كيف ستفوز الصين بحرب أوكرانيا؟
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
عندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، قبل عام من الآن، فركت واشنطن الكف بالكف، تحمساً وترقباً لنتائج هذه العملية باعتبارها ستكون «أفغانستان ثانية» لروسيا، استناداً إلى اعترافات القادة الأوروبيين، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، بأنهم كانوا منذ عام 2014 يُجهزون (مع الأميركيين) ميدان الحرب، عبر تصعيد مسار التهديد الأمني القومي لروسيا، انطلاقاً من أوكرانيا.
اليوم، تضرب واشنطن الكف بالكف خشية وتحسباً من ميدان جهزته بيديها، وترى أن هزيمة روسيا فيه ليست بمتناول اليد.. وميدان آخر لم يكن في حسبانها، انفتح على ميدان أوكرانيا، ويكاد يتحول طرفاً رئيساً، ونحن هنا نتحدث عن الصين وعن سيل التحذيرات والتهديدات التي تطلقها الولايات المتحدة منذ أسابيع ضد الصين على خلفية ما تسميه «التحالف المميت» بينها وبين روسيا فيما يتعلق بحرب أوكرانيا..
.. وعليه نجد أن هناك شبه إجماع بين المحللين والمراقبين على أن الولايات المتحدة باتت تخشى تهديدين في أوكرانيا، روسيا والصين، بل إنها تخشى الثانية بصورة أكبر، باعتبار أنه أياً تكن نتائج حرب أوكرانيا، فهي ستصب في مصلحة الصين، بمعنى أن الصين وحدها من سيخرج منتصراً، على حساب الجميع، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تراهن على أن تلك الحرب ستكون كفيلة بإبعاد الصين عن روسيا بشكل حاسم، حيث إن الصين لن تخاطر بتوسيع المواجهة مع الولايات المتحدة عبر دعمها لروسيا.. وحيث إن تايوان «ملف حرب» يتكرس أكثر فأكثر بين الصين والولايات المتحدة.. بل هو ملف يسير تماماً على خطا ملف أوكرانيا، ويمكن أن ينتقل إلى الميدان في أي وقت.
والسؤال.. هل حقاً الولايات المتحدة لم يكن في حساباتها أن حرب أوكرانيا ستقرب أكثر ما بين روسيا والصين؟
أولاً.. إذا كان الجواب: نعم، فإن الولايات المتحدة باتت في ورطة حقيقية لناحية ما سيجره عليها التقارب الصيني الروسي المتسع والمتسارع، ليس لناحية نتائج حرب أوكرانيا، بل لناحية مجمل الحرب على مستوى «العالم متعدد الأقطاب» والخشية الأميركية من الصين تحديداً لا تخفى على أحد، حتى أميركا نفسها لا تخفيها وهي التي أعلنت الصين كتهديد استراتيجي لها.. وهو وإن كان «تهديداً مؤجلاً» حسب استراتيجيتها المعلنة للعامين الماضيين، إلا أنه تهديد وجودي لزعامتها العالمية، فإذا ما تحالف هذا «التهديد المؤجل» مع «التهديد العاجل» الذي تشكله روسيا حسب الاستراتيجية الأميركية نفسها، فإن على أميركا أن تتحسس رأسها، وتعلن حالة «نفير» على مستوى عالمي وإلا فإن الصين (ومعها روسيا) لن تستغرق أكثر من عام أو عامين لإزاحة أميركا، وليس حتى عام 2050 كما كانت تقول التوقعات حتى الأمس القريب.
ربما كان أفضل وصف لحال الولايات المتحدة مع روسيا والصين هو ما قاله توماس هالدنوانغ مدير الاستخبارات الداخلية الألمانية: «روسيا هي العاصفة، أما الصين، فهي التغير المناخي».
اليوم ما فعلته أميركا هو أنها قربت أكثر فأكثر بين الجانبين، بحيث إن كلاً منهما تتكئ على الأخرى لتضعف حدة ما يسميه المراقبون «العصيان ضد الولايات المتحدة».. ولنورد هنا ما يقوله كين ماكولولايم مدير جهاز الاستخبارات البريطانية «إم آي -5».. ماكولولايم يقول: لولا وجود روسيا بشكلها الحالي لكانت الصين تعاني بشكل أكبر من الانتقادات الغربية (بمعنى العقوبات الغربية والحرب التجارية الأميركية).. الأمر نفسه يُقال بالنسبة لروسيا. ولا شك أن «أسبوع اللقاءات الدبلوماسية المكثفة» الذي شهدته موسكو بزيارة مسؤولين صينين كبار قبيل حلول الذكرى السنوية الأولى للعملية الروسية في أوكرانيا (24 شباط) ضاعف- إلى أعلى حد- المخاوف الأميركية الأوروبية من المستوى الذي وصلته العلاقات الروسية الصينية، فخرجت التصريحات الأميركية عن السيطرة لتحاصر الصين باتهامات حول نيتها «إمداد روسيا بأسلحة فتاكة» في أوكرانيا، وتهددها بـ«عوافب حقيقية»..
.. ولكن أي عواقب؟ هذا ما لم تجب عليه التصريحات الأميركية، في وقت باتت واشنطن تدرك أكثر من غيرها أن الصين تجاوزت بأشواط مرحلة التهديد.. لقد استطاعت، وبهدوء، طيلة العقدين الماضيين أن تبني استراتيجية محكمة القوة لحماية نفسها من أسوأ العواقب الاقتصادية والدبلوماسية، وكذلك الاستفادة من التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم وخصوصاً على صعيد الانهزامات الأميركية في أكثر من ميدان عالمي، عسكرياُ واقتصادياً.
لا بل إن الصين ردت على تهديدات واشنطن بإطلاق «خطة سلام» في أوكرانيا، ودعتها إلى وقف عملية «التربح» من الحرب الأوكرانية، مؤكدة في الوقت نفسه أنها لن تمرر أي محاولات أميركية لتهديد العلاقات الروسية الصينية.
حتى كتابة هذه السطور، لم ترد الولايات المتحدة على خطة السلام الصينية، فيما اكتفت أوكرانيا بالقول إنه لم يجرِ التشاور معها.
ثانياً.. إذا كان الجواب: لا (أي الجواب على سؤال: هل حقاً الولايات المتحدة لم يكن في حساباتها أن حرب أوكرانيا ستقرب أكثر ما بين روسيا والصين؟).. فإن هذا يستدعي سؤلاً آخر. ما هو الهدف من التصعيد الأميركي الحالي ضد الصين على خلفية أوكرانيا تحديداً؟
لا بد من الإشارة هنا إلى أن التصعيد الأميركي يرتكز إلى احتمالات أن الصين ستدعم روسيا عسكرياً «بصورة مميتة/ فتاكة» في أوكرانيا، وهنا يبرز سؤال: ماذا تعني عبارة «بصورة مميتة/فتاكة»؟.. هل تأتي بمعنى حاسمة (للحرب) أم بمعنى الخوف على حياة الأوكرانيين؟
نعتقد أن الإجابة واضحة. مع ذلك من غير المعروف لماذا تركز أميركا على هذا الجانب علماً أن الجانب الاقتصادي هو الأكثر أهمية في ظل حرب العقوبات المتصاعدة التي تشنها أميركا وحلفاؤها الأوروبيون ضد روسيا.
لنلقي نظرة سريعة على أرقام العام الماضي 2022.
– سجلت تجارة الصين مع روسيا رقماً قياسياً خلال العام الماضي بلغ 190 مليار دولار (بارتفاع 30% عن العام الذي سبقه).
– ارتفعت صادرات روسيا إلى الصين بنسبة 43 % بينما سجلت الواردات من الصين زيادة بنسبة 13 %.
– صدرت روسيا في عام 2022 ضعف ما صدرته العام الذي سبقه من البترول السائل إلى الصين.
– زادت روسيا من تصدير الغاز الطبيعي إلى الصين بنسبة 50 % عام 2022 عبر خط أنابيب «باور أوف سيبيريا».
– زاد استيراد الصين للنفط الخام من روسيا بنسبة 10 % عن عام 2021.
وهذا يعوض جزئياً عن حجم مبيعات روسيا من النفط والغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي، التي خسرتها عام 2021.
وكانت روسيا قد وفرت 40 % من واردات دول الاتحاد الأوروبي من الغاز عام 2021، مقارنة مع 15 في المئة فقط العام الماضي.. كما انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الروسي من 26 % عام 2021 إلى 14 % عام 2022. ويعتمد نحو نصف عائدات الحكومة الروسية السنوية على مبيعات الغاز والنفط.
إذاً، لماذا التصعيد ضد الصين على خلفية أوكرانيا؟
الكثير من التحليلات والتوقعات تخرج لتجيب عن هذا السؤال، ومنها أن الهدف هو جر الصين إلى ميدان تايوان طالما أن هذا الخيار بات حتمياً أمام واشنطن لاحتواء النفوذ الصيني من جهة، وهزيمة روسيا في أوكرانيا من جهة ثانية. هذا جواب منطقي ومتناسب مع تطورات عام مضى من عمر الحرب الأوكرانية ومما وصلت إليه العلاقات الروسية الصينية من تعاون «وتحالف».. ولكن هل ثمة أهداف أخرى؟
ربما، لننتظر ونر. فهذا العام 2023 سيكون حافلاً.
أكاديمي وكاتب عراقي