ذروة العدوان على سورية
تشرين- إدريس هاني:
في سياق الكوارث الطبيعية التي تعيشها سورية هذه الأيّام، وفي الوقت الذي تجد المساعدات إلى المنكوبين صعوبات وعراقيل كثيرة، وتحت تلويح «قانون قيصر» الذي يلوح بشبحه على الوضع السوري، على الرغم من إيقاف العمل به في توقيت لا يتجاوز الـ 180 يوماً، في هذا السياق الذي بات موضوع سورية هو المساعدات والإغاثة، يقوم الاحتلال بعدوان استهدف قرى العاصمة دمشق، وأوقع خسائر في الأرواح والبنى التحتية، ليستكمل مهمّة الزلزال.
يحدث كل هذا في سياق مملوء بالمفارقات، لعل بعضاً منها، أنّ النظام الدّولي وجامعة الدول العربية حتى الآن لم يدينا هذا العدوان، الذي لا يستهدف سورية فحسب، بل هو تهديد أيضاً للأمن الدولي ومصداقية القانون الدولي، ومواثيقه الحاثّة على أولوية العمل الإنساني تجاه بلد يمرّ بكارثة طبيعية، ومن ناحية أخرى فإن المحتل الذي يعيش عقدة الهوية والمصير، لاهثاً خلف الاعتراف برسم التقادم، شارك في الإغاثة في تركيا ليقدم صورة إنسانية عن كيان محتل، بينما يقتل الأطفال والآمنين في سورية ويقصف المواقع الأثرية، ويضيف إلى معاناة الشعب السوري مزيداً من الآلام.
وفي مثل هذا الوضع، انتهت أقصوصة أنّ استهداف سورية كان لأسباب إنسانية، اليوم، من كان يتحدث برسم أصدقاء الشعب السوري، يقتل السوريين ويعرقل طريق قوافل المساعدات، إنّها حرب تستهدف الكيان السوري برمته.
ويندرج قصف سورية في خانة «تأديبها» مقابل تشبّثها بحقها في ممارسة سيادتها، فالحرب على سورية كانت تهدف إلى فرض السلام على دمشق بشروط مجحفة تخدم الاحتلال، هنا يكمن جوهر الحرب، ولقد أوضحنا قبل سنوات أنّ الاحتلال، حين تفشل كلّ المحاولات ضد سورية، سيخوضها بنفسه، وهو اليوم يخوضها بجبن ضدّ بلد منهمك في الإغاثة وتدبير كارثة طبيعية، وكان «داعش» قد قام بهجوم مسلح في أماكن منكوبة، وها هو المحتل يكمل العدوان.
كان علينا أن ننبّه باستمرار إلى أنّ العقوبات المفروضة على سورية قديمة وهي مستمرة، وأنّ الوضعية المأساوية التي تعيشها سورية ليست قضية جديدة، بل لقد تواطأت على سورية من كل حدب وصوب، دول حرّكت منظمات العنف الدولي، لاستهداف سورية أكثر من 12 عاماً، ولعب فيها الإعلام والمراكز الدولية والإقليمية المتخصصة في تحريف المشهد دوراً خطراً، وكل ذلك وسط صمت وخذلان وغياب الحدّ المطلوب من التضامن، انتهى كلّ ذلك بتكريس وضع خطر، يصعب الانقلاب عليه، إلاّ بالكفاح والصمود اللذين تقوم بهما سورية وحلفاؤها الحقيقيون، بعيداً عن محاولات المكر وبيع سورية أوهاماً من قبل من تواطأ وتحالف مع خصومها طوال هذه السنوات، ويسعى لإطلاق قنابل دخانية لاحتلال الواجهة كحليف لسورية استيقظ متأخراً بحثاً عن مخرج من لعنة الخذلان التاريخي، فمن كان ينتظر سقوط سورية ليحتفل مع ما يسمى «الجيش الحر»، لن يكون مقنعاً اليوم بعد كلّ هذا الخراب، قيم النزاهة صفة أساسية في العمليات التضامنية، بعيداً عن الانتهازية، لأنّ حبل الدّجل قصير جدّاً.
المحنة السورية امتحان تاريخي لبلد جرّب عبر العصور كلّ صنوف التّحدي، حيث كان هو طائر الفينيق الذي يخرج من رماد المعاناة، محلّقاً منتصراً، بقيادته التي يستثقل من وصلوا متأخرين في قطار التضامن الصدئ، إرسال التحية لقائد هذه المعركة، برباطة جأش وذكاء ونزاهة، ألم نقل لكم منذ 2011، سوف يبسط له السجاد الأحمر، وسينادونه يومها: فخامة الرئيس بشار الأسد، فالتضامن مع سورية يجب أن يخلو من مكر المفردات، إنّه تضامن مع سورية: كلها قيادة وشعباً وجيشاً، تحسّسوا إذاً معجمكم المحتال.
كل التضامن النزيه، النّقي، المخلص مع سورية في محنتها الطبيعية والسياسية، ستظل سورية قويّة رغم الخراب، وهي كما قلنا مراراً لا تحتاج إلى منٍّ أو بيع وهمٍ، لقد كانت 12 عاماً من العدوان كافية لفرز من هو العدو، ومن هو الصديق، ومن هي الكائنات البرّ- مائية التي توجد مع سورية ومع خصومها في آن معاً، وتسعى ببلادة إلى تحريف التّاريخ، ومن لم يعجبه هذا الكلام فليكن شجاعاً بعض الشيء، ويخبرني جهاراً لا نميمة، نكررها: سورية ستنتصر على مواجعها، ستبلغ المرفأ الآمن، وستكتب تاريخها من مخبر شواهدها اليومية الموثّقة.