درس بفاتورة زلزال!
في مأساتنا نحن السوريين، درس بفاتورة باهظة عنوانه “لا تصدقوا الغرب وأمريكا يا شعوب العالم”.. لا تصدقوا ادعاءاتهم بالحرص على الديمقراطيات وحقوق الإنسان- والحيوان- وعلى حريات الشعوب وحقوقها وسلامتها، وعلى سلامة المناخ والبيئة، كلّها مجرد حراب لتأليب الشعوب والدول على بعضها البعض.. كمن يهز “كيس الفئران” لتلهو ببعضها كي لا تهدأ وتقضم الكيس وتخرج..
يصنّف العارفون بطباع الحيوان، الضباع بأنها الوحوش الأكثر غدراً ومخاتلةً وخداعاً على الإطلاق، وهي الأكثر تنفيراً لا لرائحتها الكريهة التي تشي باقترابها.. بل لأنها تبدأ بنهش فريستها حيّة.. أي حتى الافتراس له قواعد لا تحيد عنها إلّا الضباع الغادرة.
لعلّها المقاربة الأكثر واقعيّة للموقف الأميركي والغربي من زلزال سورية والكارثة التي حلّت ببلد وشعب أنهكه الحصار والاستهداف، إنهم “ضباع” هذا العالم المتفلّتون من كل قيمة إنسانية، هكذا ثبت للعالم أجمع بعد أن أسقطت “المأساة السورية” آخر قناع كانوا يحتفظون به للمراءاة في استعراض قشور الديمقراطية والنزعات الإنسانية الخادعة.. لم يخجلوا من الازدواجيّة والفرز السافر في التعاطي مع منكوبين في بلدين وحّد مصيرهم الدمار والموت، وكأنهم يؤكدون للدنيا أنهم فعلاً هم صانعو الكوارث والجائحات الفتاكة، هم من ابتكروا أخطر الأوبئة لإنقاص أعداد البشر في هذا العالم، وهم من تعمّد التخلّص من كبار السنّ في مجتمعاتهم.. أكّدوا كل المزاعم الكئيبة التي خلناها شائعاتٍ وتلفيقات لا حقائق دامغة، يبدو مؤكداً أنهم أدمنوا مشاهد الدم والدمار، فالموت لعبتهم التي أتقنوها جيداً..
بالفعل كنا مخطئين كما كل هذا العالم عندما توهمنا أن ثمة قيماً إنسانية قيد التداول إن في مراعي “الكاو بوي” أو في أخاديد القارة العجوز التي شاخت قيمها قبل قوامها الديموغرافي.. وقد قالها الرئيس بشار الأسد في حوار مع قناة تلفزة هندية قبل حوالي 7 سنوات “أعتقد أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبناه هو أننا صدّقنا أن الغرب يمتلك قيماً”..
دعونا من القيم بكينونتها الوجدانية الشرقية، ولنتحدث بالنفعية والبراغماتية الغربية التي تُنحّي كافة القيم عادة.. لنتساءل عن أي نفعية تلك التي يسهو الموصومون بها عن مصالحهم؟
الأكيد أن الغرب فوّت فرصة من ذهب للتماهي إنسانياً مع العالم، و”النزول عن الشجرة” فيما يخصّ المسألة السورية التي أمست مسألة دولية لا مجرد إقليمية نظراً لحساسية الجغرافيا..
خدع الأميركان و”مفوضية العجائز” وأحرجوا كلّ من انتظر الإذن منهم للمبادرة الطيبة باتجاه سورية، وتنصّلوا من تهمة اللاإنسانية عندما أعلنوا بعد ٦٠ ساعة من الزلزال، أنهم لم يمنعوا أحداً من تقديم مساعدات وإغاثة لسورية.
كما لن ينسى السوريون الجرح والرضّ القادم من الغرب، لن ينسوا جرأة وإنسانية القادة والشعوب الحرّة، ممّن كسروا الحصار وأغاثوا البلد الذي طالما كان مغيثاً لكل محتاج.. لن ننسى كل مبادرة أو كلمة مواساة، ولن ننسى “فزعة” الإعلام الحرّ وجرأته في قول كلمة الحق.
ما قبل الزلزال يجب أن يكون غير ما بعده.. ويبدو أن قدر سورية أن تكون موطن العِبر والدروس البليغة للعالم أجمع.