من قال إن سورية وحلفاءها وأصدقاءها ينتظرون «رخصة» أميركية؟

تشرين- هبا علي أحمد:
كاذبون ..كاذبون ..كاذبون، تكذب أمريكا، تنافق وتراوغ كما عادتها، لكن كذبتها برفع العقوبات بشكل جزئي ومؤقت عن سورية نظراً للكارثة التي نعيشها لليوم السادس على التوالي جراء الزلزال المدمّر – الذي وقع  فجر يوم الاثنين الماضي-  لن تنطلي على أحد، وإن كان هناك من يصدقها ويرسل رسائل «العرفان» لها، فنحن هنا في سورية لن نفعل ولن نشكرها ولن نصدقها.. صحيح أننا بحاجة لرفع العقوبات الفوري والعاجل بزلزال وبلا زلزال، وصحيح أننا ندعو لذلك، نطالب ونناشد ونحثّ، وبات حديثنا اليومي، ولكن يجب ألا ننجر وراء «المكرمة» الأمريكية المزعومة، بل ويجب أن نفنّدها ونبحث عن خلفياتها وأسبابها، ليعلم جميع العالم السقوط الأمريكي إلى أين وصل اليوم، ولا بد من التذكير بأنه وصل إلى ما وصل إليه جراء الصمود السوري الأسطوري، جيشاً وشعباً وقيادة.
أمس أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قراراً يسمح بعودة المعاملات المالية المتعلقة بالإغاثة من الزلازل إلى سورية لمدة 180 يوماً، في استثناء من الإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تفرضها على الشعب السوري، وفي إجراء يهدف بلا شك إلى إحراج الدولة السورية من جهة ووضعها أمام مسؤوليتها، في مقابل تنصل الولايات المتحدة من مسؤوليتها بعرقلة الجهود الرامية لإنقاذ ودعم المتضررين من الزلزال وتوفير الاحتياجات الأساسية لأبناء الشعب السوري المنكوب، من جهة أخرى، وهو ما عبّرت عنه وزارة الخارجية والمغتربين السورية في بيان لها.
لنعد إلى القرار الأمريكي ونوضح مدى زيفه..

لو كانت واشنطن حريصة على السوريين لرفعت العقوبات كلياً ونهائياً وتوقفت عن سرقة ثرواتهم النفطية والغذائية

