ملف «تشرين».. كذبة «تخفيف الحصار».. واشنطن لن تنجح في تدوير الزوايا المشبوهة لحربها الإرهابية الاقتصادية على سورية وشعبها
تشرين- مها سلطان:
مهما حاولت.. لن تنجح الولايات المتحدة في تدوير الزوايا القاتلة لحربها الاقتصادية على الشعب السوري، ولن تستطيع رفع الحرج الإنساني والأخلاقي الذي يحاصرها عالمياً بمنعها إغاثة السوريين المنكوبين بفعل الزلزال الذي ضرب بلادهم فجر الإثنين الماضي.. ومازالت أميركا حتى اللحظة ترفض رفع العقوبات والحصار الاقتصادي المباشر الذي تفرضه عليهم وعلى بلادهم منذ ما يزيد على عقد من الزمن.
كان لا بد لأميركا أن تسعى لرفع الحرج، وكنا ننتظر كيف ستفعل ذلك، وكنا نتوقع مسبقاً أن رفع الحرج لن يصل إلى مستوى رفع الحصار، ولكن لم نتوقع أن تتضمن عملية «رفع الحرج» ذلك القدر من الخبث، ومن الأهداف العدوانية ضد الدولة السورية، ومحاولة نقل حالة الحرج إليها، بزعم أن أميركا فعلت ما عليها فعله، والكرة الآن في ملعب الدولة السورية.
واشنطن لن تستطيع رفع الحرج الإنساني والأخلاقي الذي يُحاصرها عالمياً بمنعها إغاثة السوريين المنكوبين
لنوضح أكثر، ولنعرض ونفند ما زعمت أميركا أنه قرار اتخذته مساء الخميس الماضي لتخفيف العقوبات المفروضة على سورية مدة 180 يوماً للسماح بإدخال المساعدات وفرق الإغاثة (ومنح تمويلات) لمتضرري الزلزال في سورية.
هذا في العنوان العريض، أما في التفاصيل فكل الشياطين الأميركية تتجمع هنا لتثبت لنا خبث النيات والأهداف.
أولاً، أميركا صدّرت القرار (أو ما تسميه الترخيص رقم 23) باعتباره رفعاً مؤقتاً للعقوبات مدته ستة أشهر يُسمح خلالها للجميع (أفراداً ودولاً ومنظمات وجمعيات واتحادات ونقابات.. إلخ) تقديم المساعدات والأموال لسورية دون خوف من العقوبات.
أكثر ما تخشاه أميركا هو انفتاح سياسي إقليمي دولي يَعقب الانفتاح الإنساني على سورية
أما حقيقة الأمر، فهو يستنثي فقط (معاملات الإغاثة من الزلزال) أي إنه لا يشمل ما قبله من عقوبات ولا يتضمن تخفيفاً لها، سواء على مستوى قانون قيصر، أو العقوبات الأخيرة على القطاع الصحي، أو حتى العقوبات المفروضة قبل ذلك. وكان رد الدولة السورية واضحاً وفي مكانه عندما أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً في أعقاب هذه المزاعم الأميركية أكدت فيه أنه قرار مضلل وهو «ليس سوى نسخة مكررة لقرارات صورية سابقة تهدف لإعطاء انطباع إنساني كاذب، إذ نص على استثناءات مزعومة لأغراض إنسانية أثبتت الوقائع زيفها».
ثانياً، تزعم أميركا أن القرار «يوسع الإعفاءات الحالية من العقوبات المعمول بها في سورية» وأن هذه الإعفاءات سارية على جميع الأراضي السورية بما في «المناطق التي تسيطر عليها الدولة» حسب تعبيرها، وأن عقوباتها بالأساس لا تؤثر على المساعدات الإنسانية ولا تعرقل تدفقها.
نعم هناك «إعفاءات حالية» ولكنها محصورة بمناطق سيطرة المجموعات الانفصالية المدعومة بقوات الاحتلال الأميركية في الشمال والشمال الشرقي، أو مناطق سيطرة المجموعات المسلحة المدعومة من الاحتلال التركي في الشمال.
هذه ليست إعفاءات وإنما محاولة لخداع السوريين والعالم، وعندما تسعى أميركا لتضمين قرارها تصريحات تبريرية مخادعة فهذا يعني أنها متمسكة بعقوباتها ولن ترفعها وما قرارها ذاك سوى محاولة لـ«تجميل صورتها والتنصل من مسؤوليتها عن عرقلة الجهود الرامية لإنقاذ ودعم المتضررين من الزلزال وتوفير الاحتياجات الأساسية لأبناء الشعب السوري المنكوب» حسب بيان الخارجية السورية آنف الذكر.
الأخبث في كذبة تخفيف العقوبات أن أميركا تقسم سورية إلى شعبين أحدهما فقط يستحق المساعدة
ثالثاً، والأخبث هو أن تدعو أميركا الدولة السورية إلى «السماح فوراً بدخول المساعدات عبر كل المراكز الحدودية والسماح بوصول المنظمات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين بلا استثناء» بمعنى فتح الحدود على غاربها أمام كل أنواع المساعدات وفرق الإغاثة والمنظمات الإنسانية دون التدقيق ودون مساءلة عن نوعية المساعدات أو هوية الفرق والمنظمات.. وأكثر من ذلك أن هذه المساعدات والفرق والمنظمات لا يتوجب عليها التعامل مع الدولة السورية وإنما الدخول فقط إلى الأراضي السورية والعمل عليها دون إذن أو استذان، فقط لأن أميركا تريد ذلك.. وهذا تحريض مباشر وموصوف ضد الدولة السورية.
رابعاً، عندما تقول أميركا إنها تطالب الدولة السورية إيصال المساعدات إلى كل السوريين المحتاجين دون استثناء، فهذا يعني أنها تشكك في نيات الدولة السورية وجهودها ورعايتها لكل مواطنيها دون استنثاء، وهي تتجاهل التصريحات المتواصلة للدولة السورية، وكان آخرها أمس، والتي تؤكد استعدادها لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع انحاء سورية بما فيها «المناطق التي تقع خارج السيطرة».
هذا عدا عن أنها تستطيع كدولة، وهي الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري والمعترف به من قبل الأمم المتحدة، أن تقوم – بمؤسساتها ومنظماتها ومجتمعها الأهلي- بكل المهام الإنسانية المطلوبة على الأرض، دون حاجة لأميركا ومنظماتها وما وراءها من أهداف عدوانية.
تخشى أميركا كل ذلك، ويجب أن تخشى، وعلى أساس هذه الخشية ستبني سياساتها المقبلة في سورية.
أقرأ أيضاً: