجاه مولدوفا؟
لا شك في أن استهداف ترانسنيستريا هو استهداف لروسيا، وبعبارة أدق هو تحرش بها، وهي التي لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى الخطر محدقاً بمواطنيها وقواتها هناك، وحسب الخبراء العسكريين فإن ترانسنيستريا ليست لها قيمة استراتيجية كبيرة بالنسبة لروسيا، بل إن إرسال قوات روسية إليها سيسبب المزيد من المشكلات وبما لا يحقق مصلحة روسيا. أما كل ذلك الذي يقال عن أهداف روسيا – من خلال ترانسنيستريا- لتعزيز أمن القرم وعزل بقية أوكرانيا عن البحر ومنع وصول إمدادات الأسلحة الغربية إليها، أو عن مخططات روسيا للاحتفاظ بـ«جيوب نفوذ» في أوروبا الشرقية.. إلخ، كل ذلك لا يبدو متناسباً أو منطقياً مع رأي الخبراء العسكريين آنف الذكر، وبالتالي فإنه كلام مردود على الغرب نفسه، وبما يُوضح فعلياً من هو الطرف الذي يريد توسيع ميدان أوكرانيا.
الغرب وصل إلى قناعة بأن هزيمة روسيا في أوكرانيا غير ممكنة، وبالتالي لا بد من الالتفاف على هذه المسألة بفتح جبهات متعددة بمواجهة روسيا لتشتيت جهدها العسكري بهدف استنزافها وصولاً إلى دفعها إلى التفاوض والتنازل.. أولى هذه الجبهات ستكون كما يبدو ترانسنيستريا- مولدوفا.