أولاً، القرار الأمريكي جاء بعد حديث مصادر عن استعداد الحكومة السورية لإدخال قافلة محملة بالمساعدات إلى إدلب عبر معبر سراقب، وأنها تنتظر فقط وجود ممثلي منظمات الأمم المتحدة لتسليمهم المساعدات، مؤكدة  أن الجانب السوري أبلغ الجانب الأممي بأنه في حال تأخرت المنظمات الدولية في أداء واجباتها وتسليم المساعدات، فإن سورية لن تتردد في إدخال هذه المساعدات وحدها لمساعدة الأهالي المنكوبين، ماذا يعني ذلك؟.. دخول الدولة السورية إلى المناطق المتضررة في إدلب والتي هي تحت سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة يُعد من «الخطوط الحمراء» بالنسبة لواشنطن وحلفائها، ودخولها يعني أن سورية صاحبة القرار وصاحبة السيادة حاضراً ومستقبلاً، وبما يغير بالضرورة من مجريات الحرب علينا لاحقاً بعد معالجة كارثة الزلزال والنهوض منها، وهذا أكثر ما تخشاه واشنطن وتحول دونه، إذ تخشى فقدان ورقة إدلب، وتخشى أن تعود إلى كنف الدولة السورية، وهذه نقطة غاية في الأهمية لصدور هذا القرار في توقيته.
..النقطة الأخرى المرتبطة بما سبق، أن واشنطن تربط المساعدات بضرورة فتح الحدود، وفتح معابر بعينها دوناً عن غيرها لا تقبل بها الدولة السورية لأسباب معروفة للجميع، وبذلك تظن الولايات المتحدة أنها تحرج الدولة السورية.. لكن لا بد من التذكير أن المعابر التي تطالب بها واشنطن لطالما كانت طرقاً لإمداد الإرهابيين بالسلاح ودعمهم مادياً ولوجستياً لمحاربة الدولة السورية.. إذاً مهما علّلت واشنطن فالحقائق ندركها تماماً.
ثانياً، رفع العقوبات حسب القرار هو جزئي ومؤقت، يرتبط بالمعاملات المالية المتعلقة بالإغاثة من الزلزال ويسري لمدة ١٨٠ يوماً فقط تنتهي في الثامن من آب المقبل أي بعد ٦ شهور، وهذا دليل على أن واشنطن تُمعن بإجرامها بحق الشعب السوري وتُمعن بمحاصرته وتجويعه، كما تُمعن في حربها الإرهابية وتسعى إلى استمرارها وتزيد من ضغوطها لتحقيق أطماعها بـ«إسقاط» الدولة السورية والتي لن تنجح بطبيعة الحال، فلو كانت واشنطن حريصة على السوريين لرفعت العقوبات كلياً ونهائياً، ولتوقفت عن سرقة ثرواتهم النفطية والغذائية وعندها لا يحتاجون لاستيراد المشتقات النفطية التي تمنعها واشنطن حتى اليوم وما زالت تحظر استيرادها في دليل على أن قرارها مُضلّل، لو كانت صادقة النوايا لكانت ساعدتنا ومدتنا بالعون منذ اللحظات الأولى بعد الزلزال، ولكان التابع الأوروبي قدّم المساعدة أيضاً شأننا في ذلك شأن تركيا فالمُصاب واحد.
ثالثاً، القرار الأمريكي تأخر خمسة أيام بعد وقوع الزلزال، وفي هذا الوقت كانت أمريكا تشاهد فقط مع بعض التعليقات التي لا تعنينا.. كانت تشاهد كيف أن دولاً تجاوزت هيمنتها وسطوتها وكسرت الحصار عن سورية ومدّت يد العون والمساعدة.. وكانت تسمع أصوات المطالبات من جهات عالمية ودولية وإقليمية برفع إجراءاتها الأحادية القسرية واللاشرعية المفروضة على سورية، أي تحميلها المسؤولية بشكل صريح ومباشر من تلك الجهات عما يعانيه الشعب السوري المنكوب والمكلوم، بما يشكل ضغطاً عليها وإحراجاً لها وبالتالي أرادت من قرارها تخفيف الإحراج عنها والتنصل من مسؤولياتها، والظهور بمظهر الإنسانيّة الكاذبة..وهنا يجب التأكيد أن هذا القناع سقط منذ زمن وأصبحت الصورة واضحة وفاضحة وواشنطن عارية تماماً أمامنا وأمام المجتمع الدولي وإن كان الكثيرون يغضون البصر عن العريّ الإنساني والأخلاقي والقانوني للولايات المتحدة.
المُثير للضحك أن القرار صدر باسم «الرخصة العامة لسورية رقم٢٣»..  الرخصة يعني السماح، ومن قال لواشنطن أننا ننتظر سماحها من عدمه.. ومن قال لواشنطن أن الأصدقاء والحلفاء ينتظرون «رخصتها» لمساعدتنا.. لا شك أن القرار في أحد جوانبه حفظاً لماء الوجه.
عموماً، نحن لا ننتظر من واشنطن أي مبادرات وقرارات مزعومة مزيفة لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، ونحن بمساعدة الأشقاء والأصدقاء نستطيع إيصال المساعدات لكل المناطق المنكوبة إن تطلب الأمر.. وليس القرار الأمريكي إلا عرقلة واضحة ومؤكدة للجهود الرامية لإنقاذ ودعم المتضررين من الزلزال وتوفير الاحتياجات الأساسية لأبناء الشعب السوري المنكوب، وأيضاً عرقلة للمطالبات برفع العقوبات عن سورية وكسر الحصار.. هذه هي أميركا على حقيقتها.

أقرأ أيضاً:

قرارات دعائية بوصمة إنسانية.. كوارث الطبيعة تحرك الملفات المتعثرة والخبراء يعوّلون على استثمار الوقت بالمفيد

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار